التوجه الذي اتخذته مواقف التجمع الوطني للأحرار في قضيتي ما اصبح يعرف ب"الصاية" ورد فعل زعيمه مزوار ازاء تطاول صحافي الجزيرة المؤذن احمد منصور ،المقرب من اخوان مصر والعدالة والتنمية على الصحافة الوطنية، من خلال تدبيجه لبلاغين ناريين، اقرب في قاموسهما السياسي الى اليسار منه الى اليمين المحافظ، يشكل تحولا نوعيا في لغة حزب صهر الحسن الثاني الذي ولد وترعرع في كنف المخزن ، ولم يسبق له يوما ان انتقد السلطة او اومأ بما يفيد دفاعه عن الحداثة ووقوفه ضد الظلامية الأصولية في قضايا " الأخلاق والقيم". لعل ذلك قد لا يبدو غريبا عن شخص رئيسه مزوار الذي تربى بين احضان حركة 23 مارس وللاتحاد الوطني لطلبة المغرب بفرنسا، قبل ان يعود الى المغرب فيقطع شعرة معاوية مع رفاق الأمس ويرتمي في احضان المخزن عبر الاتحاد العام للمقاولات ويصبح رجل الأرقام والبرامج النيوليبرالية ذات النفحة الاجتماعية بين الفينة والأخرى، وبدا ذلك جليا منذ الحركة التصحيحية وعملية الإنقلاب على سلفه المنصوري، اذ حيكت بطريقة يسارية شكلا ومضمونا ، وعمل مزوار على تعبئة مناصريه حول توجه جديد ينبغي للحزب ان يسلكه من خلال خروجه من حالة الانتظارية القاتلة ومنطق اللعب على وسط باهت في حقل سياسي بارد من حيث تجاذباته السياسية، نحو توضيح خطه الأيديولوجي وهويته السياسية بما يجعله اقرب الى التوجه الليبرالي الاجتماعي المساير للعصر والمنفتح على قيم الحرية والليبرالية. توجه جديد لن يجد لحد الان أرضيته الخصبة داخل حزب ما زالت ثقافته السياسية تنهل من معين التعليمات والإشارات، وان كانت كل الأحزاب اليوم أضحت منغمسة في هذه الثقافة وأصبح موضوع استقلالية القرار السياسي موضوعا على الرفوف. الا ان تطورات ما بعد دستور 2011 ، وركون الحزب الى معارضة ل"حكومة جلالة الملك" وليس معارضة" حكومة جلالة الملك" ، والتي كشفت ان حزب عصمان ظلت بنيته عتيقة غير قادرة على شغل دور المعارضة، خاصة وان ثقافة جل اعضاء هذا الحزب لم تتغير، وظلوا متمسكين بان الأحرار ليسوا أحراراً في اختيارهم المعارضة او الاغلبية ، فواجه مزوار معارضة داخلية قوية وهو يعلن اختيار حزبه صف معارضة حكومة الخوانجية وهو الذي صرح قبيل الحملة الانتخابية على ان حزبه لن يضع يده في يد الإسلاميين ، ذلك ان التجمعيين اعتبروا قرار مزوار بمثابة انتحار سياسي غير محسوب العواقب ، الا ان الأمور اتضحت اكثر في ما بعد لما أضحى العدالة والتنمية طالبا راغبا في دخول فريق مزوار الى حكومة أصيبت بعطب في منتصف ولايتها. وبغض النظر عن مبررات إنقاذ البلاد والحفاظ على الاستقرار وحماية النموذج "المغربي" ، التي قدمها حزب الحمامة لتبرير مشاركته في حكومة بن كيران الثانية، الا ان ذلك لا يعني ان القرار كان محط اختيار تلقائي….. المهم ان تحركات حزب مزوار الاخيرة تروم كلها التأكيد على هوية الحزب الليبرالية ورغبة في حضوره في النقاش العمومي عكس ما كان سائدا من قبل ، رغم ان في ذلك احراج لحليفه في الحكومة حزب العدالة والتنمية، ولباقي مكوناتها ، ما يجعله اليوم اقرب الى قيادة تيار حزبي ليبرالي في مواجهة المد الأصولي الى جانب البام، اكثر مما تقوم به مكونات اليسار المخزني وعلى رأسها الاتحاد والبي بي آس، في حين ركن حزب الاستقلال الى موقف مساند لهويته المحافظة الجامدة في القضايا المطروحة ، ما يجعله اكثر قربا من العدالة والتنمية. مزوار يدرك جيدا ان حزبه في حاجة الى عملية قيسرية داخلية صعبة ذات ثمن، من اجل هضم قيم الحداثة والدفاع عليها ، الا انه يبدو مصرا على الاستعداد لمحطة 2016 بنفس سياسي جديد قد يعيد ترتيب أوراق الحقل السياسي وتحالفاته الحالية خاصة وان تسونامي الاخوان في مصر وتونس وغيرها من الدول التي تعيش توترات وانقسامات داخلية حادة، أخذت معالمه تتضح أكثر في طل متغيرات إقليمية ودولية جارفة لن يكون المغرب واخوان العدالة والتنمية بمنأى عنها….