لا يوجد أفضل من الموت ليعرفنا بأنفسنا. هذا الموت تحديدا. هذا الموت الكثير. هذا الموت المفزع. هذا الموت العار. هذا الموت الفاجعة. هذا الموت المخجل. هذا الموت من أجل الطحين. هذا الموت من أجل الرغيف. وكل هذا الموت كان من أجل خبزة. كله. كل هذا الموت. هذا الموت بليغ وفضاح ويقول لنا من نحن. من نحن الآن. هذا الموت معبر. هذا الموت بليغ. هذا الموت مرآتنا. هذا الموت صورتنا. وكلنا يتبرأ منه. وكل واحد منا ليس مسؤولا عنه. وكلنا يبكي. وكلنا متأثر. وغاضب. وإنساني. كل واحد منا يزايد في إنسانيته. كل واحد منا أنقى منا. كل واحد دموعه أصدق من دموع الآخرين. كل منا يسيسه. لكنه موتنا. موتنا جميعا. وجميعا مسؤولون عنه. هذا الموت يعرفنا واحدا واحدا. هذا الموت بليغ. هذا الموت يقول عنا نحن دولة متخلفة. هذا الموت يقول عنا نحن شعب متخلف. وفقير جدا. وليس ماديا فحسب. هذا الموت. وقبل أن يكون سياسيا. هو موت ثقافي. هذا الموت يفضحنا. هذا الموت يعرينا. ويعري دولتنا. ويعرينا كشعب. ويعرينا كمسؤولين. ويعرينا كسلطة. ويعري الحكومة. ويعري الأثرياء. ويعري الفساد. ويعري الفقراء. ويعري الدولة أكثر. هذا الموت يظهرها عارية. هذا الموت غير إنساني. هذا الموت بدائي. هذا الموت يكشف حقيقتنا. وأين نحن. ومن نحن. وفي أي عصر. هذا الموت لا علاقة له بالفقر. ولا بالجوع. فقط. هذا الموت متورطة فيه الدولة. ومتورط فيه المحسنون. ومتورط فيه المغاربة. هذا موت مغربي خالص. هذا موت مرتبط بالتقاليد والعادات. وبالخير المغربي. وبالحضارة المغربية التي نعتز بها. هذا موت متوارث. هذا موت الأغنياء والفقراء. هذا موت حضاري. والميسورون بدورهم في بلادي يتزاحمون على حبة تمر. ويتدافعون ليحصلوا عليها. والميسورون بدورهم قد يموتون يوما مثل هذا الموت. لا فرق. ومثل هذا الموت لا تعرفه المجاعات. هذا موتنا الخالص. هذا تعريفنا. هذا الموت انضاف إلى خصوصياتنا التي نعتز بها. هذا ما تعلمناه. وهذا ما تشبثنا به. وهذا ما نموت ولا نتخلى عنه. وهناك من يطعم هذا الموت. وهناك من يناضل من أجله. ومن يستشهد من أجله. كي يبقى. وكي لا يغزونا موت آخر. موت محترم. موت إنساني. موت دخيل على ثقافتنا. وعاداتنا. وقيمنا. كله. كل هذا الموت كان من أجل كيلوات دقيق. كان من أجل الخبز. كل هذا الازدحام. كل هذا التدافع. كل تلك النساء. وليس كيف متن. ليس هذا هو السؤال. بل كيف يتدافع ويزدحم هذا الكم الهائل. كيف تخرج آلاف النساء. وكيف يسافرن. من أجل الحصول على رغيف. وليس مائة ولا مئتين. بل آلاف. وفي جماعة قروية. هذا هو المفزع. هذا هو الخطير. هذه هي جنازتنا. وإذا كان هذا هو الجوع. وهذا هو الفقر. فهو جوعنا جميعا. وجوع شعب ودولة. وفقر حضارة. وكيف تنام الدولة. وكيف تنام الحكومة. وكيف ينام المواطنون وكيف ينام الشعب. كيف ننام ونحن نرى هذا الكم الهائل من النساء. كيف نرى حشرا من أجل كيلوات طحين. وكيف نهينهن. وكيف نحسن إليهن. وأي دولة لا يمكنها أن تسمح بذلك. أي دولة لا يمكنها أن تفضح نفسها إلى هذا الحد. إلى هذا الموت الجماعي. إلى هذا الموت العار. وليس كيف. وليس من كان السبب. وليس من المسؤول. وليس احترام الوقوف في الطابور. بل الفاجعة هي آلاف النساء. هي شعب عن بكرة أبيه خرج وازدحم ومات من أجل كيس دقيق. وهذا ليس فقرا. هذا ليس جوعا فحسب. هذه فضيحتنا. هذا موتنا وقد بلغ ذروته. هذا موتنا وقد نضج. هذه هي المنة. هذه عاداتنا تنتصر. هذه قيمنا. وقيمنا تحرص على تكديس الفقراء وإذلالهم. وقيمنا تحرص على التقاط الصور لهم. وقيمنا تحرص على أن لا يطرق المحسن على الأبواب. بل يجب فضحه. وإخراجه من بيته. بل يصنع المحسن حدثا. ويصنع بؤسا. ويعممه. ويصنع موتا. موتا كبيرا. موتا كإبادة. والجميع يقوم بهذا. وتقوم به الدولة. وتقوم به الأحزاب. وتقوم به الجمعيات. ولقد ماتت كل تلك النساء. مات كل هذا العدد. ميتة فظيعة. ومخجلة. لكل مغربي. كما لو أنهن شعب. كما لو أن شعبا مات. ولا أدري هل الدولة رأت الصورة وهل رأت كل ذلك العدد وهل رأت الحكومة ما رأيناه وهل رأت تلك القلة القليلة التي تقتسم في ما بينها ثروة المغرب ما حدث هل رأت أنه ليس فقرا ولا عوزا بل شيء أخطر بل صورة مصغرة لشعب بكامله صورة لم يكن أحد يتخيلها صورة لنساء يمتن كما لا يموت أحد في العالم هل رأت أين نحن. هل رأت المغرب. هل رأت نساءه. هل رأت كل هذا الموت. هذا الموت المعبر. هذا الموت القاسي. هذا الموت الذي يلخص كل شيء. هل رأت المغربي. هل رأت المغربية. هل رأت كل ذلك الكم. كل ذلك العدد. الذي ملأ الأرض. وغطاها. وهل رأينا صورتنا. هل رأينا من نحن حقيقة. هل رأت الدولة نفسها هل رأتنا وهل رأت كيف نموت. هل رأت هذا الموت. وهل فهمته.