من المؤسف جدا أن يتحدث أستاذ جامعي بلغة غير علمية وبأسلوب ركيك يشوبه اللمز والغمز بعيدا عن كل الموضوعية المطلوبة في نشر مقال علمي أو رسالة سياسية إلى خصم إيديولوجي،هكذا تكلم زعيم القلم في حزب الأصالة والمعاصرة الأستاذ الجامعي في جامعة مولاي إسماعيل السيد مصطفى المريزق وهو يخاطب خصمه السياسي الأستاذ الجامعي والقيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين برسالة مفتوحة نشرها المريزق في الصحافة الإلكترونية. الرسالة التي تكلمت عن مفاهيم ثقيلة مثل اليسار والحداثة والهوية بلغة غير علمية كما سنوضح ذلك في مقالنا هذا. وما زاد الطينة بلة، حديثه عن تجربته النضالية بلغة الافتخار والانتفاخ في الذات دون أن يذكر على أن هذه التجربة مهما طالت مدتها أو قصرت قد انتهت بالرضوخ بين أحضان المخزن عبر حزب لقيط –حزب الأصالة والمعاصرة . هذا الحزب الذي فشل في تحقيق مراده بسبب بسيط هو أن التاريخ يخبرنا ويؤكد لنا أن تجربة الحزب الوحيد أثبتت فشلها ولنا في تاريخنا السياسي المغربي العبرة من تأسيس هذا النموذج " الفديك نموذجا : الحزب السلطوي الذي يجسد منطق الحزب الوحيد حيث تأسس على يد وزير الداخلية اكديرة لمواجهة حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية بسبب الدعم الذي يقدمه هذا الحزب الوطني لتجربة حكومة الإصلاح ،حكومة عبد الله ابراهيم ". عن اليسار: تجديد في المفهوم … لا لتغليط الرأي العام يتحدث القيادي في البام على أن اليسار يؤمن ب"دين الإنسانية"،كأن الإسلام ليس دين الإنسانية ،لذلك أدعوه إلى الإطلاع على كتاب بالغ في الأهمية "الإسلام" للرفيق والمناضل روجي غارودي الذي يعد رمز الماركسية في أوربا ،وبما أن الإسلام دين الإنسانية باعتباره دينا كونيا يدعونا إلى التحرر من كل أغلال الاستبداد والاستعباد ،وبما أن اليسار يدعو هو كذلك إلى التحرر من العبودية فهو إذن لا ينفي رسالة الإسلام بل يؤكدها بطريقة أخرى. وبالنظر إلى مفهوم اليسار من الناحية النظرية لابد من الإشارة هنا إلى ما كتبه منظر الاشتراكية بالمغرب المفكر والمناضل محمد عابد الجابري الذي قال " أنه لا يعد هناك تطابق بين اليسار كتنظيم (الجانب الذاتي) كما بقي موروثا وبين الموقع الاجتماعي (الجانب الموضوعي) الذي هو أصلا موقع اليسار. وبما أن الدين أصبح ملاذا وشعارا للقوى التي تصنف موضوعيا ضمن اليسار،فإن الحركات الإسلامية ضمن خانة اليسار"،أي أن مهمة اليسار اليوم هي مهمة الإسلاميين ،من خلال ما قاله الجابري يتبين أن صاحبنا غير مستوعب لمفهوم اليسار ولمهمته التاريخية،بل إن حزبه اللقيط بعيد كل البعد عن اليسار الذي هو فكر تحرر وليس فكر استبداد،فكر اليسار يدعوا إلى القطع مع الفساد وحزبه يدعوا إلى التحالف مع الفساد ضدا على الإصلاح والتغيير. لذلك أدعوا صاحبنا التأمل في هذا القول " مستقبل اليسار في المغرب كما في العالم العربي عموما يتوقف على مدى قدرته على التعرفعلى نفسه أو إعادة التعرف على نفسه لا كطرف مقابل ليمين ما،اقتصادي أو إيديولوجي، بل أولا كمبشر بالأهداف التاريخية التي تطرحها المرحلة