من أجل تفكيك وتدمير تنظيم الدولة الإسلامية، على الولاياتالمتحدة وحلفائها دراسة نموذج المافيا الصقلية. بقلم: أحمد الشرعي تدل آخر المعلومات التي تتحدث عن جرح بل ومقتل «الخليفة» المزعوم أبو بكر البغدادي على أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها يحققون تقدما في مواجهتهم العسكرية ضد جماعة الدولة الإسلامية، حتى لو كان الأمر يتطلب مضاعفة وتشديد الجهود في هذه المواجهة. من جهة أخرى تؤكد الأخبار القادمة من مصر والتي تفيد إعلان مجموعة جهادية محلية ذات قوة ولاءها للدولة الإسلامية بحيث ستصبح المجموعة أول فرع كبير دولي لتنظيم الدولة، وكذا إعلان إعدام الرهينة الغربي الخامس بيتر كاسيغ، كل ذلك يؤكد أن الهزيمة السياسية لتنظيم الدولة هي معركة مختلفة تماما. في الواقع لقد وضع التنظيم آلية معقدة ومتنوعة لحكم الأراضي التي تقع تحت سيطرته، والدفاع عن حدوده الترابية وتمويل إدارته وتعزيز إديولوجيته السياسية في سوق الأفكار العالمي. ولذلك فإن مقتل قادة التنظيم الأكثر بروزا لا يمكن على الأرجح أن يغير البنية القوية التي نجح التنظيم في خلقها كما لا يمكن أن يحد من جاذبية التنظيم لدى بعض المسلمين والتي يبدو أنها لا تتوقف عن التوسع عبر العالم. ويبدو أن الصعوبات التي تواجهها أمريكا وحلفاؤها في تطوير استراتيجية للتغلب على التنظيم سياسيا سببها الخلط الحاصل بخصوص طبيعة العدو: فجماعة الدولة الإسلامية ليست بالضبط تلك « المنظمة الإرهابية » التي تلاحقها وتشوه صورتها أمريكا وحلفاؤها كما أنها ليست «الدولة» التي يدعي التنظيم أنه يشكلها. هناك إطار ثالث يمكن أن ننظر من خلاله إلى تنظيم الدولة الإسلامية، والذي يمكن أن يكون مناسبا أكثر لتحديد طريقة تضع حدا لهذا المجموعة المتطرفة: إنه إطار المافيا. ففي الواقع وكما هو الشأن بالنسبة للمافيا الصقلية عندما كانت في أوجها في القرن العشرين يعمل تنظيم الدولة الإسلامية مثل « دولة داخل دولة». إنه يستعمل إجراءات تهديدية وترهيبية من أجل الحصول والحفاظ على سلطة اقتصادية مع الحرص في الوقت نفسه، على توفير نوع من «الحماية» لجميع أولئك الذين يتوافقون مع متطلباته. هناك أيضا أوجه شبه إديولوجية: على سبيل المثال، «خليفة» جماعة الدولة الإسلامية يدعي أنه الشخص الوحيد والأصلي الذي يحمل شعلة الإسلام وذلك بنفس الطريقة التي يقوم بها «زعيم» المافيا بالتموقع كمدافع عن المجتمع الصقلي وأعرافه. الإثنان يشجعان على تبني أراء تحتقر الدولة ولا تقيم وزنا لنظامها القانوني، ويقدمان نفسيهما كتجسيد مواز العدالة والتقوى. وبالتالي، فإنه من المفيد دراسة الطريقة التي نجح من خلالها الإيطاليون الذين كانوا في مواجهة مع المافيا من أجل تفكيك التنظيم الإجرامي بشكل ملحوظ مع مرور الوقت، مع الاستفادة من الدروس المستخلصة من التجربة الايطالية. وهي الدروس التي يمكن أن تكون مفيدة في المعركة الحالية ضد جماعة الدولة الإسلامية. لقد بدأ التيار يتحول ضد المافيا الصقلية بداية من سنوات التسعينات. وتم نشر الشرطة الوطنية من قبل الحكومة الإيطالية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر البلاد. لكن وبينما ظلت نابولي حقلا للمواجهة في القرن الحادي والعشرين، عرفت صقلية تحولا ملموسا، مع انخفاض كبير في العنف والفساد إن الفرق بين المنطقتين هو وجود مجهود منظم وعال للتأثير على الثقافة في صقلية عن طريق استبدال ثقافة الجريمة