ليس جديدا بالمرة حكاية العصفور والمني الذي يشفي من السرطان وحكايات أخرى يرويها المناضل والقيادي الاتحادي محمد الحبابي، فمنذ مدة والرجل مستعد لتقديم كثير من القصص على هذه الشاكلة لمن يريد أن يستمع إليه. لكن ليس كل ما يقوله الحبابي وقد بلغ من العمر عتيا قابلا للنشر، ومن الأخلاق ألا نستغل نحن الصحفيين شيخوخته ونحوله إلى موضوع للهزء وللتسلي. أعرف زملاء التقوا بالحبابي، وأخذوا منه ما يعتبر شهادة للتاريخ من رجل يحترمه الجميع ويتوفر على مصداقية لا يمكن لأحد الطعن فيها، رغم أن كل ما يقوله ليس كلاما مقدسا، وقد يظلم هذا الطرف أو ذاك، وأثناء مجالستهم له سمعوا منه ما لا يخطر على بال من الحكايات، إلا أنهم وحرصا عليه وعلى التقدير الذي يكنه له كثير من الاتحاديين ومن المغاربة، وحرصا على ما قدمه لحزبه وللمغرب غضوا الطرف عن كثير من الأشياء والقصص المرتبطة بتقدمه في السن، لئلا يسيئوا إليه ولتاريخه وليكون تكريمه والاعتراف به وبشهادته ذا معنى ويستحق أن يحكى.
في الحوارات التي أجريت مع محمد الحبابي في السنوات الأخيرة لم يتردد في فضح كل ما يعرفه وما خبره عن شخصيات سياسية اتحادية، باستثناء أسماء قليلة مازال يكن لها التقدير، لكن لا أحد من الاتحاديين ومن الأشخاص الذين قدمهم في صورة لم يكن يتوقعها أحد طعن في كلامه، ربما احتراما له ولكبر سنه، أو لأنهم لا يعنيهم بالمرة ما يقوله رجل بحجم الأستاذ محمد الحبابي، انسحب من الحزب، ويلجأ إليه الصحفيون عند اقتراب موعد المؤتمر، أو رغبة في تشويه سمعة خصم سياسي، نظرا لصدقية المجيب وجرأته ونقائه وعدم تورطه في أي حسابات.
الآن، وبعد أن حكى الحبابي تقريبا كل ما يعرفه عن مرحلة من تاريخ حزبه ومن تاريخ المغرب، وبقيت له أشياء يحتفظ بها لنفسه، من الأجدر أن نترك الرجل يرتاح ونحترم سنه وعائلته وحياته الخاصة، لإنه لن يفيدنا في شيء أن نسمع عن العصفور وعن المني الذي اكتشف الحبابي أنه يشفي من السرطان، وقد يضحكنا ذلك كثيرا، إلا أنه يسيء في النهاية إلى رجل بقامة محمد الحبابي، لذلك رجاء احترموا شيخوخته، وإذا أردنا أن نسخر، فالأولى أن نسخر من كل هؤلاء الجهلة والأميين الذين يتزعمون بعض الأحزاب اليوم ويمارسون السلطة، وليس من مثقف وأستاذ ومناضل من واجبنا أن نحميه ونوقره كي يعيش ما تبقى له من عمر في طمأنينة، وكي لا يمحي كلام قاله في أرذل العمر كل تاريخه وكل ما قدمه لهذا البلد.