لا تزال أزمة البام مستمرة قبل أربعة أيام من انعقاد المؤتمر الرابع، حيث لم يعد داخل الحزب طرفين فقط للنزاع هما تيار المستقبل وتيار الشرعية، بل انبثق عن التيارات تيارات أخرى وانتقلت الحرب، من معركة سياسية إلى معركة إعلامية، يحاول كل طرف فيها جعل الاعلامه ورقته الأخيرة لانهاء الصراع قبل المؤتمر، لكن الأزمة أصبحت أكبر من أن تلتئم وأضحى انقسام الحزب ورحيل نصف قياداته مسألة وقت رهينة بنتائج المؤتمر، سواء آلت لتيار المستقبل أو لتيار الشرعية. تذمر واسع بسبب رئيس اللجنة التحضيرية وعدم التزامه بواجب الحياد إلى جانب أصحاب الشكارة، شكل المنخرطون المؤمنون بحداثة مشروع البام لبنة أساسية للحزب، لكن هذه الطبقة عبرت عن استياءها بشكل كبير، وقام الكثيرون منها باعلان إنهاء ارتباطهم بالبام، بسبب رئيس اللجنة التحضيرية للبام سمير كودار الذي كان متخندقا منذ البداية مع عبد اللطيف وهبي. عدم التزام كودار بواجب الحياد سيظهر جليا خلال الانتدابات، بعدما جرى اقصاء أي بامي لم يكن متخندقا مع تيار المستقبل، وآلت الانتدابات بنسبة ثمانين بالمائة لأتباع المستقبل وألقي بالفتات لتيار الشرعية، فيما ام يحصل المحايدون على شيء، وقد كان لسمير كودار الدور الأكبر في ذبح الديمقراطية داخل اابام حتى بعدما حاول المخزن رفع يده عن الحزب. مرشحون يسيؤون للحزب في الوقت الذي كان من المنتظر أن البام سيتم تسييره بمرشح اراكوزي كبيد الله أو الباكوري بهاتف يأتي للقيادات يعلمها بإسم المرشح، لم يقع أي شيء من هذا، بل ترشحت أسماء كانت بالأمس القريب إما تعتبر كمكملات أو ديكور للمعارضة، بل وبرزت أسماء أخرى لم يسمع بها المغاربة. عبد اللطيف وهبي : أنا مكنقول والو من عندي بعد تورطه في تصريحات ضد إمارة المؤمنين، حاول عبد اللطيف وهبي امتصاص الأزمة داخليا، وذلك عبر الرد على المتساءلين بالقول أن كلامه عن إمارة المؤمنين أوحي له به من فوق حتى يظهر للمغاربة أن البام لم يعد حزب المخزن، بل صار ينتقد المخزن. تبريره هذا جعل الأمور تكون أكثر لبسا، خاصة وهو يعلن أن حزبه قاد أكبر عملية نصب، مع العلم أن عبد اللطيف وهبي كان في هذا الحزب ولم يستطع يوما أن يجاهر بهذه الحقيقة سوى بعد انهيار الياس العماري، ذلك أن الأخير لم يكن ليسمح له بقول هكذا كلام، كما أن وهبي ما كان ليتجرأ ويقولها، وكانت معارضته لالياس العماري لا تتجاوز حدود تلميع صورة الياس كقيادي حداثي ديمقراطي يسمح لوهبي بمعارضته. ما فعله وهبي وما صرح به، جعل البام مشروع نصب كبير كان يتم بتواجد وهبي وكل القيادات الحالية والتي صمتت آنذاك ولم تنطق الا بعد رحيل من يعلقون عليه الآن كل الفضائع. بيد الله : أنا جاني التلفون على خلاف وهبي، لا يقوم بيد الله بتحطيم معبد البام، بل يركن إلى المدرسة القديمة داخل البام التي كانت تروج لأسلوب “كنتسناو التلفون”، وذلك لإظهار المرشح الذي ستميل الكفة اتجاهه. بيد الله مباشرة بعد ترشحه قال لمقربيه أنه تلقى الضوء الأخضر ليترشح، وهنا يحير الباحث عن الحقيقة بين بيد الله كمرشح للمخزن، وبين عبد اللطيف وهبي كمرشح للمخزن أيضا، لكن بطريقة جديدة وهي “هاجم المخزن جهارا واستمع لأوامره سرا”. والعارفون لدواليب المخزن يعلمون جيدا أنه لا يدخل في هكذا تفاصيل، ويحب العيش على التناقضات، وقد يكون فعلا يحاول ترشيح الاثنين، أو أنه لم يرشح أحدا بينهما