برية لسيدي حمزة إلى القطب الرباني, والرمز الإنساني سيدي حمزة, هاد البرية والسلام. سيدي لست من هواة طريقتكم على الإطلاق. أنا "التحيار" الوحيد الذي أتقنه هو "تحيار تعيساويت" الذي يجري في دمي منذ السنوات الأولى للصبا بسبب الولادة والتربية في مدينة تستنشق الذكر والغرباوي والمجرد والحضرة وبقية طقوس عيساوة, الذين يوجد شيخهم الأكبر الهادي بن عيسى أو الشيخ الكامل فيها باعتباره دفينها الأبرز. غير أن علاقتنا بتعيساويت لم تصل يوما في تلك المدينة حد الخروج بهذا التقليد المغربي الأصيل من حدود المتعة والاستمتاع به والحفاظ عليه إلى مانرى طريقتكم _ شيخنا _ تسير إليه هذه الأيام.
ومع أنني لست من هواة هذه الطريقة إلا أنني أحترمها عن بعد خصوصا وأنني أعرف أصدقاء عديدين يعدون من مريديكم ويصرون كل مداغ على الصعود إلى يدكم لتقبيلها والتبرك بما يقولون إنه بركات جدكم, وهذه على كل حال أشياء مغربية صميم لا أعاديها بل أعتبرها من مكملات شخصيتنا المحلية التي ينبغي الإبقاء عليها دون أي عقدة نقص, ودون أي محاولة إظهار للآخرين أننا قد برئنا منها لأنها بالنسبة لعدد كبير من المغاربة ليست أعراض مرض ولا أدواء على الإطلاق.
كل هذا لايهمني, شيخنا, بقدر مايهمني ماشرعتم فيه من عمل سياسي اكتشفتموه فجأة منذ الاستفتاء الدستوري, أنتم والمريدون, رغم أنك ظللتم لسنوات طويلة تقولون لنا ولكل من يريد سماعكم إن طريقتكم لاعلاقة لها بالسياسة على الإطلاق, وأنها طريقة صوفية من مدارس التعبد في محراب النسك الزاهد والتأمل فيما فعله الصانع البديع في ملكه وخلقه. اليوم يبدو أنكم قررتم التحول الجنسي من الصوفية إلى السياسة, بعد أن اكتشفتم أنكم قادرون على أن تخرجوا إلى الشارع مالايستطيع الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال معا إخراجه من الأنصار لو أرادوا, وبعد أن فهمتم أنكم القوة "السياسية" الأولى في البلد, والدليل أن مظاهرتكم كانت هي أكبر مظاهرة خلال فترة الحملة على الاستفتاء بين صفوف المعارضين والمؤيدين.
ورحم الله رجلا جعل العقل العربي الغائب المغيب محور بحثه الدائم كان يسمى محمد عابد الجابري, كان يصر في كل أحاديثه ومقالاته وكتبه على أننا في المغرب لن نبارح المرحلة البدائية من السياسة طالما بقيت الزاوية أكبر وأقوى من الحزب. ولو أطال الله عمر فقيد العقل العربي سنتين إضافيتين أو ثلاثا لرأى بأم عينيه المغرب وهو يسلم اليوم القياد في الشارع لحركة صوفية أصبحت القوة السياسية الأولى في البلد بقدرة قادر.
شيخنا, لم أقبل يدك يوما, و"ماعوالش ندير هاد القضية شي نهار", لكنني أحترم شيبتك ووقارك الذي يبدو لي في الصور التي تنشر كل سنة عن موسم مداغ الذي تحج إليه مئات الآلاف, وقد سببق لي وكتبتها وهاأنا أعيدها اليوم: كان لدي شك دائم في الجرائد التي تنشر صور موسمكم العامر, وكنت أتساءل عن سر هذا الاهتمام المبالغ فيه, وكنت أخلص إلى الجواب الدائم المستمر "هادا كيوجدو بيه لشي بندخة شي نهار".
وها قد أتى أوان هاته "البندخة" لكي نرى الحاجة الماسة إليكم وإلى حركتم المنصورة بالله وبالدولة على مايبدو, وعلى ماتقول كثير الظواهر, بعد أن تم اللجوء لخدماتكم, عبر تقنية التدبير المفوض, ولكن "فشي شكل" لكي تدافعوا عن الدستور, ثم اليوم لكي تحيوا مراسيم نجاحكم في الدفاع عن هذا الدستور.
شيخنا, كاين واحد المشكل صغيور, غدا عندما ستحل الانتخابات التشريعية وبعدها الجماعية, هل ستصمتون؟ لاحق لكم في ذلك وقد أكدت الأيام أنكم القوة السياسية الأولى في البلد التي تستطيع إنزال الأنصار لكي يرددوا "الموجود من الجود", و"الله حي والدستور جاي", ثم يعودوا إلى حلقات الذكر في انتظار المظاهرة القادمة. لذلك عليكم اليوم بعد أن طلبتم من شعبنا التصويت بنعم على الدستور, واستجاب لكم على مايبدو, أن تنصحونا بما نحن فاعلون في الانتخابات المقبلة, ويمن يجب أن "نلقي في وجههم أصواتنا", ولم لا تفكرون شيخنا في اختزال المسافات والخروج من هذا النفاق الذي أنزهكم عن السقوط فيه لكي تترشحوا أنتم شخصيا على رأس لائحة أقترح تسمية لها "لائحة الشيوخ" أسوة بلائحة الأطر الخرافية التي تقول لنا الأحزاب السياسية اليوم إنها الحل لكي يدخل إلى البرلمان أناس محترمون "شي شوية" عوض "الكاملوط" التي تجد طريقها في الغالب الأعم إلى القبة المسكينة؟
شيخنا, ضاق بنا الحال, واختلط علينا حابل بنابل, ولم نعد نميز بين تحريم تدخل الدين في السياسة حين يأتي على يد عبد السلام ياسين, وبين تحليل نفس التدخل عندما يأتي على أيديكم الكريمة التي يقبلها الكثيرون. لذلك نطلب منكم التوضيح, أنتم أو إذا تعذر عليكم, "شي حد" من الأنجال الكرام الذين يتم إعدادهم لحمل المشعل بعد العمر الطويل "شي نهار إن شاء الله". شيخنا, اعذر للعبد الضعيف تطاوله عليكم ولكني أقدس بلدي على من عداه, وأعتبرنا جميعا _ شيوخا ومريدين _ من العابرين في دار الفناء, أما البقاء الأكبر فلوطن الذي أخشى عليه من كل هذا الغباء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق أن يمنع المغرب توزيع عدد "لوكوريي أنترناسيونال" الأخير لتضمنه رسما جزائريا يسيء لرمز المغرب, أجد المسألة عادية جدا. من حق الجزائريين أن يرسمونا مثلما يريدون في صحفهم, ومن حقهم أن يحلموا لنا بديمقراطية على مقاس مايفعلونه بالجزائر المسكينة, لكن من حقنا أن نعتبر أنه من العيب أن تتحول مجلة ذائعة الصيت مثل "لوكوريي" إلى مزبلة لسعار المخابرات الجزائرية وحقدها على المغرب.
مثلما لا أتقبل دروس الديمقراطية من قطر وجزيرتها لايمكنني أن أتقبل يوما درسا واحدا في الحرية من جزائر بوتفليقة بالتحديد, ولكل الحق بعد ذلك في أن يتبنى مايشاء من آراء