كتاب جديد يتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعا في أميركا ويثير هلع المنظمات الصحية، إذ إنه يكسر كل المسلمات الطبية ويدعو الناس للاستمتاع بوجبات اللحوم والدهون والزبدة والمايونيز الغنية بالشحوم والكولسترول. ويورد دلائل تنقض أقوى نظريات التغذية في العلم الحديث، بل ويؤسس لفرضية جديدة تقول إن إصرار الطب على إبعاد الناس عن الوجبات الغنية بالدهون هو ما أدى إلى تكريس صدارة "أمراض القلب والأوعية" كأكبر مسبب للموت خلال العقود الأخيرة.
وتعود نينا تيكولز، في كتابها "دو بيا فات سوربرايز"، إلى خمسينات القرن السابق حينما تفشت فجأة أمراض القلب من العدم، وأصبحت المسبب الأول للموت في أميركا، حتى الرئيس إيزنهاور مات حينها بنوبة قلبية، لتبحث عن ثغرات في كبرى الدراسات التي استندت إليها التوصيات التي صدرت لأول مرة عام 1961 ودعت للابتعاد عن اللحوم والشحوم المشبعة كحل لأمراض القلب، واستمرت حتى يومنا هذا كأنها حقيقة مطلقة رغم أنها لم تمنع الموت، بل تكرّست معها أمراض القلب كأكبر مسبب للموت في العالم.
وتخلص بعد عرضها لما تراه ثغرات في هذه الدراسات إلى التالي: "لا توجد دلائل علمية تدعم الحميات التي يدعون العالم لتبنيها، تلك الغنية بالخضار والفواكه والخبز وزيت الزيتون والسمك، بل إن واحدة من أكبر الدراسات التي حدثت في تاريخ أميركا والعالم، دراسة فرامنغهام للقلب، وجدت أن نصف الأشخاص الذين يموتون بأمراض القلب لا يكون الكولسترول مرتفعا في دمهم، بل على النقيض وجد الباحثون أن كل انخفاض بمقدار 1% بالكولسترول هناك 11% زيادة في خطر الموت".
الابتعاد عن الدهون هو القاتل
وتبرهن الكاتبة على أن التوصيات الطبية بالابتعاد عن الدهون واللحوم أدت إلى كارثة غذائية خلال العقود الماضية، فتقول في كتابها إن استهلاك الدهون المشبعة انخفض خلال الثلاثين عاما الماضية بنسبة 11 في المائة، لكن الكارثة هي أن ذلك قد ترافق مع زيادة بنسبة 25 في المائة في استهلاك السكاكر، والتي تتحمل، بحسب الكاتبة،المسؤولية الأكبر في الموت بأمراض القلب والشرايين.
وتكمن المشكلة في التالي بحسب الكتاب فيما يلي: صرت تتجنب تناول الشحوم وتستعيض عن شريحة من اللحم بصحن من ال"باستا" أو غيرها من المأكولات الغنية بالسكاكر -الكربوهيدرات-، وامتثلت شركات الأغذية للتوصيات الطبية بكثير من الامتنان، فاستبدلت الدهون المشبعة في منتجاتها الغذائية بالسكريات الأرخص ثمنا، واكتسحت السوق بهذه المنتجات وصارت جزءاً من الثقافة الغذائية للعصر.
وتستند الكاتبة إلى معادلات حقيقية في الكيمياء الحيوية، تظهر كيفية تجول السكريات في النهاية إلى دهون يخزنها الجسد، وتحمل ثقافة "السكاكر" مسؤولية البدانة وشيوع أمراض القلب وارتفاع الضغط الشرياني والسكري، في حين أن الأمر ليس كذلك بالنسبة للدهون، من المثبت أن الدهون تؤدي لارتفاع الكولسترول في الدم، لكن -بالنسبة للكاتبة- لا يوجد إثبات أن ارتفاع الكولسترول يؤدي للموت بأمراض القلب.
جدل وتحذيرات وارتباك
ويثير الكتاب الذي يحقق أرقاما قياسية في المبيعات ضجة كبيرة في الأوساط الغربية، واستهجانا كبيرا من خبراء التغذية حول العالم، والذين ينبهون أن التأثر بما يرد فيه يمكن أن يؤدي لكارثة صحية.
وقد تصفحت "العربية.نت" مجموعة كبيرة من المقالات وردود الأفعال حول الأمر في وسائل الإعلام الغربية، كمجلة "ذا إيكونيمست" و"ديلي ميل" و"ذا إنديبندنت" و"سنداي تايم" وغيرها.
وتتمسك آراء منتقدي الكتاب بالتوصيات التي تحذر من الدهون المشبعة، وتعتقد أن حقيقة ارتباط استهلاك هذه الدهون بالأمراض القلبية لا يمكن إنكارها، إلا أن بعض هذه الآراء تعترف بصحة بعض ما ورد في الكتاب، أدت هذه التوصيات إلى انزياح نحو استهلاك السكريات، وهو ما أدى فعلاً إلى نتائج كارثية، خصوصاً في مسألة البدانة.