بعدما أنهى عمال النظافة دورهم في تخليص أحياء وشوارع مدينة الدارالبيضاء من نفايات الأضاحي ومخلفات شي رؤوس الأكباش، بدت الدارالبيضاء أكثر هدوء من ذي قبل ، مثل أي طاحونة فتر هديرها فجأة وانخفض إيقاع حركتها. أيام عيد الأضحى ،تحولت كازابلانكا المدينة الغول التي لا تنام طوال أشهر السنة، وتدب فيها الحياة على مدار الأربع والعشرين ساعة، إلى مدينة أشباح . شوارع فارغة إلا من سيارات قليلة تطوي الإسفلت بتؤدة كبيرة ،بعد أن تخلصت المدينة من حركة السير الخانقة وزعيق منبهات العربات صارت السياقة في شوارع كازا متعة حقيقية لا تُضاهى . في ثاني أيام العيد، بحث سكان المدينة عن أقرب جزار لمحل سكنهم ل«تفصيل» أضحية العيد وتقسيمها إلى قطع صغيرة لوضعها في الثلاجة. وفِي غمرة انشغال السكان بالأضحية ،أغلقت المتاجر أبوابها في عطلة سنوية تمتد لأسبوع،في الوقت الذي هاجر فيه أصحاب «المحلبات» بعيدا صوب القرى والمداشر النائية لقضاء العيد مع أسرهم،تاركين سكان كازا يضربون أخماسا في أسداس في غياب مواد التموين. أما المخابز التقليدية فاستغلت عطلة عيد الأضحى لترفع من ثمن الخبز إلى الضعف. وعبر عدد من سكان البيضاء عن استيائهم من الزيادة في ثمن الخبز، مطالبين في الوقت ذاته من الجهات المختصة بضرورة التدخل وإعادة ثمن الخبز إلى 1.20 سنتيم. ولليوم التالث على التوالي ، تعيش مدينة الدارالبيضاء أزمة خبز غير مسبوقة ، ورغم وجود اللحم بشكل وافر في عيد الأضحى فإن الخبز تحول إلى عملة نادرة، بسبب انشغال ربات البيوت من جهة مع أعباء منزلية التي يتكبدنها مع الأضحية شغلتهن إعداد الخبز المنزلي من جهة وإغلاق المخبزات لأبوابها من جهة أخرى ،مما جعل أسعار هذه المادة الحيوية ترتفع بشكل صاروخي. وهكذا بيعت «الكوميرة» الواحدة في أحياء عين الشق، حي الفرح، والحي المحمدي بأسعار تراوحت بين درهمين ودرهمين ونصف، بينما لايتعدى سعرها في الأيام العادية مبلغ درهم وعشرين سنتيما. وظل الكثير من سكان المدينة المليونية يطوفون على المخابز والأفران التقليدية للحصول على الخبز بدون جدوى، في وقت فتحت فيه مخبأة وحيدة أبوابها بتراب عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، تحول فضاؤها بزنقة بني مگيلد، إلى فضاء للمضاربة،بعد أن وجد شباب من درب بلعالية، مناسبة أزمة الخبز التي تضرب المدينة، للتزود بالرغيف من مميزة الحي وإعادة بيعه لجحافل المواطنين المتهافتين على المخبزة ، فرصة لتوفير«مصريف» بالمضاربة في الأسعار . وبيعت الخبزة الواحدة من الصنف الصغير بدرهمين، المتوسطة بثلاثة دراهم، والكبيرة المعروفة ب«خبز الدار » التي تباع عادة بمبلغ ثلاثة دراهم ،وصل سعرها لستة دراهم وذلك ب«الطليب والرغيب». كما استغل بعض أصحاب الافران التقليدية التي تنعدم فيها الشروط الصحية والنظافة المناسبة لطهي كميات من «المحراش»( خبز الشعير) لبيعه في السوق وسط الإقبال المتزايد على خبز مفقود في الأسواق.