الراهنة، كمدشن لعملية الانتظام الفكري حولها وكقوة دفع للعمل على تحقيقها ، إن هذا ما يجعل اليسار أو سيجعله ذا مستقبل( ملفات من الذاكرة السياسية ل محمد عابد الجابري)" . عن الحداثة : خلط بين الحداثة و "ما بعد الحداثة" السيد المريزق عمل على الخلط بين الحداثة وما بعد الحداثة ،فتياره الفكري والسياسي وحلفاؤه في الإعلام يدعون الانتساب إلى قيم الحداثة، وهذا فيه تغليط للرأي العام،والحقيقة أنهم لا ينتسبون إليها وهي بريئة من بؤسهم. فالحداثة بتعبير المفكر المغربي عبد الله العروي هي واقع اجتماعي معيش لا مقولة قابلة للتحبيذ أو التقليد (أنظر مجلة النهضة المغربية –عدد هكذا تكلم العروي-) وهذا الواقع المعيش يوجد في أوربا وبلاد الغرب وليس عندنا،فنحن محتاجون لصناعة حداثتنا وليس تقليد غيرنا. لذلك فهو بعيد عن الحداثة بلغتي التاريخ والجغرافيا، يدافع عنها كأنه لا يدري أو لا يعي أن هذه الحداثة إنما هي في أخر المطاف أعظم منتجو للبروجوازية وانتهت إلى أن توظف من قبل منتجوها لتبرير الاستعمار باسم التحديث والدمقرطة (الاستعمار الفرنسي لبلدنا ، الاستعمار الأمريكي للعراق..)،فهذه وظيفة الاستعمار القديم. أما اليوم فهناك استعمار جديد يوظف أساليب جديد بمنطق آخر ،منطق الفوضى والتعتيم والسيولة والميوعة وخلط الحقائق ،وهذا كله من وظائف "ما بعد الحداثة ". ويقول في هذا الصدد المفكر اليساري المغربي عبد الصمد بلكبير أن " الاستعمار القديم ،على الأقل كان يهدم ويبني ،يقتل ويحيي ،أما جديده فهو يهدم ويفكك ويقتل وينشر الحروب والفوضى والفتن "،وهذا ما تهدف إليه ما بعد الحداثة التي يروج لها صاحبنا باسم الحداثة ،لذلك نحن لسن بغافلين عن المشاريع الصهيونية الاستعمارية التفتيتية التي تستهدف وطننا ويشتغل عليها هؤلاء اللقطاء ،فتارة تراهم يدافع عن الإفطار العلني تحت غطاء "حرية المعتقد" ،تارة تنظيم مهرجان للقبل أمام البرلمان ،تارة دعم الدارجة مقابل محاصرة العربية الفصحى،وتارة الدفاع عن أفلام رخيصة ،..وغيرها من الأمور التي تهدف إلى تفكيك النواة الأصلة للمجتمع (الأسرة) وجعل التناقض الرئيسي بين الدين والتحرر من الدين . إن من بين أهداف تيار "ما بعد الحداثة" التي يبشر بها صاحبنا ،اختصار الإنسان المغربي في "الفرد"،وهذا الأخير في "الأنا"،وهذه في اصطناع نقيض لها هو آخر (عدو وخصم،وليس أخا )،إنها فردانية أنانية إقصائي تكفيرية تسعى إلى التفكيك والانعزالية عبر احتقار الوعي وتسفيه القيم وتهميش الثقافة لمصلحة الفلكلور والاستعراض والعبث (الزين لي فين ..)،وهذه الفردانية وهي نقيض لفردانية "الحداثة "(أقصد فردانية جون جاك روسو كما رسمها في مؤلفه الرائع "دين الفطرة"،فردانية تدعوا إلى دين الفطرة وربط الفرد بالضمير،ولخص العروي مقولات روسو في ما يلي : الإيمان في خدمة النفس،الدين في خدمة المجتمع،المجتمع في خدمة الفرد..