أنهى المنتخب المغربي مشاركته في كأس إفريقيا، وأنهى حكايته مغامرته القارية عند خط الربع، بعد مشاركة أكثر ما يمكن أن يقال عليها أنها كانت مفيدة للاعبين وللطاقم التقني وناجحة، رغم أن الحلم توقف بطريقة قاسية أمام فراعنة مصر الذين أبوا إلا أن يفكوا العقدة التي دامت 31 سنة، وحرموا الأسود من مواصلة طموح العودة إلى الواجهة الإفريقية عبر بوابة الغابون. والأكيد أن أسئلة كثيرة تدغدغ كل من تابعوا مشوار الأسود، في مشوار بدأناه بالكثير من أسئلة من الشك والقلق، وأنهيناه بارتياح كبير وتفاؤل بغد أفضل، بعدما تحقق الكثير من الأشياء الإيجابية في هذه النسخة. عقدة (مامَا أفريكا) لا أحد يجادل كون أن الكرة المغربية تعاني على المستوى الإفريقي ولم تجد موطئ قدم بين الحيتان الكبيرة للقارة الإفريقية، حيث تاهت وسط أدغالها وفقدت بوصلة التألق، وتراجعت أمام منتخبات حافظت على توهجها كمصر، وصعود منتخبات أخرى كزامبيا وبوركينافاسو، حيث كان الفشل هو عنوان المشاركات الأخيرة، بدليل أننا فزنا بلقب واحد في 1976 بإثيوبيا ولم نتجاوز الدور الأول منذ نسخة 2004، أي في نسخة 2006 بمصر مع المدرب محمد فاخر، ثم 2008 بغانا مع المدرب الفرنسي هنري ميشيل، ولم نشارك في 2010 بأنغولا، كما ضربنا الإقصاء أيضا في الدور الأول مع البلجيكي إيريك غيرتس في نسخة الغابون، وكذا نسخة 2013 بجنوب إفريقيا مع رشيد الطوسي، بينما لم نشارك في 2015 بغينيا الاستوائية، لذلك طرحت مجموعة من الأسئلة حول الصورة التي سيظهر بها المنتخب المغربي في نسخة الغابون. ثعلب أبيض في عرين الأسود عندما استعصى على رشيد الطوسي تحقيق النتائج الإيجابية وفك عقدة الدور الأول، إستنجدت جامعة الكرة مجددا بمدرب مغربي آخر في شخص الزاكي بادو، لكن الأخير سحبت منه الثقة لأسباب متعددة والمتعلقة بما هو تقني وعلاقته باللاعبين والمسؤولين. وكان على جامعة الكرة أن تتريث بعض الوقت قبل اتخاذ القرار الحاسم لاختيار الربان المناسب أو رجل المرحلة، حيث طال الإنتظار لأكثر من 10 شهور، قبل أن تجد البديل الذي رأى فيه المسؤولون رجل مرحلة تستدعي مدربا عارفا أولا بخبايا الأدغال الإفريقية، وأيضا من يبعث في الأسود روحا جديدة، تذيب الصعوبات التي يجدها اللاعبون، كلما تعلق بمشاركة إفريقية. الثعلب الفرنسي هرفي رونار حقق حلمه، وهو الذي كان يتمنى تدريب المنتخب المغربي، وجيء به وهو مدجج بالكثير من التجارب الإفريقية، والأكثر من هذا أنه مثقل بلقبين إفريقيين مع زامبيا والكوت ديفوار، وألقيت عليه من دون شك مسؤولية كبيرة، لأنه كان يعرف انتظارات الجمهور المغربي المتعطش لفك العقدة الإفريقية. هدف واحد رونار وبعد أن قاد المنتخب المغربي إلى التأهل لنهائيات كأس أمم إفريقيا، كان يدرك ما ينتظره هناك رغم أن المجموعة الثالثة التي تواجد بها كانت ملغومة، خاصة بتواجد المنتخب البطل الكوت ديفوار، إذ كان مطالبا بالنجاح دفاعا عن كبريائه وإسمه في القارة الإفريقية وتحقيق على الأقل هدف أسمى ألا وهو عبور الدور الأول. ورغم التوجس الذي كان يبديه الجمهور المغربي