بتعليمات من الملك محمد السادس: ولي العهد مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    تراجع معدل التصخم في المغرب إلى 0.7% في أكتوبر    أداء سلبي في تداولات بورصة البيضاء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    الاستثمار العمومي.. بين الأرقام والواقع    برقاد: "خارطة الطريق" تضمن توزيعا عادلا للاستثمارات السياحية بمناطق المغرب    أحزاب مغربية تدعو لتنفيذ قرار المحكمة الجنائية ضد "نتنياهو" و"غالانت" وتطالب بوقف التطبيع مع مجرمي الحرب    معضلة الديموقراطية الأمريكية ..    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    لمواجهة موجات البرد.. وزارة الصحة تطلق عملية "رعاية" ب31 إقليما    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء        تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    تفكيك منظمة إرهابية بتعاون أمني بين المغرب وإسبانيا    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    دفاع الناصري يثير تساؤلات بشأن مصداقية رواية "اسكوبار" عن حفل زفافه مع الفنانة لطيفة رأفت    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    وهبي: مهنة المحاماة تواجهها الكثير من التحديات    رئيس مجلس النواب…المساواة والمناصفة أبرز الإنجازات التي شهدها المغرب خلال 25 سنة    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    استئنافية طنجة توزع 12 سنة على القاصرين المتهمين في قضية "فتاة الكورنيش"    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        كيوسك الجمعة | إيطاليا تبسط إجراءات استقدام العمالة من المغرب    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزائر..هل يسلّم الجيش السلطة للشعب بعدما قطع “رأس” النظام أم يقدم على الالتفاف على الثورة؟
نشر في اليوم 24 يوم 12 - 05 - 2019

يمثل اعتقال السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المخلوع ومستشاره الخاص، وعثمان طرطاق (البشير) رئيس المخابرات (2015-2019)، ومحمد مدين (توفيق)، رئيس المخابرات السابق (1991-2015)، حدثا فاصلا في مسار الحراك الجزائري. خطوات أعقبها إعلان التلفزيون الجزائري الرسمي، أول أمس الخميس، عن قرار جديد صادر عن المحكمة العسكرية، يقضي بسجن لويزة حنون، الأمينة العامة لحزب العمال المعارض، والتي كانت قبل سنوات من المدافعين عن الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
بعض وسائل الإعلام الجزائرية علّقت على مشهد الرجال الثلاثة وهم يصعدون درج المحكمة العسكرية، بأنه كان “مشهدا خياليا”، أكثر إثارة بكثير من قرار قاضي التحقيق العسكري الذي أمر بإيداعهم السجن المؤقت، موجها لهم تهم “محاولة تقويض سلطة الجيش”، و”التآمر على سلطة الدولة”.
خطوة اعتقال النافذين الثلاثة ألقت بظلال من الشك، كذلك، على مسار الحراك، لأنها أكدت أن قائد الجيش الجنرال أحمد قايد صالح بات صانع القرار الوحيد في المشهد الجزائري، وقد يلتف على الحراك بعدما يُحيّد كل خصومه في مركز النظام الجزائري. فهل ينجح الحراك الجزائري في تطويع قائد الجيش، كذلك، نحو مرحلة انتقالية يكون الشعب فيها سيد نفسه حقا، كما ينادي إلى ذلك الجزائريون، أم إن كل ما حصل مجرد خطوات محسوبة من قبل الجيش للإمساك بزمام الحكم والانقلاب على حراك الشارع أيضا؟
الخبير الجزائري في الشؤون الأمنية، أكرم خريف، قال ل:”أخبار اليوم” إن قائد أركان الجيش الجزائري يتخلص من الأخطار التي تحدق بمنصبه من خلال هذه القرارات والاعتقالات، واصفا الخطوات الأخيرة ب”الماركوتينغ”. خريف يؤكد أن قايد صالح ليست لديه أطماع شخصية، “ولكن أظن أنه يطمح في أن يكون له دخل في تعيين الرئيس المقبل، أو في عرضه على الواجهة”، مستبعدا، بالتالي، احتمال تكرار السيناريو المصري الذي حوّل عبدالفتاح السيسي من قائد للجيش إلى رئيس للجمهورية.
