وحده هو ريح الشرقي الذي لم يتغير في طنجة..المدينة تبدلت كثيرا.. هكذا عبرت راشيل مويال عن التحولات السريعة التي حصلت في مدينتها خلال العقود الأخيرة الثلاثة..لكنها تضيف: هذه مدينتي..هنا ولدت وهنا أمضيت حياتي وهنا سأموت وأدفن .هذا رجائي.. أمس دفنت الطنجاوية اليهودية راشيل في مقبرة طريق الرباط القديمة..و وسط جماعة صغيرة وأجواء رحيل حزين هادئء ودعت طنجة بائعة الكتب في مكتبة “ليكولون” الأعمدة الشهيرة في قلب المدينة بشارع باستور.. مع فترة راشيل عرفت المكتبة فترة صحوة ونشاط ثقافي وفني لا ينقطع.. وخلال 25 سنة ظلت بائعة الكتب بنفس الروح النشيطة فاتحة مكتبتها لحوارات وندوات في الثقافة والأدب والفكر مع كتاب من المغرب والخارج.. من ينسى مرور كتاب كبار من حلقة المكتبة الشهيرة عالميا..الأسماء كثيرة جدا من مختلف الجنسيات والمناطق ويكفي الإشارة الى بعض الوجوه البارزة اللامعة في حقل الكتابة والفنون منها لطفي أقلعي الروائي والكرونيكور الذي غادرنا قبل شهر و الطاهر بنجلون و محمد شكري وبول بولز وادريس الشرايبي وجان جوني وخوان غويتيسولو و سامويل بيكيت ورشيد التفرسيتي و تينيسي ويليامس و مارغاريت يورسونار.. لا يمكن أن نتخيل مكتبة الأعمدة بعبقها التاريخي وديناميتها الثقافية بدون تلك اللمسة السحرية الأنيقة لليهودية راشيل بائعة الكتب.. المكتبة التي أسست عام 1949 ستظل ذاكرة من المدينة وحلقة من المزارات التي يزورها بعض السياح الذين يبحثون عن الروح الثقافية للمدينة قبل البحث عن شاطىء و شمس و سبسي الكيف .. راشيل التي ولدت في 1933 لم ترغب في مغادرة مدينتها كما فعل كثير من المغاربة اليهود الذين إستقروا لاحقا في فرنسا وكندا و أمريكا وإسرائيل.. فضلت بائعة الكتب البقاء في مهدها الذي تربت فيها لأنه لا يمكن لروحها أن تستقر وتطمئن بعيدا عن طنجة.. اسماء عائلات يهودية كثيرة مرت في المدينة وتركت بصماتها في التراث الفني والثقافي وفي الحياة الإجتماعية واليومية.. من ينسى واد ليهود الذي كان ينتهي في درادب وشاطئ مرقالة حيث الطريق الساحلي اليوم .. و من الطنجاويين اليهود نجد أسماء منها بنزكري وبنديان وأزولاي وبن شيمول الذي سمي به مستشفى و يحكى عن الرسام الفرنسي أوجين دولاكروا أنه أقام مدة عند بن شيمول بالمدينة وهي الإقامة التي سينتج فيها لوحات رائعة ذات شهرة كبيرة منها لوحة: عروسة يهودية في طنجة.. أما عائلة بن عمي فسنجد سنوات طويلة بعد رحيل الأسرة إسما منها وزيرا للخارجية في حكومة سابقة بتل أبيب هو ” شلومو بن عمي” ..وقد سبق أن كان سفيرا في مدريد لفترة ونشر دراسات ومقالات في صحيفة الباييس.. عن هذه الحياة الغنية بالكتب والكتاب والصداقات صدر لدومينيك روسو كتاب سيرة عنها: راشيل مويال ..ذاكرة طنجاوية” .. في مدة شهر واحد تقريبا فقدت طنجة كاتبا لامعا لم ينل نصيبه من الإعتراف اللازم وهو لطفي أقلعي الذي فعل ما تفعله العصافير لما إشتد عليه المرض إختفى ليموت في هدوء .. أمس دفنت في أجواء حزن حفنة قليلة من صديقات وأصدقاء الراحلة بائعة الكتب.. المدينة تشهد تحولات جارحة و تفقد روحها حبة حبة ..إسما يتلوه إسم.. وحده ريح الشرقي لا يتغير.. وداعا المرأة الطنجاوية الأنيقة المرهفة ..رحمات الله والسماء.. وداعا راكيل..