فجأة، وجدت السينما المغربية نفسها في موقف لا تحسد عليه. ودون سابق إنذار، أصبحت تواجهها تحديات كبيرة مرتبط بقضيتنا الوطنية الأولى بعد أن زج بها البعض وعلى رأسهم وزير الاتصال الناطق باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، في دهاليز ومتاهات السياسة من خلال دعوته الصريحة لإنجاز أفلام حول "قضية الصحراء" حتى أنه لم يتورع عن القول تحت وطأة حماسه الزائد: "إن المغرب يعيش حربا سينمائية". لنقرأ هذه الدعوة من مستويات مختلفة، ولنبدأ من المستوى الأخلاقي لمثل هذا التصريح الذي يعتبر تأثيرا واضحا على عمل لجنة الانتقاء الأفلام المستفيدة من الدعم، وبالتالي فإن الوزير يمس جوهر عملها من خلال ضرب استقلاليتها في الصميم مادام هو الوصي على القطاع وهو من انتقى بعضا من أعضائها. المستوى الثاني مرتبط بالعمل السينمائي في حد ذاته، إذ أثبتت التجربة أن الاحتماء وراء القضايا الكبرى وتخليد أسماء الرموز الوطنية سينمائيا تمرين فشلنا فيه فشلا دريعا حتى الآن، حيث تم انتاج أفلام مخجلة من قبيل : "حدود وحدود" للمخرجة فريدة بليزيد، الذي يتابع صحافية اسبانية تتعرف على الصحراء، و"القمر الاحمر" لحسن بنجلون الذي يحكي السيرة الذاتية للمبدع عبد السلام عامر، و"العربي" لادريس لمريني الذي يحكي مسار الجوهرة السوداء العربي بنمبارك، أو سيء الذكر "انهض يا مغرب" لنرجس النجار الذي لا يروي شيئا بالمرة. أما المستوى الثالث فمرتبط بالممثل الاسباني خافيير باردييم وما ينتجه من خزعبلات لصالح بوليساريو. يجب أن نكون على يقين أن فيلم بارديم لم يحقق كل هذه الشهرة نظرا لقيمة فيلمه السينمائية وبعده الفني والجمالي، بل لأنه يحشد وراءه لوبيات ضاغطة، وحفنة من نجوم هوليود الذين يعرفون كيف يتلاعبون ويفتنون ويقنعون ويظللون وسائل الاعلام. يجب أن لا يخفى على أذهاننا أننا لسنا مجبرين على السير على نفس طريق الأعداء، فقضيتنا عادلة ولا تحتاج إلى بروبغندا أكل عليها الدهر وشرب، فبارديم يضغط سينمائيا لأنه المجال الذي يفهم فيه وله حضوة وسلطة فيه وما علينا إلا أن نثري ما نحسن نحن القيام به وليس صناعة صورة نمطية للصحراء سندفع ثمنها غاليا. ولنكن صادقين مع أنفسنا، ونتعلم الدرس جيدا فالأفلام التي صغناها حتى اليوم بدعوى خدمة القضية الوطنية أو تخليد رموزنا أفلام تحتاج لإمكانات عالية جدا والنتيجة لحد الآن محبطة تجعل عظماءنا يتقلبون في قبورهم. لذلك نحن ملزمون اليوم لقطع الطريق على "المغتنين الجدد" الذين يسيؤون لنا ولقضايانا ولرموزنا ويتزلفون باعتماد نقل صفوة الوطن إلى السينما، بينما هم يستغلون قضايانا الحساسة من أجل الحصول على الدعم بشكل بسيط وهين بعد أن يكون الخطاب السياسوي الفج قد عبد الطريق. إنني أستغرب عندما أسمع بعض المتزلفين والانبطاحيين في القرن 21 ينادون بسينما أيديولوجية معلنة وبلهاء، فيما نجحت هوليود منذ قرن من الزمن في انتاج أفلام ذات ايدبولوجيا مضمنة ومستترة. إن أحسن وسيلة لخدمة القضايا الوطنية هو أن لا نزج بسينمانا في متاهات السياسة لأن القضية بالنسة إلينا محسومة، ولا نحتاج لفيلم أو اثنين لنؤكد ذلك. ومن خلال الدعوات التي يعممها أنصار تسييس السينما فإنهم يسعون إلى انتاج أفلام بروباغندا رديئة، في حين أن واقع الحال يجعل من السينما فعلا مسيسا في كل الحالات، ويمكن أن نستعرض هنا كمثال صارخ أن "مشهد ثلاجة مليئة بالاكل في فيلم امريكي زمن الحرب الباردة كان السوفيات يعتبرونه نوعا من الدعاية السياسية". فليس المهم، كما قال أحدهم، أن نعمل أفلاما سياسية ولكن أن نعمل افلاما بطريقة سياسية