بعد مرور24 ساعة من توقيف الصحفي علي أنوزلا، من طرف الشرطة الوطنية القضائية، بدأت تتضح مجموعة من الأمور حول حقيقة البروبغندا الإعلامية والإنزال الأمني الكبير، الذي رافق عملية توقيف صحفي يتوفر على كامل الضمانات للخضوع للتحقيق وفق المساطر القانونية العادية. لقد ضربت النيابة العامة حق المحاكمة العادلة للصحفي، وذلك في بيان لها وزعته الوكالة الرسمية للدولة، حيث تضمن البيان تهم كبيرة للصحفي، حتى قبل خضوعه لعملية التحقيق من طرف الشرطة، مما يشكل ضغطا مباشرا وواضحا على إجراءات التحقيق العادية، ويدفع بالتشكيك في نوايا المقيمين على مسرحية متابعة هذا الصحفي، ويزيد من تأكيد فرضية وقوف جهات معينة لتصفية حساباتها مع الصحفي، المعروف بمواقفه الحرة والجريئة في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وفضح الفساد.
النقابة الوطنية للصحافة المغربية، التي يرأسها عضو في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وينوب عنه عضو في المكتب السياسي لحزب حميد شباط، بدل ان تساهم في توسيع هامش الحريات وتنتصر لحرية الرأي والتعبير، أصدرت بلاغا عجيبا تتبرأ فيه من الدفاع عن الصحافي، مقدمة رأس علي انوزلا كقربان من أجل مصالح ضيقة، أصبح كل الجسم الصحفي يعلم بها، خاصة أن هذه النقابة الفاقدة للمصداقية، معروفة من سنوات بخدمتها لأجندات حزبية ضيقة، وبعيدة كل البعد عن هم الدفاع عن حقوق الصحافيين وحرية الرأي والتعبير.
على نفس منوال النيابة العامة ونقابة الصحافة، خرجت ثلاثة أحزاب سياسية دفعة واحدة، وهي حزب الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، لتلصق تهمة "التحريض على الإرهاب"، للصحافي علي انوزلا، في ضرب صارخ وفج للاستقلالية القضاء.
اتهامات الأحزاب السياسية الثلاثة، تعبر أولا عن جهل كبير لقادة هاته الأحزاب بالدستور والقانون المغربي، فهناك شيء اسمه قرينة البراءة عند متابعة أي متهم. بالإضافة ان هناك شيء اسمه احترام سير المساطر القانونية وعدم التأثير على التحقيق. على اعتبار ان حزبين من الثلاثة، وهما الاستقلال والحركة الشعبية، حليفين في التشكيلة الحكومية الحالية، مما يعتبر تدخلا سافرا للجهاز التنفيذي في القضاء.
الانحطاط الذي وصلت إليه الحياة السياسية الحزبية الرسمية، معبر بشكل واضح على نوعية النخب المرضية، التي أصبحت تتصدر المشهد البرلماني، فعندما يصبحون الجهلة والأميون يتزعمون أحزابا بفرق برلمانية بعشرات الأعضاء، فهذا مؤشر على استفحال الاستبداد السياسي وهيمنته المطلقة على أهم مؤسسة في البلد، وهي المؤسسة التشريعية، مما يفقد المصداقية لكل المشاريع الحكومية لإصلاح القضاء والإعلام وغيرها.
الغريب انه جرد بسيط لقيادات الأحزاب الثلاثة، سنقف على أسماء قيادية في هذه الأحزاب متابعة في ملفات فساد كبيرة، فمنهم من هو ماثل أمام القضاء كالقيادي في الاتحاد الدستوري، عمر الجازولي والاستقلالي عبد اللطيف ابدوح بمراكش. وهناك قياديون حزبيون، لم يفتح بعد القضاء ملفاتهم التي تفوح منها رائحة الفساد وتبذير المال العام، وهنا يمكن أن نذكر النيابة العامة باسم الأمين العام لحزب الاستقلال "حميد شباط"، بخصوص تقارير المجلس الأعلى للحسابات ووقوف المجلس على سوء تدبيره، كما وجبت الإشارة إلى الكاتب العام لوزارة الصحة السابق والقيادي الاستقلالي رحال المكاوري، والمتورط في ملف فضيحة اللقاحات ". يضاف الى هؤلاء، القيادي الاستقلالي فوزي بنعلال المتورط في قضية فيلات هرهورة ، والوزيرة الاستقلالية السابقة "ياسمينة بادو" المتهمة في قضية اللقاحات، ورئيس الأحرار صلاح الدين مزوار المتهم بتبادل علاوات أثناء تقلده منصب وزير المالية، وهذه لعلمكم فقط عينة من أسماء قادة الأحزاب المتورطين في الفساد واللائحة لازلت طويلة.
في الحقيقة السيد رئيس النيابة العامة، هؤلاء الساسة المفسدون هم من يمارسون الإرهاب الحقيقي بشكل يومي على المغاربة، ووجب على سيادتكم ان تعجل بفتح تحقيق في كل التهم الموجهة لهم، بدل ان تتابع صحفي وطني ونزيه في حالة اعتقال.
علي أنوزلا يا وزير العدل، ساهم كصحفي في تعرية الكثير من الفساد المستشري في البلد، وهؤلاء المحرضون عليه اليوم، في الحقيقة يريدون التغطية على فضائحهم وفسادهم، بالتقرب من الدولة العميقة، راكبين على سمفوينة مشروخة اسمها "امن واستقرار المملكة".
لكن ألاعيبهم لم تعد مجدية فالمغاربة جميعا يعلمون أن أكبر خطر على أمن المملكة واستقرارها ليس هو إخبارهم عن وجود شريط فيديو لتنظيم إرهابي، بل هم عتاة الفساد من النخب الحزبية المتملقة، والتي حولت حياة المغاربة الى جحيم، بسبب سوء تدبيرها للمجالس المحلية ونهبها المتسمر للمال والعام.