ما يعيشه سكان جبال الأطلس الصغير منذ سنوات من معاناة مع الخنزير البرّي يدلّ دلالة قاطعة على مدى ما بلغه استخفاف السلطة بالمواطنين واستهانتها بمشاكلهم، فرغم الشكايات المتتالية وتدخّل الأفراد والجمعيات والجماعات والأعيان لوضع حدّ لهذا المشكل الذي دام أكثر مما ينبغي، لم تتخذ الجهات المعنية أية تدابير لوقاية المواطنين والحفاظ على مصالحهم، و لو كان الخنزير آفة من آفات الطبيعة التي لا يد للسلطة فيها لهان الأمر، و لكان ذلك عذرا يُلتمس للمسؤولين، أما وقد تمّ زرع الخنزير البرّي في هذه المناطق من طرف المسؤولين، وتمّ تعهّده بالرعاية حتى تكاثر كالجراد، وأصبح يقتحم على الناس بيوتهم وينهب خيراتهم ويتلف أغراسهم، دون أن يكون لديهم الحق في ملاحقته أو قتله أو اصطياده، إذ يمنع ذلك منعا كليا، مما جعل من هذا الخنزير كائنا مقدّسا لدى السلطة، وينضاف إلى معاناة السكان مع الجفاف وانعدام البنيات التحتية و فرص الشغل والإنتاج وغلبة مظاهر الفقر والحرمان. لقد سبق لفرنسا أيام الحماية أن قامت بزراعة الخنزير البرّي في المنطقة منذ 1917 في إطار مخططها للإستبلاء على المساحات الغابوية وأراضي القبائل وطرد السكان منها، ووضعت إدارة الحماية لذلك قوانين استعمارية استمر العمل بها حتى اليوم من طرف السلطات المغربية، و إذا كان ثمة من رسالة يمكن لسكان سوس أن يفهموها من هذا السلوك السلطوي فهي أنّ عليهم مغادرة أراضيهم وإخلاؤها والتخلي عن مواطنهم الأصلية ليرثها الخنزير البرّي ثمّ البشري بعده، أي مافيا العقار التي تسعى بشتى الطرق إلى الإستحواذ على أكبر قدر ممكن من أراضي السكان، إما باسم الملك الغابوي والخنزير البري أو غيره من التسميات و الأعذار. وقد بدأت الساكنة تتحرك ضد مخططات رئيس الحكومة والمندوب السامي للمياه والغابات، والرامية إلى شرعنة الاستيلاء على أراضي المواطنين باعتبارها أملاكا للدولة، وليس لهم إلا خوض المعارك النضالية في مواجهة خنزير السلطة. وقد سبق لبعض الظرفاء أن أفتوا في ظل الوضعية الصعبة التي تعيشها المناطق السوسية، بعد أن تكاثر ضحايا الخنزير وتزايدوا حتى خاف الناس الخروج من بيوتهم، أفتوا بضرورة البحث عن حلّ في ثقافة السوسيين وتقاليدهم وأعرافهم العريقة، والتي يميزها الإجتهاد والعمل الدؤوب، فيعمدوا إلى نصب أفخاخهم بكثافة ويلجأوا إلى فقهائهم الأجلاء لاستصدار فتوى فقهية بجواز أكل لحم الخنزير البرّي، فقد عرف "العمل السوسي" بالإجتهاد من منطلق جلب المنفعة ودفع المضرّة ، وبهذه الطريقة فقط يمكن أن يتحوّل الخنزير من نقمة إلى نعمة، فمن العائلات الفقيرة بالمنطقة من لا يشتري اللحم إلا مرة في الأسبوع، وبسبب بعد المسافة بين السوق الأسبوعي والقرية فإن اللحم كثيرا ما يفسد قبل تناوله، إنها طريقة في تحويل مخططات السلطة التي تستهدف السكان إلى مشاريع خير غير مقصودة ولا إرادية، فما دام المسؤولون لا يفكرون في الإنسان، فليس على الإنسان إلا التفكير في نفسه والتخطيط لمصيره خارج مخططات السلطة.