في السابق كانت اجتماعات المجلس الإداري للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة لا تثير اهتمام أحد. لكن منذ أزمة دفاتر التحملات، صارت هذه الاجتماعات محط اهتمام وترقب من طرف الجميع. فلماذا عاد اليوم لهذه الاجتماعات بريقها المفقود؟ بعدما أصبحت دفاتر التحملات واقعا لا يمكن نكرانه عقب نشرها بالجريدة الرسمية، اهتدى العرايشي رئيس القطب العمومي، يقول مصدر مطلع ل"كود"، إلى فكرة أساسية لاستعادة سلطته في تنفيذ مقتضيات هذه الدفاتر وفق رؤيته وليس رؤية الحكومة، وذلك من خلال "انتزاع" قرارات بذلك من المجلس الإداري للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والذي هو في الواقع ليس إلا ممثل الحكومة.
حيث يضم هذا المجلس إلى جانب العرايشي بصفته رئيسا مديرا عاما، ثمانية ممثلين عن ثماني قطاعات وزارية منها الاتصال والاوقاف والداخلية والمالية والتربية الوطنية... وممثلين نقابيين عن المستخدمين، ليكتمل العدد في 11 عضوا. وبالتالي فكل القرارات التي اتخذت خلال الأسابيع الماضية في إطار تنزيل دفاتر التحملات، من تشكيل للجن الانتقاء والاخلاقيات وإطلاق طلبات العروض ومقترحات العقد البرنامج... كلها تحمل مصادقة المجلس الّإداري، أي بطريقة غير مباشرة مصادقة الحكومة، رغم انها شكلت انقلابا على دفاتر التحملات. مما وضع الخلفي بين المطرقة والسندان، فإن احتج على هذه القرارات سيتهم بانه يتدخل مرة اخرى في استقلالية الإعلام العمومي من خلال ممارسة الحجر على سيادية المجلس الإداري، وإن بقي مكتوف الأيدي سيظهر على أنه استسلم أمام التلفزيون، وبالتالي فقد كل نقطه السياسية. وهو ما يفسر حالة التخبط التي يعيشها اليوم.
هكذا يكون العرايشي قد اقتحم الحكومة من الداخل عن طريق المجلس الإداري الذي يمثلها، على طريقة حصان طروادة، مستغلا في ذلك عاملين اساسين يضيف نفس المصدر: أولا، ضعف الانسجام الحكومي على الأقل على مستوى تدبير ملف التلفزيون، على اعتبار ان المجلس الإداري يضم ممثلين عن حقائب وزارية تحملها الأحزاب الأربعة المكونة للحكومة، وبالتالي قد يتنزع من حقيبة نزار البركة ما يعجز عن انتزاعه من حقيبة الخلفي. ثانيا: ضعف خبرة أعضاء المجلس الإداري في المجال التلفزيوني بتعقيداته المالية والتقنية، وهو ما يجعل العرايشي مستأسدا في هذه النقطة بالذات، وبالتالي تحويل المجلس الإداري مرة أخرى إلى مجرة أداة لا تصلح سوى للتصفيق والتصويت بالّإجماع، عن أشياء لا تقبل الإجماع.