باعتباري الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أعلن أمامكم اليوم ما سبق أن أعلنته أمس، وهو أنني لن أسمح لأي كان أو أي جهة ما بتدمير الحزب. لقد انتخبت قائدا للحزب بطريقة ديمقراطية، إلا أنني وبدل أن أقدم خدمة للاتحاد الاشتراكي الذي تربيت فيه وخبرت فيه الممارسة السياسية والنضال، وجدت نفسي اليوم عائقا أمام استمراره موحدا وقويا ونموذجا.
وحرصا مني على هذه التجربة السياسية الرائدة، واحتراما للمناضلين، ولكل الذين ضحوا بأرواحهم وحريتهم ووقتهم، أرى من اللازم أن أسائل نفسي أولا، وأن أقوم بنقد ذاتي لهذه المرحلة ولكل خطوة أخطوها.
طبعا، أملك كل الوسائل، لأتخلص من كل المعارضين لي، وذلك وفقا للقانون للقانون التنظيمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأن يصبح الفريق النيابي تابعا لي هي مسألة وقت فقط، لينضبط بعدها كل من في الحزب لأجهزته، وليرحل كل هؤلاء البرلمانيون والمناضلون الذين يرفضون الرضوخ للأغلبية.
لكني، ومن خلال التجربة، ومن خلال الخبرة السياسية التي راكمتها، فإني أرى أن الوضع لم يعد يسمح بالتضحية بأي اتحادي، وأن الاتحاد محتاج لكل أبنائه، ولن أسمح بأن يذكرني التاريخ كوني الكاتب الأول الذي دق آخر مسمار في نعش الحزب.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة
أشكر جميع الاتحاديين الذين ساندوني، وأشكر الوافدين الجدد الذي انضموا إلي، وأشكر أكثر من دعمني لأصبح كاتبا أول، لكني أشعر بعبء المسؤولية، ولست مستعدا لمواصلة خوض هذه الحرب الداخلية، التي ستنهزم فيها كل الأطراف، إذا لم نوقفها، ولا أظن أن الحزب سيخرج منتصرا، مهما استعملنا من مناورات ومن حيل ومن سيطرة وضبط. وعندما قلت لكم بأننا لن نسمح لأي كان بأن يدمر الحزب، فإني أعني نفسي في المقام الأول، فرغم كل المجهودات التي قمت بها، ثبت لي أني أفرق أكثر مما أوحد، وأني لم أنجح، ومنذ أن توليت القيادة في جمع الاتحاديين على كلمة واحدة.
معظم نواب الحزب في البرلمان لا ينضبطون للقيادة، ويرفضونني زعيما، وكل نخبتنا ومثقفينا وأسمائنا الوازنة منزوون، وقد أخذوا مسافة منا، وكل يوم يخرج اتحادي في جريدة أو موقع إلكتروني للاحتجاج علينا، وقد أصبح كل جهدنا ونضالنا منصبا على تطهير البيت الداخلي، بينما منافسونا يستغلون ويستعدون للاستحقاقات القادمة، كما لو أننا نساعدهم ونقدم خدمة لهم.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة
غيرة مني على الحزب، قررت اليوم أن أكون صريحا معكم، لأنه لا قيمة لنا نحن كأفراد بدون اتحاد اشتراكي قوي ومنظم وفعال، وبعيدا عن الشعارات ولغة الخشب التي نرددها والتي لم تعد تجد نفعا، انظروا معي إلى وضعنا، وتأملوا مليا في الحال الذي أصبح عليه حزبنا، فمعظم فروعنا ومقراتنا في المدن الكبرى مغلقة، يسكنها الأشباح، بعد أن كانت هذه الفروع دليلا على قوتنا وعلى تجذرنا في المجتمع.
ليقم أي واحد منكم بجولة في الدار البيضاء أو الرباط أو مراكش، وليطرق باب أي فرع، وأنا متأكد أن لا أحد سيفتح له.
لقد بنى الاتحاديون حزبا قويا، وها نحن الورثة نتصارع بشكل أناني على مصالح صغيرة، ونفرط في كل الإرث، ولنكن صرحاء، لا فرق بيننا بالمرة، وكلنا نتشابه، من يتبعني ومن يعارضني، نحن وجهان لعملة واحدة.