فبعد ساعات قليلة من تلك الاعتقالات، تأكد أن القرار ليس صادرا عن الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، بل إن كل المؤشرات تؤكد أنه صادر عن قائد الأركان في الجيش، الجنرال أحمد قايد صالح، الذي بات “صانع القرار الوحيد” في المشهد الجزائري. فيما كتبت مديرة تحرير صحيفة “الفجر” “حدة حزام” في عمودها الأسبوعي “من كان يتوقع أن نرى يوما سعيد بوتفليقة مطأطئ الرأس يسير ذليلاً وهو من كان يقرر حياة أو موت شعب وبلاد برمتها، فالجزائريون حتى أمس وبعد بث صور المعتقلين الثلاثة، السعيد، طرطاق ومدين، لم يصدقوا خبر اعتقال أقوى ثلاثة رجال في السلطة”.
المؤكد في التطورات الأخيرة داخل الجزائر، هو أنها استمرار لذلك التزامن بين تحركات الشارع وقرارات الجيش. فقد لاحظ العديد من المتتبعين ذلك التفاعل السلس بين الحراك الشعبي والجيش، بحيث يحتج الجزائريون يوم الجمعة ويرد الجيش على مطالبهم يوم الثلاثاء في الغالب. المهدي مبروك، وزير سابق ومفكر تونسي، أشار إلى “حوار ضمني بين المحتجين والجيش”. بحيث يتظاهر الحراك يوم الجمعة معبرا عن مطالب محددة، ويُجيب الجيش الثلاثاء تقريبا، في نسق غدا معلوما لكل المتتبعين.
لكن تلك “السمفونية” المتناغمة بين الجيش والحراك الشعبي منذ بداية أبريل الماضي على مستوى المسار القضائي، والتي لم تخل من احتكاك وغضب ونقد، يبدو أنها وصلت إلى مداها مع اعتقال الثلاثي السعيد بوتفليقة والجنرالين طرطاق ومدين، مرورا باعتقالات واسعة شملت وزراء ومسؤولين وجنرالات ورجال أعمال. فهل تبدأ الجزائر انتقالها الفعلي نحو “الجمهورية الثانية”، أم إن دورة الالتفاف على الثورة الشعبية شارفت على الاكتمال؟
الجزائر.. الطريق المتعثر نحو الجمهورية الثانية
إثر اعتقال الدائرة الضيقة للرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة، متمثلة في شقيقه السعيد بوتفليقة، ورئيسي جهاز المخابرات عثمان طرطاق ومحمد مدين، يكون الحراك الجزائري قد أكمل دورته الأولى في طريقه نحو رسم معالم “الجمهورية الثانية”، بيد أن خطوة اعتقال النافذين الثلاثة قد ألقت بظلال من الشك، كذلك، على مسار الحراك، لأنها أكدت أن قائد الجيش الجنرال أحمد القايد صالح بات صانع القرار الوحيد في المشهد الجزائري، وقد يلتف على الحراك بعدما يُحيّد كل خصومه في مركز النظام الجزائري. فهل ينجح الحراك الجزائري في تطويع قائد الجيش، كذلك، نحو مرحلة انتقالية يكون الشعب فيها سيد نفسه حقا، كما ينادي إلى ذلك الجزائريون، أم إن كل ما حصل مجرد خطوات محسوبة من قبل الجيش للإمساك بزمام الحكم والانقلاب على حراك الشارع أيضا؟
اعتقال “العصابة”.. وماذا بعد؟
يمثل اعتقال السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المخلوع ومستشاره الخاص، وعثمان طرطاق (البشير)، رئيس المخابرات (2015-2019)، ومحمد مدين(توفيق)، رئيس المخابرات السابق (1991-2015)، حدثا فاصلا في مسار الحراك الجزائري. بعض وسائل الإعلام الجزائرية علّقت على مشهد الرجال الثلاثة وهم يصعدون درج المحكمة العسكرية، بأنه كان “مشهدا خياليا”، أكثر إثارة بكثير من قرار قاضي التحقيق العسكري الذي أمر بإيداعهم السجن المؤقت، موجها لهم تهم “محاولة تقويض سلطة الجيش”، و”التآمر على سلطة الدولة”.
