سجل عدد من النقاد والملاحظين بأسف ما اعتبروه حضورا جد باهت لقضية الصحراء في السينما المغربية على مدار 50 سنة من دعم الدولة لهذا القطاع، على غرار العديد من القضايا الأخرى ذات البعد الوطني أو المرتبطة بالذاكرة التاريخية للمغاربة، فباستثناء أفلام «سأكتب اسمك على الرمال» للمخرج عبد الله مصبحي مطلع السبعينيات وفيلم «طرفاية» و»باب البحر» لداوود ولاد السيد و»حدود وحدود» لفريد بليزيد المعروض بالمهرجان الوطني الأخير، والفيلم الوثائقي»مكلومي تيندوف» والفيلمين القصيرين «الوصية» و»ريكلاج» لا تكاد توجد أفلام ذات صلة مباشرة بالقضية، هذا بغض النظر عن المستوى الفني والإبداعي لهذه الأفلام، وذلك في الوقت الذي يسجل ذات الفاعلون استثمار الخصوم القوي لسلاح السينما من أجل الدعاية لأطروحاتهم التجزيئية والانفصالية مستعينين في ذلك بخصوم الوحدة بالخارج خاصة من طرف العديد من المؤسسات والمخرجين الإسبانيين. عن أسباب هذا الحضور الباهت للقضية الوطنية، وجه الناقد السينمائي حسن بنشليخة انتقاده للمركز السينمائي المغربي من خلال التوجهات التي كانت تحكم لجن الدعم على مدى سنوات والتي اعتبرها المتحدث في تصريح ل «التجديد» كانت تعزف على ثلاثة أوتار؛ أولا الإرهاب كتيمة وكموجة بما تحمله من تشويه للإسلام أحيانا وبعض الحركات ذات المرجعية الإسلامية، ثانيا الجرأة الزائدة وغير المبررة في صلة بقيم المجتمع المغربي وخصوصيته، والوتر الثالث يتعلق بهجرة اليهود الذي أشبع تناولا. وذكر المخرج بنشليخة، في هذا الصدد بتجربة «هوليود» في صلة باللوبي العالمي لليهود وكيف استطاع أن يفرض قضية هجرته وما يعتبره اضطهادا وتشريدا عبر العالم، من خلال سلاح السينما والاستثمار في الصورة مما مكنهم من صناعة رأي عالمي، وهو الأمر الذي لا نجده في السينما المغربية في صلة بقضية وطنية مثل قضية الصحراء. واستحضر المتحدث بعض الأفلام التي سبق أن منعت ولم تتلق الدعم رغم أنها تحمل صبغة الدفاع عن القضايا الوطنية ومواجهة الاستعمار، وذلك بسبب خلافات تتم شخصنتها من طرف بعض المسؤولين، وقدم كمثال على ذلك الفيلم الذي تقدم به المخرج محمد العسلي حول موضوع المقاومة بالعراق. مصدر من وزارة الاتصال أكد أن هذه الأخيرة من خلال الكتاب الأبيض الأخير أو من خلال العديد من التوجيهات تحث على الاهتمام بالقضية الوطنية والتحسيس بها والدفاع عنها. في ذات المنحى، تأسف الناقد السينمائي مصطفى الطالب، لغياب القضية الوطنية بالسينما المغربية اللهم بعض المحاولات، واعتبر أن هذا المعطى يعبر على عدم وجود الاهتمام بالقضية من طرف العديد من الجهات منها المخرجين، وتابع الطالب تصريحه ل «التجديد» بالقول إذا كان الأمر يفسر في وقت من الأوقات باعتبارات سياسية مرتبطة بحساسية القضية فإن الأمر لم يعد مطروحا في الآونة الأخيرة وأنه على المخرجين أن يتوجهوا لخدمة القضايا الوطنية الأساسية من بوابة السينما. وسجل العضو بالجمعية المغربية لنقاد السينما، بأسف غياب أفلام تخدم هذه التوجهات ذات الصلة بالتاريخ المغربي وبرموزه والقضايا الوطنية الأساسية للمغاربة. وفي نفس السياق، تأسف الناقد السينمائي أحمد سيجلماسي ،»على التعامل المحتشم جدا للإبداع السينمائي المغربي مع القضية الأم لكل المغاربة. فإحصائيا نجد أن عدد الأفلام الروائية والتسجيلية، الطويلة والقصيرة، التي اتخدت من الصحراء كفضاء وكقضية وطنية مصدرا للاستلهام، جد قليل للغاية. ونلاحظ شبه غياب فيما يتعلق بتبني قضية الصحراء المغربية فنيا وجماليا في السينما، على غرار مجالات الأدب و الأغنية والمسرح وغيرها التي تميزت بإنتاج كمي وكيفي لنصوص وأعمال فنية تبرز أهمية وقدسية الصحراء بالنسبة لكل المغاربة». وتابع سجلماسي في مداخلة ضمن ندوة أخيرة حول نفس الموضوع أنه «من المؤسف القول أن جل الأفلام القليلة التي استلهمت تيمة الصحراء المغربية لم تكن إبداعيا في مستوى تطلعات المغاربة لا من حيث عمق مضامينها ولا من حيث جودتها التقنية ولا من حيث طرق معالجتها الفنية. فباستثناء الفيلم القصير «طرفاية » أو « مسيرة شاعر » للمبدع الراحل أحمد البوعناني سنة 1967 والفيلم الطويل «طرفاية» أو «باب لبحر» لداوود أولاد السيد سنة 2004 وغيرهما، تبقى جل الأفلام المغربية الأخرى قريبة من الروبورتاج التلفزيوني ومن الفيلم التقريري، وبعيدة كل البعد عن الإبداع الراقي صوتا وصورة وحكيا وتركيبا. ولاحظ المتحدث كذلك، أن العدد الوفير من الأفلام الأجنبية الكولونيالية وما بعد الكولونيالية التي ركزت اهتمامها على الصحراء، كفضاء سينمائي قابل للمغامرات والاكتشاف والتحدي والعنف والوحدة ومطبوع بالروحانية والعجائبية، لم يخرج عن إطار الأفلام المنمطة والمقولبة، الطافحة بالعديد من الكليشيهات حول الصحراء وسكانها، والبعيدة كل البعد عن البحث في الخصوصيات الثقافية الصحراوية وفي الجماليات الخصبة والعميقة التي تميز المغاربة القاطنين بالأقاليم الجنوبية للمملكة. وخلص المتحدث إلى أنه أصبح من الضروري، وليس من باب الترف الفكري، الاهتمام الجدي واللامشروط بالصحراء المغربية كفضاء وكقضية وطنية وكمجال لخلق وتطوير صناعة سينمائية بالأقاليم الجنوبية الغنية بطبيعتها الخلابة وبثقافاتها المتنوعة وبساكنتها النشيطة والأصيلة. فبالموازاة مع التحدي السياسي والديبلوماسي القائم منذ عقود، يجب العمل على وضع أسس متينة للتحدي السينمائي والفني والإبداعي لمواجهة الخصوم بنفس سلاحهم.