خشية أن تعاد سيناريوهات النسخ الماضية، خاصة التغييرات التي عرفها خارطة الكرة المغربية، إلا أن الثقة كانت موضوعة على رونار بحكم تجربته وخبرته في الأدغال الإفريقية لينجح في المهمة التي جاء من أجلها، خاصة أنه يعرف جيدا تضاريس الكرة الإفريقية. في اتجاه الإمارات بعدما دخلنا العد العكسي لانطلاق المنافسة الإفريقية، كان هرفي رونار قد قرر بأن يكون الإستعداد بالإمارات، حيث اختار مدينة العين ليعسكر فيها اللاعبون ويرفعوا من درجة التركيز، خاصة أنه اعتبر بأن الإمارات كانت فأل خير عليه، حيث استعد بها مع منتخب الأفيال قبل أن يتوج باللقب في النسخة الأخيرة بغينيا الإستوائية. رونار وجد في معسكر الإمارات فرصة ليكون أكبر وقت ممكن بجانب اللاعبين، ثم ليرفع من درجة اللياقة البدنية، حيث تأكد من خلال المشاركة في المنافسة، أن البرنامج الذي وضعه الطاقم التقني كان ناجحا على المستوى البدني، من خلال الحضور القوي الذي أبان عليه اللاعبون، وتأكد بأنه ركز في معسكر الإمارات على تقوية اللياقة البدنية، إيمانا منه بأن كأس إفريقيا تتطلب إعدادا بدنيا على أعلى المستوى. إنسحاب إيران وسقطة فنلندا عرف معسكر الإمارات بعض التصدعات، حيث ساد نوع من القلق من مدى تأثير بعض الصعوبات على الإستعداد، خاصة أن المنتخب المغربي دخل وقتها المراحل الأخيرة قبل بدء أجواء المنافسة الإفريقية، وذلك بعد إلغاء المباراة الودية أمام المنتخب الإيراني، فشكل ذلك ضربة كبيرة لرونار، خاصة أن برنامجه تأسس حول رفع من تنافسية اللاعبين عبر خوض مباراتين وديتين، من أجل الوقوف أولا على جاهزيتهم ثم الرفع من نسبة التجانس والإنسجام التقني والتكتيكي فيما بينهم، ثم الوقوف على مدى انسجام لاعبيه مع الأسلوب الذي ينوي اللعب به في النهائيات. وأمام هذا الطارئ كانت أمام المنتخب المغربي مباراة ودية واحدة، كانت أمام المنتخب الفنلندي، الذي كنا نعرف بأنه يمارس بالقارة الأوروبية ولا يمت بأية صلة لما يجده اللاعبون في المنافسة الإفريقية، حيث أصر رونار على عدم مواجهة منتخب إفريقي، ومع ذلك خسر المنتخب المغربي بهدف للاشيء، وهي الخسارة التي تعرض بسببها الطاقم التقني واللاعبون لانتقادات كبيرة، دون استثناء المستوى الباهت الذي قدموه. الإصابات.. الشبح الذي داهم العرين لم يكن أشد المتشائمين ينتظر أن تطارد الإصابات لاعبي المنتخب المغربي، حيث سقطت أسماء أساسية وبارزة مثل أوراق التوت في عز الخريف، وانسحبوا من المشاركة واحدا تلو الآخر في وقت جد حاسم، أي عندما كان المنتخب المغربي يستعد في معسكر الإمارات، ولم يتبق على بدء انطلاق النهائيات إلا أيام. ومن سوء حظ رونار أن الغيابات همت بالأساس جبهة الهجوم، ما شكل أولى الصعوبات في طريق المنتخب المغربي، إذ لم يكن الطاقم التقني ينتظر هذا السيناريو الذي باغث رونار، حيث فرضت الإصابة أولا غياب يونس بلهندة الذي كان أول المنسحبين، فمباشرة بعد إعلان اللائحة النهائية نزل خبر غيابه، تلاه أسامة طنان لاعب سانت اتيان الذي دخل معسكر الإمارات قبل أن يضطر لمغادرته. ومن إنجلترا نزل خبران كقطعة ثلج على رونار، الأول كان يتعلق بإصابة نورالدين أمرابط مع نادية واتفورد الإنجليزي، والثاني إصابة سفيان بوفال مع ساوثامبتون، حيث حضر اللاعبان إلى الإمارات ومعهما تقريرين يؤكد إصابتهما، قبل أن يتأكد غيابهما بعد خضوهما للفحص من طرف طبيب الأسود، فشكل غياب هذا الرباعي ضربة موجهة للمنتخب المغربي قبل بدء المنافسة. بأي شكل دخلنا؟ أمام الضربات التي تلقاها المنتخب المغربي وهو يتأهب لدخول المنافسة، ساد نوع من القلق والشك في نفسية الشارع الكروي المغربي، إذ أجمع الكل على أن الغيابات التي عانى منها الأسود ستترك فراغا كبيرا، خاصة أن اللاعبين الأربعة يعتمد عليهم رونار كثيرا في الهجوم، ويعتبرون من الأسماء الأساسية، فوجد صعوبة كبيرة لتعويضهم في ظل قلة تجربة البدلاء على غرار يوسف النصيري وعزيز بوحدوز ورشيد عليوي، وكذا مع تراجع مستوى يوسف العربي. معطى آخر أدخل الشك والقلق تمثل في العرض المتواضع الذي قدمه المنتخب المغربي في المباراة الودية الوحيدة أمام فنلندا، حيث تأكد للجميع بأن منتخبنا سيعاني من دون شك. بداية غير مثالية كان المنتخب المغربي يدرك أنه مطالب بالتوقيع على بداية جيدة، لرفع الضغط ولتأكيد أنه مستعد لدخول التحدي الإفريقية والأكثر من هذا لإيمانه بأن دور المجموعات يتطلب الفوز بالمباراة الأولى لمواصلة المشوار دون ضغط، خاصة أن المنتخب الإيفواري كان ينتظره في المباراة الثالثة. كانت المباراة الأولى عبارة عن نافذة لمعرفة الأسلوب الذي سيلعب به رونار، وكذا التشكيلة التي سيعتمدها، مع الأسف أن البداية لم تكن مثالية، حيث سقط الأسود في فخ الفهود، وخسروا بهدف قاتل لا يعكس مجرى المباراة التي تسيدها المنتخب المغربي، وكان الطرف الأفضل طيلة المواجهة، بدليل أن المنتخب الكونغولي سجل من الفرصة الوحيدة التي أتيحت له، فزادت الخسارة من الضغط على اللاعبين والطاقم التقني. إنفراج وانتظار إن كان رونار قد جرب في المباراة السابقة 4 خطط ومع ذلك لم ينجح في تحقيق مبتغاه، فقد كان السؤال متعلق بالخطة التي سيلعب بها في المباراة الثانية أمام الطوغو وكذا إن كان سيحدث تغييرا في تشكيلته، خاصة أن المباراة كانت حاسمة في مسلسل رغبة الأسود في التأهل، فوقع اختياره تقريبا على نفس الشاكلة، مع تغيير على مستوى التشكيل، بإدخال فيصل فجر مكان المهدي كارسيلا. وقدم منتخب المغرب مستوى مقنعا أمام الطوغو وكان في الموعد، بعدما استطاع الفوز ب 31، وتمكن من كسب أولى نقاطه الثلاث، بأهداف وقعها بوحدوز وسايس والنصيري، حيث فتح هذا الإنتصار شهية الأسود من أجل تحقيق أغلى الأماني وعبور الدور الأول. الأسود تزأر بأوييم إعتبر الإختبار جد صعب والمنتخب المغربي يستعد لمواجهة كوت ديفوار في المباراة الثالثة والأخيرة، لأن الأفيال الجريحة كانت بحاجة للإنتصار للتأهل، بينما كان الأسود بحاجة لنقطة واحدة، لكن ما لوحظ هو تغيير لهجة الشارع الكروي وكذا المحللين من النقد والتشاؤم إلى الإرتياح والتفاؤل، في ظل المستوى الذي قدمه اللاعبون أمام الطوغو والفوز المهم الذي حققوه، لذلك