بمفهوم «ثقافة الشرعية والقانون». وكانت عناصر الحملة تضم نشاط جريئا ضمن المجالات الثلاثة ذات التأثير ومن بينها: القيادة الأخلاقية والإعلام والتعليم. خلال زيارة تاريخية لسانت جون بول الثاني لصقلية سنة 1994، دعا البابا، في ذلك الوقت، مواطني الجزيرة إلى الانتفاض في وجه المافيا. وبتشجيع من البابا، رفض الكهنة الصقليون التواصل مع المافيا، وكانت خطبهم الوعظية موجهة بانتظام ضد المنظمة الإجرامية. وقد لعبت الصحافة ووسائل الإعلام الترفيهية دورها، وذلك مع كتاب ومنشطين تلفزيين وإذاعيين تميزوا بجرأتهم المتزايدة في الكشف عن الطبيعة المدمرة للمافيا، عن طريق وصمها وهجائها. وفي الوقت نفسه، نسقوا جهودهم لتعزيز رؤية بديلة للثقافة الصقلية، عن طريق تحفيز طرق المقاومة من قبل الجمهور في جميع قطاعات المجتمع. لقد تمت مراجعة البرامج المدرسية أيضا. وساعد الأساتذة التلاميذ على اكتشاف نماذج تاريخية صقلية في مجال العدالة وسيادة القانون وذلك لتحل محل زعماء المافيا الشهيرين في المنطقة. كما لعب الشباب دورا رائدا في تجديد الأحياء القديمة في العاصمة، باليرمو، وجعلها تتعافى تدريجيا من حكم وسيطرة المافيا. بل تم أيضا تشجيعهم على تحدي السلطات المحلية من خلال مشاريع طلبة الصحافة للوقوف ضد أي وجه من أوجه الفساد في الحكومات المحلية. إن صدى التجربة الصقلية يتردد اليوم في المجتمعات العربية. في السنوات الأخيرة، نظم المركز الوطني للمعلومات الاستراتيجية، ومقره في واشنطن، اجتماعات الصحفيين والكتاب العرب. هؤلاء درسوا إنجازات نظرائهم في صقلية، ومن ثم قاموا بتطبيق الدروس المستفادة من خلال خلق مواد خاصة بهم لاستهداف الجماعات الإسلامية المتطرفة. ففي الإمارات العربية المتحدة، تم خلق «مكتب الثقافة القانونية»، وذلك بهدف إعادة هيكلة الشرطة، وتعديل المناهج الدراسية وتنظيم المنتديات العمومية لتشجيع الانخراط في نظام قانوني يتجاوز أي ولاء إديولوجي شخصي أو قبلي أو طائفي. وبالطبع لا يجب عدم التقليل من صعوبة تنفيذ «استراتيجية ثقافية» في مناطق تسيطر عليها جماعات مسلحة تستخدم الإرهاب لتزدهر وتتطور. إن هناك عراقيل حقيقية تعترض الرسالة الثقافية التي يمكن إدخالها من خارج أراضي الجماعة. ولكن هناك أيضا فرص جديدة للتمكن من اقتحام منطقة مغلقة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والانترنت. إنها أدوات تكنولوجية لم تكن متاحة لأولئك الذين حاولوا تقويض سطوة المافيا على بعض أحياء صقلية في التسعينيات. إن تحدي ومواجهة قيادة تنظيم الدولة الإسلامية هو بطبيعة الحال، أمر لا يخلو من خطورة. ولذلك دعونا نتذكر كل الصقليين الذين خاطروا وضحوا بأرواحهم من أجل التنديد بالمافيا وأعمالها بدءا من الجنرالات (كارلو ألبرتو دالا كييزا) إلى وكلاء النيابة العامة (جيوفاني فالكوني) مرورا بالكهنة (جوسيبي «بينو» بوغليزي، الذي أعلن البابا فرانسيس مباركته في العام الماضي). يمكن أن تستغرق مكافحة جماعة الدولة الإسلامية سنوات، يمكن أن تتغير خلالها صفوف وخطوط المعركة. فهي ستفقد السيطرة على أجزاء من أراضيها، مما سيقدم فرصا جديدة لتدمير رسالة المتطرفين. فبالإضافة إلى استخدام الاستراتيجيات المعتادة في مواجهة الإرهاب، بما في ذلك تلك التي تنطوي على تغيير الأنظمة – المستخدمة حاليا – يمكن للولايات المتحدة وحلفائها تسريع نجاحهم من خلال فتح جبهة ثقافية في هذه المعركة. عن ترجمة: هدى الأندلسي