فردانية روسو مطلقة ، إذ الفرد لا يسعى إلا لضمان سعادته وأعلى صور السعادة هي رضا النفس على ذاتها .. هذا هو أهم أركان الحداثة " من دين الفطرة "). عن الهوية : تحديداته غير نسبية قوله "الهوية متحولة" ، فهذا رأي لكنه ليس حقيقة مطلقة،والاعتقاد بذلك أصولية ،التي هي انعكاس للأصولية الاستعمارية ،لكن المؤكد أن الثابت في الهوية هو جوهرها والمتغير فيها هو أشكال وطبيعة الجوهر،فمثلا اللغة معطى ثابت لكن طبيعة اللغة تتغير من مكان إلى مكان ومن زمن إلى زمن ،ولا نتصور وجود مجتمع بدون لغة ،كذلك بالنسبة لمعطى الدين ،فلا وجود لمجتمع بدو ديانة (وشكل الدين متحول حسب الظروف التاريخية والسياسية وحسب الحروب كذلك ..) لكن الدين ثابت لا يتحول إلى لا دين ،لذلك فالمحددات نسبية ولا يجب احتقار العقائد باسم تعاريف محددة أفرزتها ظروف تاريخية وثقافية معينة. الفصل بين نضال اليسار ونضال الإسلاميين مهمة فاشلة : التقارب حاصل وثابت تاريخيا تاريخ نضالات الشعب المغربي تؤكد الوحدة (وحدة المصير ،وحدة الأهداف التاريخية :النهوض والتقدم ..) بين اليساري والإسلامي والقومي والليبرالي والأمازيغي في معارك عدة بدءا بمعركة الاستقلال ،التي يصفها صاحبنا بالاستقلال الشكلي ضاربا كل تضحيات رجال الحركة الوطنية وجيش التحرير الوطني عرض الحائط،مرورا بمعركة البناء الديمقراطي المتجسدة في حكومة عبد الله ابراهيم التي دعمها الوطنيون وأيدها رجال المقاومة،دون أن ننسى تجربة فريدة في تاريخنا السياسي وهي تجربة الاتحاد الاشتراكي الذي كان يحوي بين صفوفه رجال دين ومثقفين ليبراليين ( على رأسهم الفقيه والعالم مولاي بلعربي العلوي الملقب بشيخ الإسلام ،ونحن مدركون لتضحياته الكبيرة في سبيل هذا الوطن ، عبد العروي المثقف الذي ساهم بكتاباته التنويرية في استنهاض ذهنية العقل المغربي،محمد عابد الجابر المثقف العضوي والصحفي المناضل الذي ساهم بدوره في التقريب بين اليسار والإسلامية عبر مفهومه "الكتلة التاريخية ..وغيبرهم من الرجال الأشاوس).. عن الأفغاني يكذب صاحبنا ..وعن الكواكبي يفتخر ذكر المريزق أمورا تاريخية ،لا أعتقد أنه متأكد من صحتها ،أو أنه عمل على تزيفها كما يعمل حزبه في تزوير الانتخابات،على الأقل من الناحية عليه أن يذكر بمرجع من خلاله آتى بهذه الأكاذيب التي تقول "كان جمال الدين الأفغاني يحرض على الثورة في النهار، و يتعاون مع السلاطين العثمانيين في الليل. يدعو لتوحيد الإسلام و المسلمين في الصباح، و ينشط العلاقات بين المسلمين و الانكليز ضد روسيا مساء"، لا يسعنا إلى القول ببساطة : عليك أستاذي بقراءة كتاب "الوعي بالتاريخ "للمفكر المصري محمد عمارة ،لتعي بالتاريخ أولا ثم لتعريف أن قلته عن الأفغاني كذب وافتراء لا غبار عليه ، فالأفغاني كما جاء في الكتاب كان يذهب إلى المحفل الماسوني البريطاني باعتبار أن المحفل الماسوني كان يحمل شعار الثورة الفرنسية "الحرية –الإخاء – المساواة "والذي يعرف بسريته وبتنظيمه لقاءات فكرية وثقافية ،لكن لما تبين له أن هذا المحفل يخدم أجندات الاستعمار البريطاني خرج منه والتحق بالمحفل الايرلندي الذي كان معاديا للسياسة البريطانية ،ولأن الأفغاني ليس من أهل التملق والدهان، فهو كان يعبر بكل حرية عن آرائه رغم الاهتمام والتعامل الجيد الذي يتلقاه من اسماعيل الخديوي "حاكم مصر آنداك ،ويعود الأمر بعد عودة الأفغاني لمصر سنة 1871). أما حديثه الغريب عن الكواكبي ،بمدحه وبمقارنته مع الافغاني فهو غير مفهوم ، ولا يحتاج ذلك إلى رد ،فقط تذكير بسيط وبالغ في الأهمية وهو أن المراجع والكتب الفكرية التي يتناولها أبناء الحركة وبمن فيهم حامي الدين ،هي كتب الأفغاني والكواكبي ومالك بن نبي ورشيد رضا والجابري ..