صرخة تلك الأم المكلومة القادمة من آسا الزاك يجب أن توقظ حكومة عبد الإله بن كيران من سبات دخلته منذ عهد تصريف الأعمال. وبالقدر نفسه يجب أن تسائل وزير الداخلية امحند لعنصر عن حدود التدخل الأمني الذي انطلق لوقف الفوضى ليفاجأ بقتيل في وسط الشارع العام. لا أحد سيعيد لتلك السيدة ابنها الذي فقدته في زحمة التصدي لبعض الشباب الذين كانوا يقذفون قوات الأمن بحجارة تسبب للعديد منهم في جروح خطيرة استدعت نقلهم إلى المستشفى. وبرغم أن مطالب ضبط النفس تتكرر مع كل موجة احتجاج في الأقاليم الجنوبية, لا تزال أصداء غير ذلك تصل عبر إصابات متفاوتة تصل أحيانا إلى حد مفارقة الحياة كما حدث مع الشاب رشيد الشين الذي توفي متأثرا بجراحه.
وبين نفي الداخلية أن تكون الوفاة ناجمة عن رصاص مطاطي, وتأكيد والدته لذلك, يبقى المسلك الوحيد القادر على فك خيوط ما حدث هو التحقيق النزيه والشفاف الذي يعيد الطمأنينة للأم ويجعلها تدفن مصابها, وإن كان سيتعذر عليها دفن آلامها بعد فراق فلذة كبدها.
كلما اعتقد المغرب أنه أعاد السكينة للمناطق الجنوبية, إلا وطفا ما يعكر صفو هدوء يزعج أكثر من طرف وفي مقدمتهم الجزائر. فرغم كل المطبات التي يمر منها المغرب سواء ما تعلق بمشاكله الاقتصادية أو السياسية ,إلا أن الاستقرار الذي جعله استثناء في منطقة مضطربة أعقبت ربيعا عربيا مالت ألوانه إلى الاحمرار يجعل حكام المرادية يسابقون الزمن لافتعال انتفاضات تجد مع الأسف في بعض المشاكل الاجتماعية وقودا لها.لذلك لا غرابة في أن ينزلق مجرد خلاف بسيط حول قطعة أرضية بين قبيلتين هما أيت أوسى وأيت ابراهيم لانفلات أمني تسارعت حلقاته من إقامة مخيم إلى عنف في الشارع أعاد مشاهد الملثمين والأسلحة البيضاء ومقاطع الفيديو إلى الواجهة.
ما يحدث في أسا قد يكون مقدمة لما يطبخ على نار هادئة لكنها متقدة لإشعال الأوضاع في الصحراء بالموازاة مع الزيارة المرتقبة للوسيط الدولي كريستوفر روس إلى المنطقة.وسيكون من الاعتباطي التسليم بأن الجزائر لن ترد على نكساتها الدبلوماسية الأخيرة سواء من خلال الاختراق المغربي لمنطقة الساحل والصحراء, والذي تمثل بزيارة الملك محمد السادس إلى مالي وغياب الرئيس بوتفليقة. فحضور الملك في مالي لم يكن انتصارا على بوتفليقة ولكنه شكل هزيمة للانفصال. لذلك ففتح كتاب العلاقة بين المغرب وإفريقيا والذي ينذر بإغلاق صفحات البوليساريو في القارة السمراء يجب أن يبقي عيون المغرب متيقظة في الصحراء, المنطقة التي تسيل لعاب قادة الجزائر وتجعلهم يركبون كل المغامرات.
وإذا كان الرئيس بوتفليقة دشن معركة كسر العظم ضد كبار جنرالات الجيش, فلأنه يستعد لخوض نزاله الأخير. وحتى يكون في مستوى اللحظة فقد عمل على استعادة السيطرة على جهاز المخابرات الذي كان يقوده الجنرال القوي توفيق مدين الملقب بتوفيق والذي ظل يشتغل في ذلك الجهاز منذ 23 عاما. لكن قبل ذلك حطم بوتفليقة حلقات السلسة القوية داخل جهاز المخابرات, وبالإضافة إلى طرد الجنرالات المقربين من الجنرال توفيق, ألغى بوتفليقة مديريات هامة داخل ذلك الجهاز وهي مديريات الصحافة والإعلام التي كانت تعنى بمتابعة الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع وقياس الرأي العام وأمن الجيش الذي تم إلحاقه بهيئة قيادة أركان الجيش والشرطة القضائية التي نبشت في ملفات شركة المحروقات سوناطراك ووصلت إلى فساد شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة. وليكتمل نفوذ الرئيس المريض, فقد عين باتفاق مع الكايد صالح قائد الأركان ضباطا مقربين منه على رأس النواحي العسكرية الست في الجزائر, وبينها ناحية تيندوف حيث باتت قيادة البوليساريو تحت العناية المباشرة لبوتفليقة بعدما تسلمتها المخابرات في أعقاب سفره المرضي إلى فرنسا.
هذا الانقلاب غير المسبوق الذي قاده بوتفليقة ضد كبار جنرالات الجيش لم يكن لأجل تنفيذ خطط بديلة أو برامج طموحة لفائدة الشعب الجزائري, ولكنه إزاحة من الطريق لجناح المخابرات العسكرية المعروف بأنه الحاكم الفعلي في الجزائر, والذي تثير نكساته خصوصا المرتبطة بالنجاح المغربي في إفريقيا غضب بوتفليقة. لذلك يريد الرئيس الجزائري تسلم زمام الأمور كليا لخوض نزاله الأخير مع المغرب وفي سبيل ذلك يمكن إقالة الجنرالات وإلغاء المديريات وتفصيل المواقع على المقاس وإعداد خارطة الطريق للسعيد بوتفليقة ليكمل مشوار شقيقه في معاكسة المغرب