منذ رحيل إلياس العماري عن الأمانة العامة لحزب البام، أصبح الحزب كعملاق بقوته البرلمانية دون أن يكون لهذا العملاق توجه محدد كمحاربة العدالة والتنمية. وقد تسببت فترة عبد الحكيم بنشماش في تقهقر الحزب أكثر، سيما على المستوى الإعلامي، ما جعل جزء كبير من برلمانييه يبدؤون في رحلة الهروب الكبيرة من البام إلى أحزاب أخرى على رأسها الأحرار. عناد بنشماش وانقسام الحزب إلى تيارين، وبروز العربي المحرشي كلاعب أساسي داخل حزب أسسه كبير مستشاري الملك، قزم فعالية الحزب في الساحة السياسية، وذلك بالنظر إلى كون شخص كالعربي المحرشي لم يكن تواجده ليؤثر حتى في حزب البيئة، والأدهى أنه صار يحرك الكل. سباق الأمانة العامة منذ اعلان المصالحة بين تيار المستقبل وتيار الشرعية، صار الطرفان يصدران أخبارا مفادها أن كل طرف فيهم سيقدم مرشحه، الأمر الذي يحيل إلى أن المصالحة قد تكون فرضت على الطرفين للذهاب موحدين للمؤتمر وبعدها يفوز بالحزب الأقوى بينهما، وإلا ليس هناك داعي ليقدم كل تيار مرشحه إن كانوا فعلا قد أنهوا خلافاتهم. ويقول مصدر من داخل الحزب في تصريح ل”كود” : في الحقيقة ليست هناك مصالحة، الطرفان يحاولان بسط سيطرتهما على الحزب من خلال مرشحهم، فتيار المستقبل يحاول الدفع بعبد اللطيف وهبي، وإن كان وهبي محط انتقاد بعض قادة تيار المستقبل الذين يرفضون ترشحه، أما تيار الشرعية بقيادة المحرشي وبنشماش فهو يدعم الشيخ بيد الله، لقد انتقل الصراع بين الطرفين من الحرب المباشرة إلى الحرب الباردة. مرشحون أضعف من حزب بالنظر إلى الساحة السياسية ومعرفة أن السياسيين المؤثرين قد رحلوا عن الساحة السياسية تباعا، بدء من حميد شباط، ثم بنكيران إلى الياس العماري، واستخلافهم بسياسيين يفتقدون إلى قوة المخزن أو خطابة تؤثر في الجماهير، يتضح أن الأمين العام القادم لحزب البام لن يخرج عن هذا النطاق، وأن الظرفية القادمة في البلاد تحتاج إلى أمناء عامين ظرفاء، لا يجيدون لغة الحروب الاعلامية. ولعل حزب البام راهنا أصبح مليئا بالذين تتوفر فيهم هذه الصفات ويبقى أبرزهم الشيخ بيد الله، الذي عرف مساره سواء حين كان وزيرا للصحة أو أمينا عاما للبام، كيف كان إلياس العماري يأمره وينهاه، ويقول عنه أحد من عاشروه من الباميين :” الشيخ بيد الله إنسان هادئ يجنح للسلم دائما، وإذا تولى الأمانة العامة للحزب ستكون فترة سلم ومهادنة تامة”. يبقى بيد الله البروفايل الأكثر قربا لما يدور في الساحة السياسية، من غيره كعبد اللطيف وهبي الذي يصعب أن يتم اختياره للمرحلة القادمة، سيما أن الرجل يصلح ليلعب دائما دور المعارضة داخل الحزب، خاصة بعدما قال سابقا أنه يجب القطع مع تسمية حزب المخزن، ووضع يد البام في يد البيجيدي، وأن العدو هو الأحرار. وهبي الذي يحاول تقديم نفسه كمرشح التوافق، مشددا لبعض مقربيه على أن قادة التيارين معه سيما الغاضبين منهم أمثال محمد الحموتي والعربي المحرشي، قد يقود الحزب للتراجع بشكل كبير، خاصة بعدما قال في احدى الجلسات المغلقة أن البام عليه العمل على خمسة وعشرين مقعدا برلمانيا فقط خلال الانتخابات القادمة. البام…نهاية الاسطورة يقول مصدر “كود” أن الصراع الذي يتم التسويق أنه انتهى، هو في الحقيقة في أوجه وسينفجر قريبا بين القيادات، ذلك أن بعض قيادات تيار الشرعية غير راضية على ما يقع حاليا ما ينطبق أيضا على بعض قيادات المستقبل، وعلى رأسهم الحموتي الذي كان أحد المؤسسين للتيار ليجد نفسه لاحقا بأنه أصبح أقلية ومضطر لتقبل ترشح وهبي باسم تيار المستقبل، رغم أنه كان يعارض بشدة اجراء مؤتمر في فبراير، لكنه فشل في التأجيل. إلى جانب الحموتي هناك أخشيشن الذي كان يدافع هو الآخر عن التأجيل، بالاضافة إلى العربي المحرشي الذي ارغم على المصالحة، والذي كان يرغب في التصويت ضد أوراق المؤتمر في آخر اجتماع للجنة التحضيرية وبعد فشل مخططه، أعلن في تصريحات أن الموافقة ليست نهائية على اوراق المؤتمر وأن المؤتمرين يحق لهم رفضها، وذلك في إشارة إلى أن الحرب الباردة بين أقطاب الحزب بدأت، ولن تنتهي حتى تنهي الحزب الذي كان مشروعا حداثيا لمواجهة العدالة والتنمية فظل طريقه بسبب بريق السلطة.