وغيرهم ،فجلهم محسوبين على رواد النهضة الإسلامية ،لذلك فصاحبنا يريد أن يفصلنا عن التاريخ كما يريد أن يفصلنا عن اليسار !!! عن التناقض الرئيسي أحدثك يا أستاذ !! إذا كان ماركس وأنجلز وكذلك لينين وستالين ،في ما يتعلق بتطبيق الجدل على الظواهر الموضوعية ،يدعون الناس دائما أنه ينبغي لهم أن يتخلصوا من أي شائبة من شوائب النظرة الذاتية والنظرة الاعتباطية ،بل عليهم أن يكتشفوا من الظروف المحددة في الحركة الواقعية الموضوعية للتناقضات المحددة في تلك الظواهر ،والمركز المحدد لكل طرف من أطراف التناقضات والعلاقات المحددة القائمة بين التناقضات (ص60-61 من كتاب "في التناقض والممارسة العملية –ماوتسي تونغ،ترجمه عبد الصمد بلكبير)،هذا الذي تغاضى عنه السيد والباحث والأستاذ الجامعي( والماركسي ) مصطفى المريزق في حديثه عن ظاهرة " الإسلام السياسي " الذي يجعل منه تناقضا رئيسيا ،الإسلام السياسي كما يعلمه كل مثقف له ضمير إنساني وخلق فكري هو نقيض الاستبداد في هذه المرحلة التاريخية التي نمر منها ،و أريد ان أذكر صاحبنا بالعديد من هؤلاء المثقفين بدءا بنعوم تشومسكي ومرورا بغارودي والمسيري والمهدي المنجرة والجابري واحمد ويحمان و و..لكي يتعظ منهم لعل ذلك سيوقظه من سبات ضميره،فهل أنت يا المريزق ماركسي مزيف ؟ الجواب بالنفي تؤكده المعطيات الميدانية خصوصا منها السياسية ،لأن الماركسي الحقيقي لا يصطف مع الدولة العميقة ولا يتحالف مع الاستبداد لمواجهة من يختلف معه في المرجعية والفكر. يعلمنا الحديث النبوي إن الحكمة ضالة المؤمن ،فأذكر الرفيق المزور الأستاذ مصطفى المريزق بحكمة من حكم ماوتسي تونغ ،هذا الأخير الذي قال في معرض حديثه عن النظرية و الممارسة "أن كلمة السر في التغيير هي لا عمل قويم بدون نظر سديد ،وأيضا وبالمقابل لا نظرية علمية وواقعية دون تمريسها في الملموس وامتحانها في الميدان ومع الناس ليعرفوا بأمرها وأمر نتائجها "(تعليق عبد الصمد بلكبير على كتاب "في التناقض والممارسة العملية –ماو تسي تونغ-)،وهذا ينقص المريزق في مقاله إذ هو يصدر أحكام مطلقة ومسبقة لا تراعي لا النظر ولا العمل ،فبدل أن يوجه مدفعيته الكلامية صوب التناقض الرئيسي في البلد "الفساد والاستبداد" يوجهها إلى حزب معروف بنضاله المستميت ضد الفساد والاستبداد. نداء إلى الضمير : ضمير المريزق يا أستاذ ،إن من هم في حاجة إلى ألسنة المناضلين ومواقفهم هم كادحو هذا المجتمع (لا رأسماليته الخائرة)،ومطالبهم الحيوية والمصيرية المعروفة لد الجميع وهي : الحق في التعليم والعمل والأرض والصحة والسكن والعدالة والأمن وحياد الإدارة في الانتخابات ،والوحدة ومحاربة العنف بالجامعة وتحرير فلسطين والاتحاد المغاربي.