كان خصومنا في الماضي يعتبرون الاتحاد الاشتراكي حزب مدن وطبقة متوسطة ومتعلمين، وقد كان هذا صحيحا، وكنا بالفعل أقوياء في المدن، وكان النظام يحاربنا ويعمل كل شيء من أجل الوقوف أمام اكتساحنا، وها نحن اليوم نتخلى عن المدن، ويصبح أملنا الوحيد في البوادي وفي الاستعانة بالأعيان وفي الفوز بمقاعد مناطق يصوت فيها المواطن على المرشح ابن العائلة والقبيلة الغني.
أيتها الأخوات ، أيها الإخوة
لست مستعدا لأن أضحي بالحزب من أجل مجد شخصي، فما قيمتي ككاتب أول في حزب مهلهل ومنقسم على نفسه، وما قيمة من يساندني إذا لم نعد نمتلك القدرة حتى على التحكم في تنظيمنا.
إننا نزداد ضعفا يوما بعد يوم، ومن مسؤوليتي أن أوقف هذا النزيف، فأنا لا شيء دون اتحاد اشتراكي قوي، ومهما تفوقت على خصومي داخل الحزب، فالنتيجة الحتمية هي هزيمتنا جميعا في نهاية المطاف.
على عاتقي اليوم تقع مسؤولية كبيرة، وفترتي ككاتب أول سوف تنتهي اليوم أو غدا، ولا أرغب في أن أقضي الفترة المتبقية لي في طرد الاتحاديين، وفي توقيف هذا عن عمله، وفي تشويه سمعة ذاك، وقد تابعت كيف تسيئون إلى بعضكم البعض، وكيف تنافسون الأعداء في النيل من بعضكم البعض وتتفوقون عليهم في غالب الأحيان.
أيتها الاتحاديات، أيها الاتحاديون
ليس عيبا أن يصبح الاتحاد الاشتراكي حزبا عاديا، فهذه ضريبة التحولات والأخطاء، لكن العيب، كل العيب، ألا يبقى الحزب محترما، وأن نوظف كل الذكاء والدهاء الاتحاديين في قتل آخر فرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفي الإساءة إلى أنفسنا، وإذا لم نقم نحن بهذه الخطوة، فهناك من سيقوم بها، لأن الخريطة السياسية لا تقبل الفراغ، وإذا لم نملأ نحن تلك الرقعة التي يحتاجها المغرب لحزب ديمقراطي اجتماعي حداثي، فهناك من سيعمل على ملئها، وهناك من سيتنظم ويعوضنا، لأننا بممارساتنا هذه نعيق تجربتنا ونقول للجميع أننا انتهينا، وأن على حزب آخر تسلم المشعل.
أيها الاتحاديات، أيها الاتحاديون
لن أسمح لنفسي بتدمير الاتحاد الاشتراكي ، ولن أقبل بعد اليوم أن نكون موضوعا للتندر، ولا أن أكون كاتبا أول دون مصداقية، أردد عليكم كلاما أنا نفسي غير مقتنع به. كلما اختليت بنفسي، أشفق على حالي وحال الحزب وحالكم، خاصة أنتم الذين تساندونني، ومنكم أشخاص محترمون، من فرط إخلاصكم لي، أصبحتم غير مقنعين، وتقلدونني أسوأ ما في.
هذه رسالتي إليكم، لقد مللت من هذه اللعبة، وسئمت من تضييع الوقت والجهد في إيجاد الحلول والخطط للتخلص ممن لا يروقني ومن يعترض علي، وإذا كنت أنا هو المشكل، فأنا مستعد لأترك مكاني لأي شخص آخر يمتلك القدرة على توحيد الاتحاديين.
