تشير التقارير الأخيرة إلى إصابة أو وفاة المدعو "الخليفة" أبو بكر البغدادي، وهذا يدل على أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاءها يحرزون تقدما عسكريا ضد جماعة الدولة الإسلامية، ويستوجب ذلك تعزيز وتكثيف الجهود في هذه المعركة. من ناحية أخرى، فإن الأخبار الواردة من مصر المتعلقة بإعلان الولاء من جماعة الإرهابية المحلية القوية للدولة الإسلامية، والتي أصبحت الآن أول فرع دولي تابعة لها، والدليل قطع الرأس رهينة غربي خامس، بيتر كاسيج، في الأسبوع الماضي، يشير إلى أن الهزيمة السياسية لجماعة الدولة الإسلامية هي معركة مختلفة تماما. في الواقع، إنها طورت وسيلة معقدة وقابلة للتطبيق في منطقة النفوذ الواقعة تحت سيطرتها، والدفاع عن الحدود، وتقوية الإدارة المالية وتعزيز الفكر السياسي في السوق العالمية للأفكار. وبالتالي، حتى قتل قادتها البارزين ربما لا يمكن أن يأثر على الهيكل القوي الذي تمكنوا من خلقه، ناهيك عن تقويض جاذبية الحركة بين السكان المسلمين الذين على ما يبدو تنتشر عبر العالم. ولعل السبب هو أن الولاياتالمتحدة وحلفائها الدوليين يواجهون صعوبات في وضع استراتيجية لهزيمة الجماعة الإرهابية سياسيا هو الخلط في طبيعة العدو، فجماعة الدولة الإسلامية ليست بالضبط "منظمة إرهابية" تنتقدها أمريكا وحلفاءها ولا هي "دولة" كما تروج لذلك الجماعة الإرهابية. هناك إطار ثالث من خلاله يمكننا إدراك جماعة الدولة الإسلامية، إذ يجب اعتبار هذه الجماعة المتطرفة ك «مافيا». فكما كانت المافيا الصقلية في أوجها خلال القرن 20، فتركيب الجماعة اليوم يسير على هذا المنهج، إنها "دولة داخل الدولة". تستخدم الترهيب للحصول والاحتفاظ بالسلطة الاقتصادية، وفي الوقت نفسه، "حماية" جميع أولئك الذين تتوافق مع أفكارهم وتوجهاتهم. هناك أيضا أوجه الشبه العقائدية، وعلى سبيل المثال، "الخليفة" في جماعة الدولة الإسلامية يدعي أنه الوحيد الحامل لشعلة الإسلام وهي نفس الطريقة التي ينهجها "العراب" في المافيا، كمدافع عن المجتمع الصقلي والأعراف. كلاهما يشجع على احتقار بنية الدولة، وعدم إعطاء اعتبار لنظامها القانوني، كما يشكل تجسيدا مواز للعدالة والتقوى. وبالتالي، من المفيد دراسة كيف أن الإيطاليين، الذين كانوا ضد نظام المافيا، تمكنوا من التقليل من هذه المنظمة الإجرامية مع مرور الوقت، مع الاستفادة من الدروس المستخلصة من التجربة الإيطالية. دروس يمكن أن تكون مفيدة في المعركة الحالية ضد جماعة الدولة الإسلامية الإرهابية. هزيمة المافيا الصقلية بدأت منذ 1990، في وقت نشرت فيه الشرطة الإيطالية في جميع ربوع البلاد لمكافحة الجريمة المنظمة. وفي حين بقيت المافيا في نابولي مقاومة للشرطة خلال القرن 21، عرفت صقلية تحولات كبيرة، أولها انخفاض العنف والفساد. والفرق بين المنطقتين (نابولي وصقلية) يكمن في وجود تأثير متواصل على الثقافة في صقلية عن طريق استبدال ثقافة الجريمة بمفهوم "الثقافة الشرعية (cultura della legalità بالإيطالية). العناصر الأساسية التي ارتكزت عليها هذه الحملة اعتمد على ثلاثة مجالات: القيادة الأخلاقية والإعلام والتعليم. فخلال زيارة التاريخية للقديس جون بول الثاني لصقلية عام 1994 دعا مواطني الجزيرة إلى مواجهة المافيا. وبتشجيع من البابا، رفض الكهنة الصقليون التواصل مع المافيا، وعملوا بانتظام ضد المنظمة الإجرامية. وقد لعبت الصحافة ووسائل الإعلام الترفيه دورا مهم في هذه الحرب، إضافة إلى برامج التلفزيون والراديو الجريئة التي كشفت عن الطبيعة المدمرة للمافيا، والتعامل معها من طرف المواطنين وصمة عار. وفي الوقت نفسه نسقت جهودها لتعزيز رؤية بديلة للثقافة صقلية. وخلال هذه الحملة، تمت مراجعة البرامج المدرسية، وساعد المعلمون الطلاب على اكتشاف النماذج التاريخية لصقلية في مجال العدالة وسيادة القانون لتعويض مكان عراب المافيا في المنطقة. الشباب لعبوا أيضا دورا رائدا في تجديد الأحياء القديمة للعاصمة باليرمو، في وقت كانوا يبتعدون تدريجيا من حكم المافيا، وتم تشجيعهم من طرف السلطات المحلية على إحداث المشاريع الطلابية الصحافية للوقوف ضد أي فعل من أفعال الفساد في الحكومة المحلية. تجربة صقلية وصل صداها اليوم إلى المجتمعات العربية. في السنوات الأخيرة، نظم المركز الوطني للمعلومات الاستراتيجية، ومقره في واشنطن، اجتماعات مع الصحافيين والكتاب العرب. هؤلاء الذين درسوا إنجازات نظرائهم في صقلية، ومن ثم تطبيق الدروس من خلال خلق المحتوى الخاص بهم لاستهداف الجماعات الإسلامية المتطرفة. وفي الإمارات العربية المتحدة، أنشأ "مكتب الثقافة الشرعية" (مستوحى من نموذج الصقلي) من أجل إعادة هيكلة الشرطة، وتغيير المناهج الدراسية وتنظيم المنتديات العامة لتشجيع الانضمام إلى نظام يتجاوز القانونية، أي نظام يعطي الولاء الإيديولوجي الشخصي والقبلي أو الطائفي. يجب بالتأكيد عدم التقليل من صعوبة تنفيذ "استراتيجية ثقافية" في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية المسلحة. وهناك أيضا فرصا جديدة لدخول منطقة نفود الإرهابيين من خلال شبكة الأنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية. الأدوات التكنولوجية التي لم تكن متاحة لأولئك الذين حاولوا إزالة قبضة المافيا على بعض أجزاء من صقلية، يمكن استغلالها اليوم ضد جماعة الدولة إسلامية. ودعونا نتذكر كل الصقليين الذين خاطروا وضحوا بأرواحهم من أجل التنديد بالمافيا، كالجنرال كارلو ألبرتو دالا كييزا، والنائب العام جيوفاني فالكوني، والكاهن جوزيبي بينو بوليزي، وغيرهم. المعركة ضد الدولة الإسلامية يمكن أن تدوم السنوات ستتغير خلالها معالم الحرب. فأجزاء من الأراضي التي تتحكم فيها تهرب من سيطرتها، وهي فرص جديدة لنشر أفكار التطرف. ويمكن للولايات المتحدة وحلفائها تسريع نجاحهم من خلال فتح جبهة ثقافية في هذه المعركة.