تعرف مقابر المسلمين بمدينة الدارالبيضاء أوضاعا وصفها متتبعون بالكارثية والصعبة في غياب الاهتمام بها من قبل المسؤولين وفي غياب تام للأمن والحراسة. وحسب هؤلاء، يظل المشهد العام للمقابر غير لائق، وعاينت "بيان اليوم" مجموعة من المقابر بمدينة الدارالبيضاء، كما وقفت على الحالة المزرية التي تعيشها مقبرة سيدي عثمان القديمة، فالمدخل الأول من جهة مسجد باكستان مليء بالنفايات المتنوعة وعن يمين السور المقابل للضريح ترى مجموعة من الحمير جاثية على قبور بعد أن اتخذ باعة متجولون المقبرة مربضا لها. ومن الجهة اليمنى بالقرب من سكان عمارة سيدي عثمان نجد مجموعة من المنحرفين يتعاطون مادة الكحول الممزوجة بالماء في قنينات بلاستيكية، إضافة إلى رجل أربعيني يدعى "بالتهامي" الذي دأب على الذهاب للمقبرة من أجل التعاطي للمخدرات والكحول، حيث أنه في الكثير من الأحيان يعاقر الخمر و بجانبه قنينتي "بولعوان" في منظر بئيس تتنافى معه كل القيم الأخلاقية والدينية المتعلقة باحترام المقابر، أما من جهة مدرسة ابن طفيل و بلوك 18 ونظرا لتهالك واهتراء صورها، تحولت المقبرة إلى مطرح للنفايات، ويعمد مواطنون إلى تفريغ الأتربة فوق قبور منبوشة وجنباتها مهترئة إضافة إلى ممارسة كل أشكال الشعوذة والدجل داخل المقبرة التي تعيش حالات الإهمال التام ويعرف كل الإنفلاتات المتنوعة خاصة أن العديد منها دون أبواب ولا أسوار. أضحى عبد الكبير الساكن بسيدي عثمان بلوك 18، محروما من زيارة قبر خاله المتوفى في سنوات الخمسينيات بمقبرة سيدي عثمان، التي تحولت اليوم إلى خلاء يستعمله الراجلون نهارا والمتسكعون واللصوص ليلا، لسلب المارة كل ما يملكون، على بعد أقل من 300 متر من الدائرة الأمنية الرابعة لسيدي عثمان. كان عبد الكبير يقصد بشكل منتظم المقبرة التي تحتضن ضريح سيدي عثمان الشهير، الذي سميت المنطقة باسمه، رفقة جدته التي بلغت هذه السنة عامها العاشر بعد المائة، لقراءة الفاتحة على روح أخيها الذي توفي في الثامنة عشرة، قبل أن يتوقفا عن الزيارة بعدما تم محو القبور بسبب الإهمال الذي طالها من طرف المسؤولين القائمين عليها منذ 20 سنة تقريبا. "لا يتورع مجموعة من الأشخاص في استقدام دوابهم إلى هذه المقبرة ويدنسونها أمام مرأى ومسمع المسؤولين في مندوبية وزارة الأوقاف ومسؤولي مقاطعة سيدي عثمان والعمالة"، يقول عبد الكبير، في تصريح ل"بيان اليوم"، مضيفا، أن "السكان توجهوا إلى كل من يعنيه الأمر من أجل المطالبة بالاعتناء بأول مقبرة في المنطقة دون جدوى". "وأمام انعدام المرافق الرياضية، لا يتورع أطفال أبرياء في تحويل جزء من هذه المقبرة إلى ملعب يمارسون فيه لعبة كرة القدم، مع تقليب النفايات التي تتراكم في جنباتها"، يضيف المتحدث ذاته، مؤكدا، "أشعر بالكثير من الأسى وأنا أشاهد ما آلت إليه مقبرة سيدي عثمان، التي كان مجموعة من المواطنين يحجون إليها للترحم على أمواتهم، لكنها تحولت الآن إلى مرتع