المعطيات القليلة المتسربة من التحقيق في قضية مقتل برلماني الاتحاد الدستوري عبد اللطيف ميرداس قطعت ربما الشك باليقين وتتجه نحو تبرئة الشاب مصطفى خنجر الذي كان أول من اعتقل في هذه القضية. وروج البعض، خاصة بعد بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني، أن الشاب خنجر قد يكون هو من قتل ميرداس في قضية علاقة "عشق ممنوع" تربط شقيقته مع البرلماني الدستوري منذ أزيد من 10 سنوات لنصبح أمام جريمة شرف.
اليوم كل المؤشرات تقول إن هذه الرواية المتعلقة بالشرف لم تعد تتكئ على حائط صلب بعد أن تبين أن المشتبه فيه كان في ابن حمد بالتزامن مع وقوع الجريمة هنا بالدارالبيضاء.
بمعنى أنه يصعب أن يوجد الجاني في مدينتين في وقت واحد اللهم إذا كان الشاب خنجر يشبه الفقيه الصمدي الذي تطوى له الأرض ويسبق ال"تي جي في" ويقطع المسافة بين العاصمة الاقتصادية للمغرب وفاس في 10 دقائق.
والمتوقع أن يطلق سراح الشاب خنجر اليوم بعد أن يعرض على الوكيل العام للملك باستئنافية الدارالبيضاء.
لنعد الآن إلى الأهم. والأهم هنا هو أن الراحل ميرداس تغمده الله بواسع مغفرته كان عاطلا عن العمل ولم يكن له أي دخل شهري أو فصلي قار عدا تلك "البركة" القليلة التي كان يتقاضاها من البرلمان.
طبعا، هي مجرد بركة قليلة مقارنة بما دونها من أموال داخل المغرب وخارجه.
لكن هذا "العاطل" عن العمل كان يصرف قرابة ثلاثة ملايير سنتيم في كل محطة اتخابية غالبا ما كانت تقوده إلى البرلمان.
وهنا نتساءل: ألم تكن السلطات المحلية على علم بهذا الثراء المفاجئ لرجل كان مجرد سائق طاكسي يتحدر من أسرة معيلها مجرد خياط لازال مغلوبا على أمره الى الآن؟.
ليس هذا اتهاما لرجال السلطة. معاذ الله، وإن بعض الظن إثم. نعم بعضه وليس كله.
وبالفعل، فما هو مؤكد اليوم هو أن الراحل كان يلعب بأموال كثيرة مصدرها غامض، واسألوا عنه ديناصورا انتخابيا اسمه (م.ه) الذي هزمه ميرداس في كل المعارك الانتخابية التي تنافسا فيها على المقعد البرلماني.
وينبغي التأكيد في هذا المنحى أيضا أن مرداس لم يراكم أموالا طائلة فحسب، بل راكم أيضا شبكة علاقات واسعة خاصة وسط القضاء، وصار الرجل ذو المستوى التعليمي المتواضع بإمكانه حل قضايا وملفات كبرى معروضة ليس فقط أمام محاكم محور الرباطالدارالبيضاء وإنما أمام محاكم مدن الريف بكامله.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فلا بد أن نشير بهذا الخصوص الى العلاقة "المتينة" التي كانت تربط الراحل ميرداس بمسؤول قضائي كبير يدعى (ح.أ ). فأكيد أن الاستعانة بشهادة هذا المسؤول قد تساعد على فك هذه الجريمة الملغزة.
لماذا شهادة هذا المسؤول القضائي مهمة؟ لأن الرجلين لم يكونا فقط صديقين، بل كانا ثوأمين ولم يكونا يفقترقان إلا ليلتقيا من جديد وإلى الأبد.
والواقع أن مسار الراحل ميرداس لا يختلف كثيرا عن مسار العديد من البرلمانيين، كانوا إما عاطلين عن العمل لا يملكون وجبة عشاء أو وسطاء أو أساتذة بسطاء، أو أصحاب سوابق في قضايا النصب والتزوير، لكنهم تمكنوا في ظروف غامضة وفي زمن قصير من جمع ثروات طائلة، وأكيد بدون علم السلطة ربما.
بكلمة واحدة. التحقيق ينبغي أن ببدأ من هذه الدائرة الضيقة من أصدقاء ميرداس البرلمانيين والمسؤولين الجامعيين من ذوي الثراء المفاجئ. لماذا؟
لأن بعض هؤلاء هم شركاء له في هذه الثروة المفاجئة.
بقي فقط أن أقول. لم أكتب هذا لأني مثل أي حقود ينتشي بآلام الناس.
أبدا. أنا كتبت كل هذا حتى لا يتألم الأبرياء من الناس. ووارد جدا أن يكون الشاب مصطفى خنجر واحدا من هؤلاء الأبرياء الذين تألموا.