لكن بجوار ذلك المشهد “الخيالي”، الذي لم يكن ممكنا تصوره ولو في الخيال من قبل الجزائريين، تبدى لهم تدريجيا ساعات بعد الاعتقال أن القرار يسُتبعد أن يكون صادرا من الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، لأن كل المؤشرات تؤكد أنه صادر من قائد الأركان في الجيش الجنرال أحمد قايد صالح، الذي بات “صانع القرار الوحيد” في المشهد الجزائري.
في هذا السياق، كتبت مديرة صحيفة “الفجر” “حدة حزام” في عمودها الأسبوعي: “من كان يتوقع أن نرى يوما السعيد بوتفليقة مطأطئ الرأس يسير ذليلاً وهو من كان يقرر حياة أو موت شعب وبلاد برمتها، فالجزائريون حتى أمس وبعد بث صور المعتقلين الثلاثة، السعيد، طرطاق والتوفيق، لم يصدقوا خبر اعتقال أقوى ثلاثة رجال في السلطة”. وأضافت في إشارة إلى الجنرال محمد مدين “كيف للرجل، الذي كان يسمى ب”رب دزاير”، أن يقبض عليه بهذه البساطة ويُساق إلى التحقيق، وهو الذي كان الجزائريون لا يقوون على ذكر اسمه إلا بنوع من الإشارة، فأحياناً يسمونه “السيغار” نسبة إلى ولَعَهُ بتدخين السيغار، أو “الماجور” نسبة إلى رتبته العسكرية، لكن لا أحد كان يعرف ملامح وجهه لأنه يمنع تصويره أو التقرب منه، فأحدث حول شخصه حالةً من الرعب والريب، وها هي الهالة تسقط أمس باعتقاله ولم تسقط السماء على الأرض، تماماً مثلما لم يحدث أي رد فعل يوم إقالته من منصبه في سبتمبر 2015″.
وكتب حمري بحري، كاتب وشاعر وصحافي، على صفحته معلقا “لم يكن يخطر حتى في الحلم أن يقضي السعيد بوتفليقة ومحمد مدين وطرطاق عثمان ليلتهم في السجن على ذمة التحقيق، سبحان مغير الأحوال”. وعبّر الناشط والصحافي محمد علال، على حسابه “فايسبوك” عن سعادته برؤية شقيق بوتفيلقة والمديرين السابقين لجهاز المخابرات في السجن، وكتب قائلا: “يوم 22 فيفري، كنت أشعر بأنني سأكون رفقة الآلاف من الجزائريين في السجن، أو في عداد الموتى، ولن نشهد رمضان 2019 أبدا، اليوم شيء ما يشبه المعجزة ونحن نستعد لأول يوم صيام في جلسة هادئة بالطعام واللبن، بينما القابع في السجن هو السعيد شقيق بوتفليقة، كيف لي أن لا أشعر بعظمة ما حققه الحراك”.
لقد لاحظ العديد من المتتبعين ذلك التفاعل السلس بين الحراك الشعبي والجيش، بحيث يحتج الجزائريون يوم الجمعة ويرد الجيش على مطالبهم يوم الثلاثاء في الغالب. المهدي مبروك، وزير سابق ومفكر تونسي، أشار إلى أن هناك “حوارا ضمنيا بين المحتجين والجيش”. بحيث يتظاهر الحراك يوم الجمعة معبرا عن مطالب محددة، ويُجيب الجيش في يوم الثلاثاء تقريبا، في نسق غدا معلوما لكل المتتبعين.
لكن تلك “السمفونية” المتناغمة بين الجيش والحراك الشعبي منذ بداية أبريل الماضي على مستوى المسار القضائي، والتي لم تخل من احتكاك وغضب ونقد، يبدو أنها وصلت إلى مداها مع اعتقال الثلاثي السعيد بوتفليقة والجنرالين طرطاق ومدين، مرورا باعتقالات واسعة شملت وزراء ومسؤولين وجنرالات ورجال أعمال. وتوقفت بالضبط عند المسار السياسي المثير للخلافات بين الحراك والجيش، فبينما يطالب الحراك برحيل الرئيس المؤقت ورئيس الحكومة أيضا، وتفعيل المادتين 7 و8 من الدستور، أي انتخاب جمعية تأسيسية، يحذر الجيش من فراغ دستوري في حال تم إبعاد الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، ورئيس الحكومة عبدالقادر بدوي.