للمجرمين ومدمني الخمور الذين يتناولون مشروباتهم الكحولية بجانب قبور الموتى المسلمين دون أن يرف لهم جفن"، يقول عبد الفتاح الفلاح، الذي قضى عمره كاملا في منطقة سيدي عثمان، إلى جانب صديق طفولته العلوي، الذي عبر بدوره عن امتعاضه مما آلت إليه المقبرة. وقال عبد الله أحد القاطنين بالقرب من المقبرة في تصريح لبيان اليوم: "المقبرة كانت محاطة بسور، وكان يتم الولوج إليها من باب خاص، قبل أن يتم هدمه لتصبح مرتعا للمتشردين واللصوص؛ ثم تحولت إلى طريق يستعمله الراجلون نهارا لاختصار الطريق أو المرور إلى المسجد المجاور لها، وهم يعلمون أنهم يمشون فوق القبور". وأضاف المتحدث ذاته: "تعبنا من تكرار الاتصال بالمسؤولين في مقاطعة سيدي عثمان، على أمل إعادة الاعتبار لأول مقبرة في المنطقة، كل المعنيين بالأمر يكتفون بتقاذف المسؤولية لا أقل ولا أكثر.. حتى الموتى لم يتركوهم يرقدون في سلام". واعتبر السكان المجاورون للمقبرة، أن الوضع كارثي بالداخل ولا يليق بحرمة الموتى وكرامة الجيران ولا تلاميذ المؤسستين كمدرسة المسجد ومدرسة ابن طفيل، مشيرين إلى انتشار أنشطة مخلة تتعلق بالبغاء ومعاقرة الخمور، كما أن المقبرة يتخذها المنحرفون وقطاع الطرق ملاذا آمنا. وفي تصريحات متطابقة ل "بيان اليوم"، ناشد الجيران كل الفاعلين والغيورين من المسئولين اتخاذ التدابير اللازمة صونا لكرامة الموتى وحماية الأحياء وأبنائهم من الخطر الذي أصبحت تمثله المقبرة. وجدير بالذكر أن مقبرة سيدي عثمان، بها ضريح يعرف أنشطة مريبة للمشعوذين والمشعوذات، رغم أن عمليات الدفن توقفت بها منذ أزيد من أربعين سنة، فرغم خروج بعض الجمعيات التي تهتم بشؤون المقابر بمنطقة سيدي عثمان والساهرة على شؤون الإصلاح عن صمتها، من أجل تسطير برنامج حقيقي يهدف إلى رد الاعتبار لحرمة مقبرة "سيدي عثمان" التي تشهد منكرا كبيرا يطال موتى المسلمين بالمقبرة مند زمن طويل، لكن قابل ذلك الجمود واللامبالاة من طرف المسؤولين بالمنطقة، مما يزيد من استغراب وتساؤل الساكنة عن مصير هذه المقبرة التي أصبحت فضاء لتراكم الأزبال وممارسة طقوس الشعوذة بجانب القبور بل أضحت المقبرة مكانا مفضلا للمشعوذين والعشاق بعيدا عن نظرات الآخرين، إلا أن الساكنة لا ترى أي رد فعل إيجابي حقيقي لإصلاح المقبرة ومحاربة مثل كل هذه الأفعال المخلة للأفعال والتي تقيس سكان هذه المنطقة المباركة. وتجلت أهم مطالب الساكنة في تكثيف الجهود من أجل إصلاح المقبرة وتسييجها على الأقل بسور يحفظها من التلف والتدنيس الذي يطالها يوميا إزاء عدم اكتراث بعض الساكنة المجاورة لها بحرمة القبور. وإذا كانت الجمعيات تعمل بشكل تطوعي وتنظم شراكات مع مقاطعة سيدي عثمان التي بدورها تلام على ما بدر منها في تفعيل إصلاحات شيء بسيط على شيء ذي أهمية كبيرة في مجتمعنا الإسلامي، فمن الواجب تكثيف الجهود على شيء يتطلب مجهود جبار وكبير ونية صالحة، وليس العكس. إنجاز: حمزة عريان الراس