البتة. المكي الزيزي : أنا مرشح وحدة البام الزيزي الذي كان منخرطوا البام لا يعرفونه أصلا، جاء بأنشودة جديدة، حيث نشر بين الباميين أنه جرى الاتصال به مباشرة بعد تصريحات وهبي حول إمارة المؤمنين، والتي أثارت استنكار السلطات العليا، لذلك أعطوه الضوء الأخضر ليترشح ويكون بديلا عن بيد الله ووهبي، وذلك حتى يضمن وحدة الحزب. الكلام الذي قاله الزيزي يصح فيه قولة ابو جهل وهو يموت لابن مسعود “لقد ارتقيت مرتقا صعبا يا رويعي الغنم”، ذلك أن الزيزي الذي لا يذكر له أثر داخل البام هو الآخر استباح حرمة المخزن داخل البام وأصبح يتحدث بإسمه. بلفقيه، بوطيب، كفاية، وما عَفَّ السَبُع بعد الثلاثي الأول الذي أعلن ترشحه، وكل واحد فيهم يعلن أنه مرشح المخزن، تجاسر آخرون وأعلنوا ترشحهم، لأنهم فهموا أن المخزن ليس وراء الأشخاص الثلاثة، وبذلك تقدم عبد السلام بوطيب لقيادة البام، وهو الذي سألنا حوله داخل البام لنعرف عنه، ولم يعرف قادة الحزب، ثم أعلن بلفقيه وكفاية ترشحهم أيضا، وهي ترشيحات زادت من تعميق جراح التيارين المتناحرين داخل البام، ذلك أن لا تيار استطاع أن يقدم مرشحا وحيدا. البام : ملي تكون طالع ضرب لحساب للنزول يبدو أن منتسبي حزب البام وهم ينتشون بفوز حزبهم المستجد في الساحة، لم يعتقدوا يوما أن “أرذل العمر” سيصل بسرعة قياسية، جعلت بين ولادته الاولى وانهياره الاول 11 سنة فقط، ذلك أن الانهيار الأول معناه أن المخزن لم يعد راهنا في حاجة للبام، وهذا يترجم بعدة أمور أولها أن مشروع البام كان لمواجهة مد الاسلاميين، وبما أن الاسلاميين ذاقوا حلاوة السلطة وخروا ساجدين لها أكثر من الاشتراكيين، فإن الحاجة للبام لم تعد ملحة، وثانيها أن البام شكل عبئا سياسيا على المخزن، وفي الوقت الذي قدم المخزن كل شيء للبام، قدم البام للمخزن أكذوبة كبرى إسمها القضاء على الاسلاميين، في حين لم يقم البام سوى بتقوية البيجيدي، وكان حزب الاصالة والمعاصرة كلقاح الكساح الذي حقن به العدالة والتنمية ليصير أقوى. ولعل المخزن فهم جيدا أن الشعب يعاكسه، وأن المخزن كلما رفض حزبا إلا وصار الشعب يحب ذاك الحزب، وهي الحقيقة التاريخية الثابتة سواء مع حزب الاتحاد الاشتراكي وبعده البيجيدي. أما ثالث النقط التي توضح انهيار البام هو كونه يعلن عن عدم وجود مشكلة لديه في التحالف مع البيجيدي قبل الانتخابات بسنة ونصف، وهذا فيه انهزامية كبيرة من حزب ظل يراهن على الفوز دائما بالرتبة الأولى، ما يعني أن البام الذي حصد الرتبة الثانية صار متأكدا اليوم أنه لن يكون في المراتب الأربعة الأولى، لذلك يهيء نفسه ليلعب دور حزب التقدم والاشتراكية في الحكومة السابقة، ويحصل على حظه من الوزارات ولو على حساب مشروعه الحداثي كما وقع تماما للتقدم والاشتراكية الذي القي به بعيدا في التعديل الحكومي، ومرغت كرامته في الأرض. من حزب دولة إلى حزب أكبر من ودادية سكنية الحرب الطاحنة التي تدور رحاها اليوم داخل البام ستستفيد منها عدة أحزاب، وعلى رأسها التجمع الوطني للأحرار الذي سيقطف القيادات والبرلمانيين والمنتخبين الغاضبين، وكيفما كانت نتيجة المؤتمر، ومهما كان الإسم الذي سيقود البام في المرحلة المقبلة، فإن الأصالة والمعاصرة ستفقد الكثير من قواعدها، وبعدما كان عدد مقاعدها بالبرلمان يتجاوز المائة ستتكنى أن لا ينزل عن العشرين مقعدا حتى تستطيع التفاوض بهم مع البيجيدي.