مازال المحققون في قضية مقتل البرلماني عبد الله مرداس من حزب الاتحاد الدستوري لم يمسكوا بعد برأس الخيط المؤدي إلى الجاني أو الجناة المفترضين. وهذا ربما طبيعي نظرا ل"تواضع" الإمكانيات والتجهيزات اللوجيستيكية التي تشتغل بها الموارد البشرية التابعة لمديرية الأمن الوطني.
شخصيا كنت أتوقع أن ترصد المديرية العامة إمكانيات ضخمة وقدرا ماليا مهما من "صناديقها الخاصة" لفك لغز هذه الجريمة في أقرب وقت.
نعم، المال هو عصب الحياة وعصب الدنيا والدين وهو المبتدأ والخبر منذ أن جيء بالناس الى هذه الأرض ليملؤوها ظلما وقتلا.
أقصد القول أن الوصول الى منفذ جريمة قتل برلماني بتلك الكيفية وبتلك الحرفية ليس مهمة سهلة يمكن أن تتم بصفر درهم وبمحققين لا يتوفرون ربما حتى على هواتف تسمح لهم بالاتصال ببعضهم البعض.
فأنى لهم، والحالة هذه، أن يتوزعوا على القارات الخمس والمبيت في الفنادق المصنفة إذا تطلب البحث القضائي المفتوح مثل هذه "الرحلات الاستطلاعية" الضرورية؟.
وأنا لا أقلل هنا من المجهودات النوعية التي يبذلها رجال الأمن ولو في هكذا ظروف، لكنهم في حاجة إلى إمكانيات أكثر مما هو متوفر بين أيديهم الآن.
"لا أستطيع أن أوفر الحماية للناس لأني أنا غير محمي والقانون بدوره لا يحميني، وحتى الظروف المهنية لا تساعدني على أداء مهمتي كما يجب".
هكذا قالي صديق عزيز قضى سنوات طويلة في سلك الأمن ونحن نتجاذب أطراف الحديث حول هذا "التأخر" ربما في فك جريمة استعمل فيها السلاح الناري والرصاص القاتل في مدينة يتردد عليها ملك البلاد بانتظام.
والعبد لله عندما قال في مقال سابق إن التحقيق ينبغي أن يبدأ من الدائرة الضيقة من أصدقاء الراحل مرداس، (برلمانيون ومسؤولون جماعيون وقضاة وأمنيون ونشطاء في السلع المهرب…)، فهذا لا يعني استبعاد باقي الفرضيات الأخرى بما فيها تلك المرتبطة بالحياة الخاصة للراحل.
نعم، كان رحمه الله ليس خبيرا فقط في جمع المال بلا مستوى تعليمي، بل كان أيضا خبيرا في اقتناص المتزوجات، بل "كان ميزكلش هذه العينة من النساء"، بتعبير واحد من أصدقائه.
ليس هذا ذكرا بالسوء لواحد من موتانا أو انتهاكا لحياته الخاصة.
أبدا.
وأنا لم أبحث في سيرة الرجل إلا بعد مقتله الذي تحول إلى قضية رأي عام دون أن أنسى بالطبع أن هذه الحياة الخاصة لم تعد كذلك عندما تختلط بالمال العام والنصب على الناس باسم جهات عليا و"حماية استثنائية" يوفرها حزب سياسي ورجال أمن وقضاة وأسماء نافذة في عالم المال والأعمال.
والمثير أكثر أن هؤلاء جميعا يلتقون بانتظام في وكالة أسفار بعينها كي تحجز لهم في ظروف غامضة تذاكر سفر إلى الديار المقدسة لغسل تلك "العظام النخرة".
أوليس الله غفورا رحيما؟
بلى.
وكم وددت لو أعاد المكلفون بالتحقيق في هذا الملف شريط تشييع جنازة المرحوم عسى أن تساعدهم على رسم مسلك آخر مواز لباقي المسالك الأخرى.
وأكيد أن بعض الأسماء التي ظهرت في هذا الشريط، ضمنها أسماء غير مغربية، لم تأت لأداء واجب العزاء فحسب، وإنما جاءت أيضا لتتأكد من هذه الحقيقة: "مرداس دفن ودفنت معه كل الأسرار التي يعرفها عن بعض الحاضرين في جنازته".