هشام الأكحل بوينوس أيريس . وم ع//// مقبرة “لاريكوليتا” الواقعة بأحد أرقى أحياء العاصمة الارجنتينية بوينوس أيريس، ليست كباقي المقابر التي تحمل إليها نعوش الموتى، بل هي راقية كما هو الحال بالنسبة للحي الذي تتواجد به، ولذلك فإن رقدة الموت على أرضها متاحة فقط لمن يستطيع إليها سبيلا. بهذه المقبرة التي يقارب عمرها قرنين من الزمن، بيع، قبل عامين، قبر مجاور للمكان الذي يرقد فيه جثمان إيفا بيرون (1952/1919) بما يناهز 250 ألف دولار، وهو سعر يحدده مدى قرب القبر أو بعده من مضجع الموتى المشاهير من عالم السياسة والفن والرياضة والثقافة والعلوم وغير ذلك من المجالات، التي برعوا فيها قيد حياتهم ليحظوا أيضا بمكانة التقدير وهم موتى. وتتمثل ميزة هذه المقبرة مقارنة بالمقابر الاخرى المتواجدة ببوينوس أيريس في كون خلف أبوابها تختزل جزءا كبيرا من تاريخ الأرجنتين، وبها دفن 29 رئيسا للبلد الجنوب أمريكي، ومن بينهم راوول ألفونسين، (1927/2009) ودومينغو سارمينتو (1811/ 1888). ويرقد بمقبرة “لاريكوليتا”، التي صممها المهندس الفرنسي بروسبيرو كاتلين، أزيد من 350 ألف متوفي كلهم ينحدرون من أسر ثرية، على اعتبار أن إمكانية الولوج إلى المقبرة ميتا مسألة ليست باليسيرة، إذ تتطلب استثمار مبالغ مالية هامة، وهناك من آثر اليوم أن يخصص لذلك نصيبا من دخله يجعله في حساب توفير يؤهله ليوم لضمان بضعة أمتار من التراب عندما يقضي نحبه. وتمتد مقبرة لاريكوليتا على مساحة تفوق 54 الف متر مربع، وتضم ما يقارب 5000 من القبور، أزيد من 80 منها تم إعلانها تراثا وطنيا. ويشبه تصميمها شكل مدينة صغيرة بها شوارع واسعة غالبا ما تكون مكتظة بالسياح وأخرى ضيقة تشبه سراديب المتاهة يتطلب الخروج منها الاستعانة بمرشد. وتعتبر مقبرة “لاريكوليتا” واحدة من أهم المقابر في العالم إلى جانب” ستاغلينو” بجنوة و”بير لا شيز” بباريس. كما تضم “لاريكوليتا” قبورا لشخصيات بارزة من ضمنهم إيفا بيرون زوجة رئيس الأرجنتين الأسبق خوان بيرون، و حائزين على جائزة نوبل، و مؤسس البحرية الأرجنتينية، وعددا من الكتاب والأدباء والمفكرين من بينهم، خوسي هيرنانديز. وفي عام 2013 تم تصنيفها كواحدة من أجمل المقابر في العالم، لا سيما وأنها تشكل تحفة فنية تسترعي انتباه زوار بوينوس أيرس من خلال بوابتها المصممة على الطراز النيوكلاسيكي والتي تزينها أربعة أعمدة ضخمة من الرخام، شانها في ذلك شأن، الاضرحة التي تتزين بتماثيل فنية. وتشير بعض الاقام الصادرة عن وكالات عقارية، إلى أنه ما بين 15 و 20 بالمائة من قبور وأضرحة مقبرة “لاريكوليتا” باتت معروضة للبيع وتتراوح الأسعار ما بين 20 ألف ونصف مليون دولار، وذلك بحسب الموقع الذي تحتله داخل مدينة الموتى وكذا جودة المواد التي بنيت بها بالاضافة إلى مراعاة جماليتها الفنية. و حسب أحد حراس المقبرة، فإن المخيال الشعبي، يبدع في نسج الكثير من القصص والحكايا حول وجود أشباح تسكن المكان كما هو الشأن بالنسبة لفتاة تنحدر من أسرة ميسورة، كانت مصابة بمرض الصرع واعتقد أهلها أنها توفيت ليدفنوها حية، ومن حينها يؤكد البعض من ساكنة الحي المجاور للمقبرة أنهم رأوها بفستانها الأبيض، وأحيانا تخرج لتتجول في الساحات القريبة من المقبرة. بالنسبة لكثير من السياح المتوافدين على المكان، فإن أكثر ما يجذبهم هو قبر الشخصية الأرجنتينية البارزة إيفا بيرون، أما بالنسبة لبعض ملاك القبور، فإن مقبرة “لاريكوليتا” هي بطاقة الانتماء إلى الطبقة الغنية، في وقت يرى ملاك آخرون أنها سوق مربحة تدر عليهم مئات الآلاف من الدولارات.