كل تجربتنا ودهائنا استعملناهما ضد بعضنا البعض في السنوات الأخيرة، ولم يظهر ولا شخص عاقل منا ليقول لنا كفى، وحتى رموزنا التاريخيون فضلوا الصمت، كأن لا شيء يعنيهم، وهم الآن ينتقمون ويصفون حساباتهم القديمة على حساب مستقبل الحزب. لن أعلق بعد اليوم شماعة إخافقنا على العدالة والتنمية، ولن أنزل مرة أخرى إلى هذا الحضيض، ولن أقلل من ذكاء الاتحاديين والمغاربة، ولن أقول المخزن، ولا القوى الرجعية، كل هذا الكلام أصبح ممجوجا وغير قابل للتصديق حتى من الأطفال الصغار، ولذلك وحفاظا مني على سمعتي، وعلى هذه التجربة وهذا التاريخ الذي اسمه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قررت أن أن أستقيل وأن أضع الاتحاديين أمام صورتهم الحقيقية، رغم أني أعرف في قرارة نفسي أنه لا فرق أبدا بيني وبين من يعارضني، وأننا لا نختلف في شيء، وأن أصل الأزمة ليس فلان أو علان، وأن ممارستي ليست أبشع من ممارسات خصومي ومن يدور في فلكهم.
أيتها الاتحاديات، أيتها الاتحاديون
أعلن أمامكم أنني قد قررت أن أصبح مناضلا كباقي المناضلين، وأن هذا شرف لي، ولن أنتظر ذلك اليوم الذي ستنقلبون فيه علي، وكلي أمل في أن يخلفني شخص آخر غير مهووس بالانتقام ومعاقبة المعترضين عليه، شخص يوحد أكثر مما يفرق، وليس معقولا أبدا أن نضحي بفريقنا النيابي لمجرد أنه لا يخضع لي. لقد أخطأت كثيرا، واعتقدت واهما أنه يمنكنني قيادة الحزب بعقلية الماضي، وبمؤامرات الماضي، وأقولها لكم صراحة، نحن لسنا في حاجة إلى شباط ولا لغيره، إنه يسيء إلينا أكثر مما يخدمنا، ومن العجز السياسي والتنكر المؤلم لمبادئنا وقيمنا أن نهدد بورقة العدل والإحسان، بل جل ما نحتاجه هو أن نكون صادقين ومنسجمين، ونحترم شعبنا ومناضلينا، ولن ننهض من جديد إلا إذا أقنعنا هذا الكم الهائل من المغاربة المنفتحين، الديمقراطيين، الليبراليين، الحداثيين، أننا استمرار لفكرة الاتحاد الاشتراكي وشكلها المعاصر وابن لحظته.
ولكي لا أكون عائقا أمام هذا الأمل، ها أنا أدعو كل الاتحاديين إلى العودة إلى بيتهم الكبير، فالحزب أهم مني ومن غيري، وهو محتاج لكل أبنائه، وأعتذر لكم جميعا لأني لم أنجح في محاولتي جعل الحزب قويا ومنظما، ولكل الذين دعموني وساندوني، أقول لهم شكرا، فالحزب ليس فردا، بل مؤسسة لها قوانينها وتنظيماتها، والأفراد يذهبون وتبقى المدرسة الاتحادية، التي لا يمكن أن تغلق أبوابها بجرة قلم، وبطامع شخصية وبحث عن الزعامة.
أيتها الاتحاديات، أيها الاتحاديون
لقد اقترن مطلب الحرية والديمقراطية في المغرب بحزبنا، ودوركم أن تكونوا النموذج، وأن تتسلموا المشعل، وأن تضخوا دماء جديدة في الاتحاد الاستراكي.
لقد تحولت أنا وكثير من أبناء جيلي السياسي في هذا الحزب إلى حرس قديم، نحمل معنا ممارسات لم تعد صالحة اليوم، ولم نتمكن من التخلص من منطق الكولسة والمؤامرات والدسائس والزعيم الأوحد، ولهذا قررت أن أنسحب، وأتمنى أن يقتنع بخطوتي بعض من هؤلاء الذين يعارضونني، لنساهم جميعا في بعث الروح من جديد في الاتحاد الاشتراكي، وفي البحث عن قائد تتوفر فيه كل مقومات اتحاد القرن الواحد والعشرين، يجمع حوله الجيل الجديد حول نفس الأفكار والقيم، التي ناضلنا وقدمنا تضحيات كثيرة من أجلها. لقد اتخذت قراري عن قناعة وبعد تفكير طويل، ومن منطلق قوة لا ضعف، وأؤكد لكم أنه لا رجعة فيه، فالوقت لا يسمح بالتردد، ودوري ككاتب أول أن أكون القدوة، وأن أساعد كل الاتحاديين في بناء حزبهم، سيرا على خطى رموزنا وما تميزوا به من نكران ذات.