في ردّه على مطالب الحراك الشعبي الجزائري، المرفوعة للجمعة الحادية عشر على التوالي، أقدم قايد صالح على تنفيذ تهديده ضد ما سماهم ب"العصابة"، حيث تم أول أمس السبت اعتقال الثلاثي السعيد بوتفليقة، والجنرالين توفيق وعثمان طرطاق، ووضعهم رهن الحبس المؤقت، بتهم "المساس بسلطة الجيش" و"المؤامرة ضد سلطة الدولة".. قرار قايد صالح، الذي أصبح هو الحاكم الفعلي في الجزائر، لم يكن مفاجئا وجاء استمرارا لمسلسل الاعتقالات التي نفذها النظام الجزائري في محاولة لخلط الأوراق والالتفاف على مطالب الحراك الشعبي الذي يطالب برحيل النظام ورموزه وضمنهم قايد صالح، الذي أصبح محط انتقاد مباشر من طرف الجزائريين، حيث رفعت شعارات ولافتات تطالب برحيله، فيما أجمعت مسيرات الجزائريين على رفض الحكم العسكري وطالبت بعودة الجيش إلى ثكناته وترك السياسة واحترام إرادة الشعب كمصدر للسلطات في اختيار من سيقود المرحلة الانتقالية في أفق بناء نظام مدني ديمقراطي..
وإذا كان الإعلام الرسمي والموالي للسلطة، قد ركّز في تناوله للخبر على التهم الخطيرة الموجهة للسعيد بوتفليقة وتوفيق وطرطاق، فإن هذه الحيلة لم تنطل على الجزائريين، إذ أن الحراك الشعبي يطالب برحيل النظام ورموزه ومحاسبتهم، لكن ليس بالطريقة التي يريد قايد صالح وباقي النظام العميق أن يمررها وينسي المطالب الحقيقية للجزائريين..
فمحاسبة رموز النظام القديم بالنسبة للجزائريين يعد مطلبا من مطالبهم، لكن الأهم هو رحيل النظام ورموزه وبعدها سيتكلف من سيختاره الشعب الجزائري بمحاسبة كل من ساهم في الفساد وكل من تورط فيه.
إن ما يقوم به قايد صالح اليوم لا يعدو أن يكون مجرد تصفية حسابات بين أجنحة النظام، الذي يطالب الجزائريون برحيله، والمراهنة على ترهل الحراك الشعبي وانقسامه، وقد كشفت التهم التي وجهت للسعيد بوتفليقة وتوفيق وطرطاق، أن الأمر يتعلق بحسابات بين هؤلاء وجناح قايد صالح، إذ ما معنى "المساس بسلطة الجيش" و"المؤامرة ضد سلطة الدولة"، في الوقت الذي لا يعترف به الجزائريون بهذه السلطة ويرفضون سلطة العسكر..؟
إذا كانت هناك مؤامرة فإنها ضد الشعب، وضد إرادته وهو ما يتضح من خلال تشبث قايد صالح بخيار الانتخابات الرئاسية ل4 يوليوز المقبل، واستمرار الرئيس المؤقت وحكومة بدوي في تسيير أمور البلاد والإشراف على الفترة الانتقالية، وهو ما يرفضه الشعب من خلال المطالبة بتطبيق المادتين 7 و 8 من الدستور وليس المادة 102 التي يرغب قايد صالح في تنزيلها بعد أن فات أوانها، وبعد أ، تجاوزها الحراك الشعبي..
قايد صالح الذي تم اتهامه بخرق الدستور، والتدخل في شؤون القضاء من خلال الأوامر التي يصدرها لاعتقال من يريد، لجأ إلى حيلة أخرى وهي دفع عبد القادر بن صالح، الرئيس المؤقت للبلاد، إلى توجيه خطاب للأمة أمس الأحد، قيل بانها بمناسبة شهر رمضان المعظم، وذلك لإبعاد شبهة تحكم المؤسسة العسكرية في دواليب السلطة، رغم أن الرئيس المؤقت للبلاد كان مجرد متفرج منذ تعيينه بعد أوامر قايد صالح للمجلس الدستوري..
تحكم قايد صالح والمؤسسة العسكرية في دواليب السلطة، يتضح من خلال مضامين خطاب عبد القادر بن صالح إلى الأمة، إذ انه جاء اجترارا لما دأب على قوله رئيس أركان الحرب ونائب وزير الدفاع، كل ثلاثاء، خلال زياراته الميدانية للمناطق العسكرية، حيث يبعث برسائله من هناك للحراك الشعبي. وسيكون الجزائريون يوم غد على موعد مع خطاب آخر سيجيب من خلاله قايد صالح على شعارات يوم الجمعة المنصرم..
عبد القدار بن صالح أعاد نفس الاسطوانة التي دأب قايد صالح العزف عليها، من خلال الدعوة إلى الحوار الشامل لوضع الترتيبات اللازمة لتنظيم انتخابات الرئاسة في 4 يولويز المقبل بغية "تجنيب البلاد الفراغ الدستوري وإفشال مخططات معادية"، و
رئيس الدولة المؤقت وفي الخطاب الذي وجّههُ أمس الأحد للجزائريين وبثه التلفزيون الرسمي، عشية حلول شهر رمضان، قال إن: "الحوار الذكي، مع النية الصادقة، هو السبيل الوحيد لتوفير الظروف لتنظيم انتخابات رئاسية في الآجال المحددة، للخروج بشكل نهائي من عدم الاستقرار السياسي، وسيكون للرئيس المُنتخب الصلاحية للاستجابة للمطالب المشروعة للشعب".
واللافت في دعوة بن صالح أنها جاءت متناغمة مع تصريحات رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، التي قال فيها أن: "اعتماد الحوار البنّاء مع مؤسسات الدولة، هو المنهج الوحيد للخروج من الأزمة، إدراكًا منا أن الحوار هو مِن أرقى وأنبل أساليب التعامل الإنساني، وهو المسلك الأنجع الكفيل بتقديم اقتراحات بناءة وتقريب وجهات النظر وتحقيق التوافق حول الحلول المتاحة".
هكذا يواصل قايد صالح لامبالاته بمطالب الشعب الجزائري، من خلال التمسك بالسلطة والتطبيق الحرفي للمادة 102 من الدستور، في محاولة تلأبيد النظام القديم الذي يرفضه الشعب جملة وتفصيلا، وكم كانت محقة المحللة السياسية والأستاذة الجامعية، لويزة آيت حمادوش، عندما اعتبرت أن خطاب رئيس الدولة المؤقت، عبد القادر بن صالح، "إتسم بنوع من الغرابة، حيث جاء معاكسًا لتوقعات الجزائريين الذين كانوا ينتظرون قرارات ملموسة، غير أن بن صالح ألقى خطابًا وكأن البلاد تعيش وضعًا سياسيًا عاديا وليس استثنائيًا."
إن محاولات قايد صالح اليائسة تسعى إلى "تدوير" النظام القديم وإظهاره بمظهر آخر، للالتفاف على مطالب الشعب وتوهيم الجزائريين بأن كل شيء قد تغير فيما كل التوابل والأسس التي بُني عليها النظام العسكري لاتزال قائمة، منذ أن استولى الجيش على السلطة بعد الانقلاب على الحكومة المؤقتة سنة 1962 وسرقة ثمار الاستقلال..