توجس من الجيش
هكذا إذن، تتواصل خطابات النّظام، وتحديدا قيادة أركان الجيش والرئاسة المؤقّتة، محذرة من الفراغ الدستوري، رغم وعود قائد الجيش بحماية الحراك، و”الالتحام بين الشّعب ومؤسّسة الجيش”، رغم أنه يدرك أن عدم تفعيل المادتين 7 و8 يجعل خطاباته “لا تتقاطع مع مطالب الحراك”، بحسب محمد سي بشير، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، سوى على مستوى “سرعة وتيرة الملف القضائي. في حين أنّ الملف السياسي يراوح مكانه، بل يسير في اتّجاهين متناقضين؛ بين شعارات الجُمع المليونية التي بلغ عددها 12 حتى الآن، وما تحمله من سقف لمطالب وُصفت ب”الشرعية” من قبل قائد الجيش نفسه، وبين عروض قيادة الأركان التي تريد الاكتفاء بالتّطبيق الحرفي للمادة 102، من دون تجاوزها إلى إعمال المادّتين المعياريتين اللتين كان الجيش هو المبادر بالحديث عنهما، وهما 107 (السّلطة للشّعب) و108 (للشعب السلطة التّأسيسية)”.
لذلك، ورغم دور الجيش في تحييد عدد من رموز النظام، آخرهم الثلاثي (السعيد بوتفليقة وطرطاق ومدين)، فإن رموز واسعة من الحراك الشعبي تنظر بتوجس إلى ما تحقق للحراك الجزائري حتى الآن من نتائج، وتخاف من التفاف الجيش الجزائري، على شاكلة ما فعله الجيش المصري الذي أتى بعبدالفتاح السيسي في صيف 2013.
في هذا السياق، أبدى الناشط والصحافي محمد علال اندهاشه بدور الجيش قائلا: “كيف لي أن لا أشعر بعظمة هذا الجيش الذي حمى الشعب وآمن به”، لكنه استدرك بالقول إن “المسيرة طويلة، ولو ختمها القايد صالح بإعلان انسحابه نهائيا من المشهد بعد ضمان انتخابات رئاسية شفافة وحقيقية، سيدخل التاريخ من بابه الواسع.. شخصيا لم أعد أشعر الآن بأن القايد صالح لديه رغبة في الرئاسة، لكني كنت أشعر بذلك قبل 22 فيفري”.
وأبدى مراقبون ونشطاء جزائريون توجسا وريبة أكبر من انفراد القايد صالح بالقرار في الجزائر، بعد اعتقال الثلاثي السعيد بوتفليقة والجنرالين طرطاق ومدين. حيث علّق الصحافي محمد طيبي بأن ما حصل في مسار الحراك الشعبي يعكس وجود “التقاء في المصالح بين قائد الجيش وبعض مطالب الحراك الشعبي”، وأضاف “الاعتقالات التي مست كبار شذاذ الآفاق، هي جزء من مطالب الشعب وليست كل المطالب. المطلب الرئيسي للحراك السلمي يكمن في بناء مؤسسات قوية أساسها الشرعية الشعبية. والقايد صالح استغل الحراك للثأر من خصومه الذين حاولوا الانقلاب عليه في دهاليز المرادية، فشتان بين محاربة الفساد اعتقادا ومحاربته انتقاما”.
محمد العربي زيتوت، سفير جزائري سابق مقيم في لندن، والذي يحرض على الحراك عبر فيديوهات، اعتبر أن اعتقال “السعيد بوتفليقة والجنرالين خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه حذر من خلفيات ذلك، وقال إن الذي دفع الجيش إلى اعتقال هؤلاء هو التظاهر الكثيف للجزائريين يوم 3 ماي، ورفع لافتات وشعارات ضد القايد صالح نفسه، وليس المطالبة باعتقال السعيد بوتفليقة وأعوانه فقط”. ومضى زيتوت محذرا من خلفيات الخطوة “لا نريد سيسي جديد في الجزائر، سواء أكان القايد صالح أو جنرال آخر معه، ولذلك يجب أن نحذر من توظيف الحراك لصالح التخلص من الخصوم والاستيلاء على السلطة لوحده”.