وجد اللاعبون أنفسهم أمام تحد كبير وهم يواجهون الأفيال. آثر رونار مجددا القيام بتغيير واحد، تمثل في اللاعب بمهاجمين صريحين وهما بوحدوز والنصيري الذي عوض قادوري، فيما حافظ على نفس الشاكلة المبنية على 352، ذلك أن الحوار جاء تكتيكيا وصارما، وقدم اللاعبون مجددا واحدة من أقوى المباريات على جميع المستويات، وكللوا جهودهم بفوز رائع جسده الهدف الجميل الذي سجله رشيد عليوي، والذي أهدى به تأهلا عن جدارة واستحقاق، كيف لا والمنتخب المغربي خرج على يده البطل الكوت ديفوار بأنفته وكبريائه، وفزنا عليه بعد 23 سنة من الإنتظار، وتأهلنا أيضا لدور الربع بعد 13 سنة. هذا الانتصار كان وقعه إيجابي على الشارع الكروي، الذي تأكد له أن المنتخب المغربي وجد الإيقاع الحقيقي في المنافسة الإفريقية، وكذا الوصفة لمقارعة الأسود، كما نجح رونار في فك الشفرة التي بحث عليها ، بل راهن عليها. الفراعنة أجهضوا الحلم بقساوة الطريق بدا معبدا أمام المنتخب المغربي من أجل بلوغ دور النصف وارتفعت نسبة التفاؤل وعم الإرتياح في الشارع الكروي، خاصة أن خصم الربع لم يكن سوى المنتخب المصري الذي نعرف أننا نشكل عقدة دامت أكثر من ثلاثين سنة ورغم ذلك كانت كل المؤشرات تؤكد بأن الحوار سيكون صعبا على المنتخبين. رونار لعب بنفس التشكيل الذي خاض به المباراة أمام كوت ديفوار مع تغيير الملعب الذي أجرى به مباريات امجموعة الثالثة، إذ انتقل من أوييم إلى بورجونتي ذات الأرضية السيئة والتي خلقت الكثير من الجدل، فكان من الطبيعي أن تشكل عائقا كبيرا أمام لاعبي المنتخب المغربي وهم يكتشفونها لأول مرة، بخلاف المنتخب المصري الذي أجرى بها مباراته الرابعة. الأسود حافظوا على مستواهم الجيد وقدموا عرضا رائعة، لكن ما كان ينقصهم في هذه المباراة هو التسجيل، بعدما تسيدوها وأضاعوا الكثير من الفرص، غير أن الحظ هذه المرة أدار ظهره للمنتخب المغربي، بعدما سجل كهربا هدف الإنتصار في وقت قاتل في الدقيقة 87، لتنتهي رحلة الأسود الإفريقية، حيث خرجوا مرفوعي الرأس. ماذا ربحنا؟ الأكيد أن المنتخب المغربي خرج في الأخير بعدة دروس وعبر من هذه المشاركة، بل خرجنا بخلاصات جد إيجابية، وكان أبرزها حضور الشخصية الإفريقية التي كان يفقدها المنتخب المغربي، فإذا كان الأسود قد فكوا في هذه عقدة الدور الأول، فإن الأهم أيضا تحقق وظهرت بصمة مدرب راهن وهو يتعاقد مع المنتخب المغربي على إدخال الثقافة الإفريقية في عقلية اللاعب المغربي، وتسلحه بالشراسة وكسب النزالات الثنائية والإندفاع البدني ودخول معترك الإلتحامات بشجاعة. كلها ميزات تابعناها والمنتخب المغربي يخوض رحى المنافسة في الغابون، ولاحظنا كيف تغير الأسلوب الذي بات يلعب به المنتخب المغربي، أسلوب نجح به في مقارعة الخصوم. اليوم حققنا غاية كبيرة ألا وهي الشخصية الإفريقية، وغدا ستفتح صفحة جديدة عنوانها مواصلة العمل الذي بدأه رونار وعدم التوقف، لأن الكرة المغربية بكل بساطة هي الآن بحاجة لرونار الذي كشف الداء ووجد الدواء، ونجح في إيجاد الحلقة الضائعة في الأدغال الإفريقية.