حدثت المفاجأة إذن و تم اعتقال محمد عدال… من كان ليصدق أن الرجل القوي بالأطلس المتوسط، و الصديق المقرب من عصبة الرجال الاقوياء بالرباط، سينتهي به الأمر مرميا في زنزانة انفرادية بعكاشة؟ محمد عدال القيادي بحزب الاتحاد الدستوري، الذي كان يجمع حتى وقت قريب بين منصب أمين مكتب مجلس المستشارين و رئاسة بلدية مريرت، فضلا عن عضوية بالمكتب المديري للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، يتم اعتقاله في الشارع العام من طرف عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، و يحال على محكمة جرائم الاموال للتحقيق معه في قضية فساد مالي و إداري… من كان ليصدق لذلك؟ جاء الحق و زهق الباطل سيقول البعض.. انتصر الخير على الشر قد يقول البعض الآخر.. لكن القصة ليست بهذه البساطة و السذاجة، و واهمٌ من يعتقد بأن وضع عدال رهن الاعتقال الاحتياطي يأتي في سياق حرب ما على الفساد، لأن القضية أكبر و أكثر تعقيدا من ذلك. لا يمكن فَهْمُ الانهيار السريع لعدال دون الرجوع إلى حكاية صعوده السريع إلى قمة الهرم السياسي و الكروي بالبلاد… حكاية تعود فصولها الأولى إلى ثمانينيات القرن الماضي بالأزقة المتربة بمريرت، عندما غادر الطفل محمد عدال أقسام الدراسة مبكرا ليمتهن مِهَنا صغيرة يساعد بها اسرته الفقيرة على مواجهة قسوة الحياة، تارة ماسحا للحذية و تارة اخرى بائعا للديطاي و الكرموص الهندي، قبل أن يتخلى عن ذلك كله و يقرر الحريگ إلى إسبانيا التي سرعان ما عاد منها مُحَمّلا بثروة هائلة مجهولة المصدر، انقلب معها مصير الرجل رأسا على عقب و تحول من ماسح للأحذية يعيش على هامش المجتمع إلى بارون يسعى للتحكم في البلاد و العباد. فيما تروي حكاية، يصعب التحقق من صدقيتها، انه خلال زيارة ملكية للإقليم ارتدى عدال أفضل بذلة لديه و توجه إلى الساحة التي كان سيتوقف بها الموكب الملكي محاولا الانسلال إلى حيث كان الأعيان و المنتخبون و رجال السلطة واقفين في انتظار محمد السادس، غير أن مسؤولا بالبروتوكول تصدى له و حال دون قيامه بذلك… لحظتها فقط أدرك أن ثروته مهما بلغ حجمها لن تكفيه لملاقاة السلطان و أن عليه ان يزيد عليها الجاه و السلطة إن أراد أن يصنع لنفسه اسما بين اولئك الذين يُسْمَح لهم بتقبيل يد الملك…. انطلاقا من تلك اللحظة و عملا بمبدأ “ايلا ماجاتش بالقلم تجي بالدرهم”، فتح ماسح الاحذية السابق خزائنه لتنفيذ مخطط رد الدين والانتقام من المجتمع الذي كان يضعه على الهامش، فكانت البداية بالترشح للانتخابات الجماعية ببلدية مريرت التي تذوق خلالها انتصارا صغيرا لكنه كان كافيا ليضعه على اولى درجات سُلَّم الارتقاء الاجتماعي. و في بضع سنين تحول الرجل من اسم نكرة لا يعلم به أحد إلى آلة انتخابية تطحن كل من يقف امامها و تمكن من الفوز بكل الانتخابات التي دخلها، فظفر برئاسة بلدية مريرت و بمقعد بمجلس النواب، كما ضمن لنفسه مقعدا دائما بالمجلس الإقليمي لخنيفرة ولاحقا مقعدا مماثلا بمجلس الجهة، واضعا مسؤولين و كبار زعماء احزاب في جيبه، قبل أن يوجه أنظاره نحو عالم كرة القدم التي حقق فيها إنجازات مماثلة بدأها بوضع اليد على فريق شباب مريرت المحلي الذي قاده فيما بعد إلى السيطرة على عصبة مكناس تافيلالت ما جعله يثير انتباه فوزي لقجع الذي سيضمه إلى المكتب المديري المُسَيِّر لجامعة الكرة… لكن يبدو أن ذلك لم يكن كافيا لإرواء ظمأ البارون المتعطش للسلطة، فدفع بزوجته حكيمة غرمال لمعترك السياسة ممهدا لها الطريق للفوز برئاسة جماعة الحمّام القروية، قبل أن يحشد لها إمكانيات سياسية ومالية ضخمة في محاولة لإدخالها مجلس النواب. ورغم انه فشل في تحقيق هذا الهدف إلا ان الحملة الانتخابية التي خاضها “آل عدال”، والتي شارك فيها إلياس العماري شخصيا، أعطت الدليل على أن الوحش الانتخابي المسمى محمد عدال صار حجمه أكبر من المسموح له به.. فصدرت الأوامر بتقليم أظافره. احتاج الأمر سنة واحدة و 10 أشهُر و 11 يوما من أجل إعادة البارون لنقطة الصفر.. كانت تلك هي المدة الفاصلة بين اللحظة التي تقدم بها عامل خنيفرة بدعوى استعجالية أمام المحكمة الإدارية بمكناس من أجل المطالبة بعزل محمد عدال من رئاسة و عضوية المجلس الجماعي لمريرت و اللحظة التي أودعه فيها بالسجن. و ما بين اللحظتين دارت معركة استنزاف طويلة تم خلالها تجريد عدال من عضوية مجلس الجهة و مجلس المستشارين، و لم يجد البارون من وسيلة للرد على الخزائم المتوالية التي تكبدها إلا إجراء مكالمة هاتفية مع العامل وجّه له خلالها سيلا من السب و التهديدات، لتصل بذلك القطيعة بين الرجلين إلى ذروتها و يصبح اعتقاله مسألة وقت فقط.. و الآن و قد تم إلقاء القبض على محمد عدال و وضعه رهن الاعتقال الاحتياطي، ينتصب السؤال: “واش كاين غي عدال فهاد البلاد؟”.. سؤال يجد مبرره و مشروعيته في العدد الهائل للمسؤولين و المنتخبين و رؤساء الجماعات بإقليم خنيفرة الذين لم تطلهم آلة المحاسبة و العقاب رغم تورطهم في قضايا فساد خطيرة تمت الإشارة إليها عبر وسائل الإعلام و بشبكات التواصل الاجتماعي. من أجل ذلك كله يظل اعتقال محمد عدال مجرد انتصار صغير و ناقص للخير على الشر، و الخوف كل الخوف أن تكون أجهزة الدولة تتعامل بانتقائية في محاربة الفساد، فتعاقب هذا لأنه تجاوز حدود المربع المرسوم له، و تغض الطرف عن ذاك لأنه لم يتوقف عن إظهار فروض الطاعة و الولاء. لقد اثبتت قصة صعود نجم عدال و أفوله بسرعة ان “المخزن ما فيه ثقة” و أنه من الغباء أن يضع الفاعل السياسي و الحقوقي بيضه في سلة السلطة و يتوقع منها أن تظل حاضنة له إلى الابد، فعدال و بغض النظر عن المسار الذي ستأخذه التحقيقات في القضية، فسيدخل التاريخ باعتباره الكائن السياسي الساذج الذي صدّق ان “المخزن” سيفتح له ابواب المجد على مصراعيه، و هو لا يعلم أنه “عندما تلعب لعبة العروش، فإنك إما تنتصر أو تموت…”.