وتوقع العقيد الأمني السابق، محمد الطاهر عبدالسلام، في حوار “TSA عربي”، أن يستمر الحراك الشعبي رغم عمليات التوقيف والاعتقال التي شملت لحد الآن رؤوس كبيرة في النظام، وأكد أن المسيرات الشعبية ستتواصل في الجمع المقبلة، لأن “الشعب يقوم بثورة”، محذرا من الثورة المضادة، لأنه في كل الثورات تكون هناك ثورة مضادة”. مؤكدا أن الأسماء التي اعتقلت “تعد من طلائع الثورة المضادة”.
الأحزاب تنتظر
علاوة على الضغط الشعبي المتواصل، والتوجس من مناورات الجيش، تبدو الأحزاب كمن ينتظر الطرف المنتصر لكي يركب على سفينته. أحزاب التحالف الأغلبي في عهد بوتفليقة أيدت منذ البداية مقترح الجيش، وهي تعول على مناورات القايد صالح للبقاء قريبة من السلطة، وتحاول أن تحافظ على وجودها حتى ذلك الوقت.
بالمقابل، ترفض أحزاب المعارضة الانخراط في اللعبة، ولذلك اعترضت على دعوة الرئيس المؤقت، عبدالقادر بن صالح، إلى الحوار من أجل إجراء انتخابات رئاسية في 4 يوليوز المقبل، والتشاور للخروج من الأزمة. ويتزعم الرافضون للحوار، رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبدالله جاب الله، الذي وصف قرار الدعوة إلى انتخابات رئاسية في 4 يوليوز بأنها “مؤامرة على الشعب الجزائري”.
وقال جاب الله، في منشور على صفحته في فيسبوك: “سبق وأن رفضنا دعوته إلى الحوار وسنرفضها اليوم، كذلك، وأتعجب من شخص لم يحضر للجلسة التي دعا إليها سابقا، بأن يطالب بالحوار من أجل إجراء الانتخابات في موعدها”. وسبق تصريح جاب الله صدور بيان لجبهة العدالة والتنمية، أكدت فيه رفضها المشاركة في أي حوار تديره السلطة السياسية الحالية. ويعد حزب جبهة العدالة والتنمية من يحتضن اجتماعات قوى المعارضة، التي تضم أحزابا وشخصيات سياسية منها علي بن فليس، المرشح الرئاسي ضد بوتفليقة لأكثر من مرة.
وتعبر الجبهة في الغالب عن موقف هذه القوى مجتمعة، والتي تؤكد باستمرار “التزامها بمطلب الشعب القاضي بإنهاء بقايا السلطة السياسية الفاقدة للشرعية والمرفوضة شعبيا، لذلك، فإن أي استنساخ لحوار تديره هذه السلطة السياسية لا يمكنه أن يكون توافقيا ولا ناجحا ولا ينتظر منه أن يحقق أهم هدف من أهداف الهبّة الشعبية، ألا وهو تحقيق شروط الاختيار الحر لحكامه، من خلال إنشاء هيئة وطنية مستقلة للتنظيم والإشراف على الانتخابات – كل مراحل الانتخابات – وليس ما تبقى منها، كما يراد لها أن تكون”.
واعتبر الحزب الإسلامي، الذي يحتضن الاجتماعات الأسبوعية لكتلة المعارضة، أنه وبرغم ما تحقق من مطالب الهبّة الشعبية السلمية، فإن هناك محاولة من “السلطة السياسية الفاقدة للشرعية الشعبية بالالتفاف والمماطلة في الاستجابة لها، والسعي إلى فرض أجندتها وتثبيت إرادتها، وإصرارها على إلغاء إرادة الشعب والتفريط في الدولة، بدل تنازلها عن السلطة”.
ولفتت إلى أن خطاب ابن صالح يوحي بأن السلطة تحاول الإفلات من مطالب الشعب “صاحب الحق في السلطة والثروة، ومن حقه وواجبه في الوقت نفسه أن يسهر على المطالبة بحقوقه تلك، وأن يفرض ذلك عن طريق الوسائل السلمية والحضارية الممكنة والمتاحة، لذلك، فإن استمرار الشعب في هبته السلمية هو الضامن بعد الله لتحقيق مطالبه”.
