طالعت بيانا لمجموعة من الإطارات والشخصيات المساندة للقضية الفلسطينية تطالب فيه بمتابعة الزميل الصحافي أحمد نجيم، بسبب إجرائه حوارا مع مسؤول إسرائيلي مكلف بالشأن المغربي في وزارة خارجية إسرائيل. بعد قراءة البيان وجدتني موزعة بين تعاطفي ودفاعي عن الحق الفلسطيني، وهو تعاطف ودفاع تشربتهما في مدرستي السياسية الاتحادية، التي كانت سباقة لتأسيس لجان التضامن مع الفلسطينيين، والتي كانت تصدر منبرا من منابرها الإعلامية "فلسطين"، كان يديره الشهيد عمر بنجلون، وبين واجب الدفاع عن حق الصحفيين والصحافيات في ممارسة مهنتهم، ماداموا محترمين لأخلاقيات المهنة، وأعراف العمل الصحفي التي راكمتها أجيال من التجارب الكونية... حسابات ومحاذير وخطوط الصحفي ليست هي نفسها حسابات السياسي.. وزمن الفضاءات الرقمية المفتوحة والتي حدودها السماء.. ليس هو زمن الجريدة الورقية والتلفزة الوحيدة. وإذا كان السياسي له التزامات ايديولوجية أو عقائدية تمنعه من التطبيع وتعتبره جريمة، فإن الصحفي حتى الذي يحمل قناعة رفض التطبيع يقارب الأمور من زاوية واجبه الأساس، في نقل الخبر والبحث عن المعلومة وتنوير الرأي العام ليشكل قناعاته عن بصيرة. وإذا لم نع هذه الفروقات، فلربما سنسقط في تناقضات... فهل نحذف تصريحات المسؤولين الإسرائيليين من نشرات الأخبار، بدعوى عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني؟ هل نعتبر ترجمة مقالات وكتب وروايات كتبها إسرائيليون تطبيعا، أم يدخل في خانة التعرف على تجربة "العدو"، أم ماذا؟ لنتذكر أن أول صحيفة عربية كانت تترجم مقالات الصحف العبرية هي "القدس العربي" التي كان يعتبرها مناهضو التطبيع منبرا قريبا من محور الممانعة والمقاومة، ولم يقل أحد إن تلك الترجمات من شأنها أن تؤثر على القارئ المناهض لإسرائيل، رغم أن بعض تلك المقالات كتبها ما يسمى بجناح الحمائم، وكانت تقدم صورة وردية عن إسرائيل كواحة الديمقراطية. إن ملايين من العالم العربي يتابعون تدوينات أفيخاي أدرعي يوميا، والتي هي أخطر بما يمتلكه من حس تواصلي من أي حوار يجريه مغربي مع مسؤول إسرائيلي. لنطرح أسئلة نخلخل بها بداهاتنا،، هل الأفيد ان نتلقى وثائقي عن اليهود المغاربة مثلا برؤية مخرج إسرائيلي أو فرنسي، أم نشاهده برؤية مغربي؟.. هل الأفيد أن نترجم مقالا حول المغرب من صحيفة عبرية، أم نقرأ حوارا لمغربي مع مسؤول إسرائيلي فيه أسئلة تعبر عن تساؤلات الجمهور المغربي؟ لقد أجرت cnn حوارا مع بن لادن عدو أمريكا اللدود، وأجرت bbc حوارا مع الجنرال جالتيري رئيس الارجنتين أثناء أزمة جزر الفوكلاند بداية الثمانينات ايام تاتشر،، ولم يعترض لا الانجليز ولا الامريكان على حوار صحفي مع عدوهم، بل اعتبروا الأمر يدخل في نطاق حق المواطنين في المعلومة ومعرفة طريقة تفكير "العدو". هناك فرق بين حوار صحفي حتى ولو كان مع الشيطان، ونقل الأحداث والتصريحات، وبين التضليل من أجل تجميل جرائم اي كان، وأعتقد أن ما قام به الزميل أحمد نجيم هو خدمة صحافية.. وليس نشاطا سياسيا يمكن أن نؤطره ضمن قطبي المقاومة والتطبيع او غيرهما.