31 سنة مضت، و في 05 أكتوبر 1988، قام شباب فاقد للأمل، بلا أدنى تأطير أو تكوين سياسي، بإطلاق العنان لغضبه في الشارع ليذكّر المسئولين بوجوده. و كانت الحصيلة أكثر من خمس مئة قتيل. لعدم تحليله بشجاعة و مسئولية، تمّ توظيف الحدث من أجل إعادة بعث النظام. و أنتجت العملية ما يمكن تسمح به التلاعبات التكتيكية في لحظة سياسية دراماتيكية و معقدّة : فوضى كانت قد تؤدي لمسح الجزائر هل يمكن لثورة 22 فيفري أن تعرف نفس مصير الانتفاضات الشعبية الأخرى المطالبة بالتغيير؟ لحد الساعة، تتوالى الأسابيع و تتشابه. من جهة، شعب يسير نحو قدره، و من جهة أخرى سلطة متهاوية تضاعف من حجم الاعتقالات أثناء المظاهرات و خارجها. جزائريون يتم اختطافهم من قبل أعوان شبه أمنيين في المقاهي و الشوارع. استرتيجية عبثية و جنونية تهدف إلى زرع الرعب في المجتمع و تخفي قليلا من حالة التخبط التي تعمّ في السراي. السلطة المصابة بالذعر تكون دوما مسلوبة من الحد الأدنى من البصيرة اللازمة في التقلبات السياسية الكبرى. و التاريخ يعجّ بالأمثلة التي يكون فيها الشعب العازم على استرجاع مفاتيح مستقبله ، غير مرئي في نظر المستبدّين نتذكّر جيدا الزوج شاوسيسكو و هو يعطي أوامر لمفرزة الإعدام، ثواني قبل أن ترديهما الرصاصات قتيلان. الديكتاتوري بن علي الذي حفزته حاشية مرتشية لم يرى بلده في حالة انفجار عام. هرب بالطيارة في حالة فوضى دون أن يكون عنده مخطط طيران واضح. غير بعيد عنّا، و في واحدة من رسائله الأخيرة، نوّه بوتفليقة، و هو محاط بجو عائلي مفترس، بالمظاهرات التي تترجم، حسب اعتقاده، حرية التعبير التي ينعم فيها بلد محرّر بفضل إصلاحاته على ما يبدو، بقي رئيس الأركان حبيس نفس العمى. الوقفات الأسبوعية للجندي العجوز هي بمثابة معالم مسرحية تراجيدية كوميدية. الحصانات التي يبحث عنها عبر الزي العسكري و الخطابات المتكررة التي يبعثها من الثكنات أصبحت دروعه الواقية. هذا العالم المثير للشفقة ، الخيالي و المعزول عن الواقع يبقى ملاذه الأخير. لم يعد مجديّا، إذن، محاولة عقلنته نظرا لمستوى القطيعة المعنوية و النفسية الذي نحن فيه، التفكير الوحيد الذي يفيد هو ما يمكنّنا من تجنّب التبعات البشرية و السياسية الثقيلة التي قد يخلفها سقوط النظام. القرار الغير مدروس لرجل محاصر يؤدّي غالبا نحو ما لا يحمد عقباه. الشيء الذي يلازم أي وطني هو تجنيب إمكانية حصول هذه المآسي من الناحية السياسية، الخطر الداهم يتمثل في محاولة خيانة الثورة. فاعلون معنيون أو ضحايا مسيرة شخصية متداخلة مع مسيرة النظام تأمل في إمكانية تحوير تغيير النظام إلى تغيير الزمر من يجب مخاطبته و كيف يجب العمل لإنجاح الديناميكية التي يتوجب أولا تحصينها من التآكل و الانحرافات ؟ الشخصيات الأولى المتورطة هي المرشحون المحتملون أو المُعلنون لرئاسيات 12 ديسمبر الغير مؤكدة كيف يمكن الترشح لانتخابات مرفوضة بالكامل من قبل الشعب ؟ بصورة ملموسة، ما الذي يقنع مترشحا ما بقدرته الخروج في حملة انتخابية في بلد أصبح فيه الوزراء غير مرغوب فيهم ؟ و أخيرا، كيف يمكن فرض سلطته على الشعب إذا تمكن من تنظيم الانتخابات ؟ الفوج الثاني الذي يعنيه الأمر هو ذاك الذي ينصح و يوجّه أو يحمي رئيس الأركان. من الموضع الذي يترقبون منه الحياة العامة، لا يمكنهم تجاهل عمق طلب التغيير، الإجماع الشعبي الذي يدفع في اتجاهه و قوة الإرادة التي تنشطه. آلاف الشباب الذي يشهرون أذرعهم مكبلة، للتعبير عن عدم خوفهم من الاعتقال في الوقت الذي يتمّ فيه توقيف زملائهم، يرفعون تحدي كبير مفاده تكريس الحرية التي لا يُستغنى عنها أبدا لأولائك و هؤلاء، يجب التذكير أن لا تطلّع و لا مصلحة شخصية يمكنها رهن مستقبل شعب بأكمله. و إن كانت هذه الاعتبارات غير مسموعة، يمكنهم على الأقل فهم أنهم مقلّون باخرة تترنّح و أن بقاؤهم يتطلّب ركوب آخر زورق قبل الغرق و يبقى السؤال القديم حول معرفة ماهية الإستراتيجية التي تمكّن الثورة من تجسيد أحسن و أسرع لهدف إعادة تأسيس الدولة لحد الآن، و عكس كل التوقعات، بقيت التعبئة قوية و صمدت دينامكية الوحدة أمام كل مناورات التفرقة و التجاوزات العنيفة. المعجزة تكون دائما نادرة و ثمينة. لذلك لا يجب مطالبتها بالمزيد. مباشرة عمليات متنوعة حاسمة و سلمية من شأنها رفع درجة الضغط على السلطة لتقليص الفترات الرمادية السانحة للاستفزازات. أمام الاختطافات التي يأمر بها مسئولون مترصدّون، بدأ الغضب يتصاعد في الشارع. إن تبني نضالات سلمية بمستوى التحديات في إطار منظم أفضل من تحمّلها في الفوضى كإشارة من السماء، يصادف أول نوفمبر يوم جمعة. نعلم أنه في 1954، تمّ إقرار اندلاع الثورة رغم معارضة النبلاء الذين أعلنوا أن الانتفاضة خطيئة و خطأ سياسي. اليوم، هناك نداءات تمّ نشرها لتنظيم إضراب عام عشية هذه الذكرى الواقية للأمة. إنها الطريقة المثلى لتشريف ذكرى هذا المعلم البارز من تاريخنا المعاصر و انطلاق حملة ضد الخدعة الانتخابية التي هي الصورة المضادة لذات المعلم. نقطة هامة 1 : في أول أكتوبر، تمّ توقيف نائب فرنسية من حزب فرنسا الغير خاضعة و مرافقيها في بجاية قبل أن يتم ترحيلها. لقد تحصلت بالضرورة على تأشيرة الدخول إلى الجزائر، و نتساءل إن كان هذا الإجراء القمعي تم اتخاذه لأن البرلمانية توجّهت إلى منطقة القبائل أم أنها متهمة بالتدخل في الشؤون الداخلية. قد يكون الإثنين. ما يمكن قوله هو أن المستبدون الشرق أوسطيون، في صخب الاحتفاء الذي يلقونه في الفنادق الجزائرية الكبرى أو في الفيلات الفخمة لأصحاب النفوذ ، لا يتوانون في التأييد العلني لرئيس الأركان كضيف نزل ، يوم 22 أوات الماضي، على الجامعة الصيفية لحزب فرنسا الغير خاضعة ، لتقديم محاضرة، أستطيع أن أشهد أن جل قيادة الحزب الذين تبادلت معهم أطراف الحديث عبّروا عن التضامن الكبير مع الشعب الجزائري مع التأكيد أن المساندة الخالية من كل حسابات نوع من الاحترام الذي تفرضه السيادة الجزائرية. و من جهة أخرى، لاحظت أنه نفس موقف ميلونشون، الزعيم الحالي للحزب، أيام العشرية السوداء. رغم كونه مناضلا في حزب اشتراكي يسوّق لمقولة ” من يقتل من” ، ساند ميلونشون المقاومة الديمقراطية و اتخذ موقفا مغايرا لسياسة التدخل التي انتهجها حزبه حيال الأزمة الجزائرية. هذه المسائل تضع في الميزان الضبابية الحالية للاتحاد الأوروبي اتجاه بلدنا. و سنعود لاحقا لمعالجة الموضوع نقطة هامة رقم 2 : بما أن الفكاهة ضلت أحد الأسلحة الأكثر نجاعة و الأحلى نكهة في ثورة 22فيفري، لم أستطع الاستغناء عن مشاركتكم هذا التبادل. في الشبكة العنكبوتية، لم يتردّد متدخّلون، و ليسوا بالضرورة ذبابا إلكترونيا، في شيطنة أي عملية من شانها تقوية الثورة. مبررات هؤلاء المشتركين في نضال الأرائك جدّ خاصة. الإضراب قد يضرّ بالاقتصاد ( الذي ربما هو ناجع ) ، و قد يشنّج المواطن الذي يحتاج لوثيقة تصدرها الإدارة، لذا يجب التريّث لأن الحداثيون في الجيش، حسبهم، قد يأخذون قريبا بزمام الثورة … هذه الدعوات للتكاسل تأتي تزامنا مع المطالبة الحثيثة بضرورة إسقاط النظام. أحد رواد الانترنت أجاب أحد هؤلاء المصطافين السياسيين : أنا أنخرط في هذه النضالات التي تأتي بالكل دون مجازفة و لا مشقّة. أقترح بالمناسبة تأجيل المسيرات إلى آخر الظهيرة. وقت أكمل فيه القيلولة. 6 اكتوبر 2019