بدورها، انتقدت جبهة القوى الاشتراكية خطاب ابن صالح واعتبرت أن “الحوار الحقيقي لا يمكن ولا ينبغي القيام به مع أو من خلال شخصيات يرفضها غالبية الشعب الجزائري قطعيا وجذريا، رئيس الدولة المرفوض، المنبثق عن عكازتي النظام غير الشرعية وغير الشعبية، قرأ خطابه البارحة ليلا، في حين أن أكثر المراقبين مصداقية كانوا يتوقعون أن يروا ويسمعوا قرارات مفيدة من جانب الواجهة الجديدة للنظام”.
وأكدت الجبهة أنه “يلاحظ بقلق شديد أن صانعي القرار الحاليين المرتبطين بقيادة الجيش مصممون على فرض خارطة الطريق. وبدون أي مفاجأة خطاب ابن صالح كرّر تأكيد استعداد وعناد صُناع القرار للمضي قدماً نحو الانتخابات الرئاسية التي ستحشد فقط، مروجيها وعملاءها، لأن تطلعات المطالب الشعبية الديمقراطية المشروعة، لا يمكن تحقيقها من خلال تنظيم مهزلة انتخابية، وحده البدء في عملية انتقال ديمقراطية حقيقية يمكن أن يُهيئ الظروف لإجماع وطني حقيقي”.
بدورها، اعتبرت حركة مجتمع السلم دعوة ابن صالح إلى جولة حوار جديدة، والتمسك بإجراء الانتخابات في موعدها، بأنها “خطوة في هواء، ورقصة على ماء، وتخبط بهلواني”.
وقال القيادي في الحركة نصر الدين حمدادوش إن “خطاب ابن صالح فارغ ولم يأت بجديد، وهو نوع من الهروب نحو الأمام، ومحاولةٌ لفرض الأمر الواقع، والإصرار على الخيارات الفوقية والأحادية، وكأنه يعيش خارج الزمن، مضيفا أنه “بالرغم من اعترافه بالمطالب المشروعة للشعب الجزائري، إلا أنه يقفز على أهم وأكبر مطالبه وهو رحيله في حدّ ذاته”.
وأكد حمدادوش أن الحركة ترفض بشكل قطعي الحوار مع ابن صالح المرفوض شعبيا، وشدد “أن المشكلة ليست في الحوار من حيث المبدأ، ولكن: مع مَن؟ وتحت إشراف مَن؟ وما هو جدول أعمال هذا الحوار؟ فالشعب يرفض بقاء ابن صالح، ناهيك عن إشرافه على هذه المرحلة، ولا يُعقل الحديث عن الحوار معه مرة أخرى، بعد فشل جولته الأولى، وقد قاطعها بنفسه، فكيف يدعو إلى جولة جديدة؟ هذا استفزاز واستخفاف بالجزائريين”.
الصدام أم التوافق
هكذا يبدو أن الحراك الجزائري وصل إلى مفترق طرق؛ حيث الجيش متشبث بموقفه بذريعة تجنب الفراغ الدستوري، في مقابل الحراك الشعبي الذي يلح على إعمال تفعيل السلطة التأسيسية للشعب، وبالتالي، التمهيد لمرحلة انتقالية تقودها شخصية وطنية توافقية من خارج النظام، حيث يروج اسم أحمد الطالب الإبراهيمي بقوة.
الأستاذ الجامعي، محمد سي بشير، يرى أنه منذ الحراك الشعبي الجزائري اتخذ المسار القضائي والسياسي خطين متوازيين، ولكن بسرعاتٍ مختلفة، فمن جهة كانت “سرعة تفكيك بنية رموز النظام، بإحالة بعضهم إلى التّحقيق، والآخرين إلى السجن، في حين أنّ البقيّة منهم ينتظرون المصير نفسه، ما يعني أنّ الفساد بلغ عنان السّماء، ومقدار ما تم من نهب للمال العام وتعطيل السير الجيد للسياسة العامة، لا يمكن تخيّل مداه”.
في مقابل تسريع وتيرة المسار القضائي “هناك بطء شديد، يصل إلى حدّ الجمود، بشأن تبعات تفكيك تلك الرّموز، على مستوى الملف السياسي الذي يشكّل محور مطالبات المتظاهرين، حيث إن المعروض، حاليا، من ممثّلي النظام (قيادة الأركان والرئاسة المؤقتة) هو الذّهاب إلى الانتخابات الرّئاسية، إضافة إلى الدعوة إلى “حوار بناء”. وأشار سي بشير أن الانتخابات الرئاسية والحوار “كلاهما عرضان لا يتوفّران على أدنى شروط القبول، لأنهما يتمان بآليات ومضامين تنتمي إلى النظام السابق. وبدون تفكيكها لا يمكن التصديق، البتة، بأن ثمة فرصة لإجراء حوار أو تنظيم رئاسيات في التاريخ المحدد”.
ما يزيد الوضع صعوبة، هو الاختلاف في الرؤى والأولويات بين الجيش والحراك الشعبي. إذ على إثر اعتقال الجنرالين محمد مدين وعثمان طرطاق عادت مطالب مؤجلة إلى الواجهة، مثل الدعوة إلى الكشف عن الجهات التي اغتالت الرئيس محمد بوضياف في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وفي هذا الصدد قال ناصر بوضياف (نجل الرئيس المغتال) على صفحته في “فيسبوك”، إن الأسرة تعتزم رفع دعوى مباشرة بعد تخليد ذكرى الاغتيال في الشهر المقبل. مؤكدا أن “المدبرين الحقيقيين لعملية اغتيال والده هم توفيق مدين، وخالد نزار (وزير دفاع سابق) ومدير فرع المخابرات المضادة للجاسوسية إسماعيل العماري، الذي توفي في 28 غشت 2007 إثر أزمة قلبية”.
علاوة على ذلك، عاد إلى الواجهة ملف القتلى والمختفين قسريا خلال العُشرية السوداء التي أعقبت تدخل الجيش لإلغاء نتائج الانتخابات في بداية التسعينيات، وهي الفترة التي عرفت مقتل واختفاء حوالي 200 ألف شخص، في حرب أهلية لم تشهد مثلها الجزائر من قبل. وكان بوتفليقة قد تجاوز تلك الفترة عن طريق سياسة “الوئام المدني”، لكن مطالب العائلات ظلت قائمة تبحث عن أبنائها المختفين قسريا، وهو الملف الذي فشل الرئيس المخلوع، عبدالعزيز بوتفليقة، في إيجاد حل له. وترى عائلات الضحايا في الحراك الشعبي، وفي قرار اعتقال الجنرالين طرطاق ومدين، فرصة وأملا في معرفة مصير أبنائهم.
لكن تبقى كل هذه التطورات رهينة بأمر جوهري، وهو قدرة الحراك على الاستمرار بنفس الزخم والجماهيرية التي انطلق بها حتى الآن. مع استحضار الجيش كفاعل رئيس، كذلك، في إدارة هذا الحراك سلميا وعن طريق التفاوض، لأن الجيش في النهاية يظل هو المخاطب الوحيد للحراك الشعبي في الشارع.
وبحسب امحمد المالكي، أستاذ العلوم السياسية وعميد سابق، هناك حقيقة لا يمكن إغفالها وأكدها الحراك الجزائري تتمثل في استمرار المؤسسة العسكرية قوة مؤثرة في حظوظ التغيير وآفاقه، رغم التراجع النسبي لها خلال العشرية السوداء، وأيضا خلال عهد الرئيس المخلوع عبدالعزيز بوتفليقة، الذي سعى خلال ولايته الأولى، أساسا، إلى تقليم أظافر الجيش، من خلال خلق قوى موازية داخل هرم السلطة، أي أجهزة الأمن والمخابرات، ولاحقا رجال الأعمال وأصحاب النفوذ الاقتصادي والمالي من عائلته ومحيطه الأوسع.
لكن رغم كل ذلك، يرى المالكي أن الحراك أظهر أن الجيش الذي تماهى مع الدولة منذ اتفاق “إيفيان” والإعلان عن الاستقلال سنة 1962 مازال هو القوة الأولى والأخيرة. ولعل هذه الحقيقة التاريخية هي التي ستحكم مستقبل الحراك الجزائري، حيث أثبت الجيش مرة أخرى دوره المحوري في الماضي كما في الحاضر، وربما في المستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.