عندما فكرت «المساء» في إنجاز هذا الملفّ- التحقيق، كانت تنطلق من معطى أساسي هو مجموع الاتهامات الصّادرة عن أسماء بارزة في تاريخ حزب المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، بوجود «أيادٍ خفية وظاهرة» قامت بالغشّ والتزوير والتلاعب واستعمال المال أثناء المؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي.. وهي اتهامات لا يمكن لنا، كصحافة مستقلة ومنحازة في الوقت نفسه إلى قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي ناضل من أجلها كل المغاربة مع حزب القوات الشعبية وتقاسموها معه، بمختلف حساسياتهم وانتماءاتهم، إلا أن تحرّكنا للبحث والتحقق من مدى صدقيتها، بكل ما تقتضيه أخلاقيات المهنة من حياد وموضوعية، وهو أمر تسعى إليه كل وسائل الإعلام الحقيقية في العالم كله، بل إنّ التحقيق الصحافي هو صلب العمل الصحافي. لذلك كان حريا بنا، أولا، أن نتصل بكل الذين «يطعنون» في نتائج المؤتمر ويشككون في قانونية بعض أعضاء المكتب السياسي واللجنة الإدارية، من أجل التأكد من مدى صحة «تهمهم» وقوة دلائلهم، ثم التوجه إلى الطرف «المتّهَم» بالغش والتزوير، أي رفاق إدريس لشكر، لتقديم وجهة نظرهم في ما يوجَّه لهم من اتهامات أو تفنيدها. حاورنا أحمد الزايدي، التقينا عددا من أصدقائه، استمعنا إلى مجموعة من المؤتمرين، الذين أعلنوا أنهم «محايدون» وينأون بأنفسهم عن التخندق في هذا الصف أو ذاك.. قابلنا اتحاديي 20 فبراير، ومنهم من ساندوا إدريس لشكر أثناء المؤتمر الأخير، حاولنا تعقب أنصار فتح الله ولعلو... وبين هؤلاء وأولئك اتصلنا بالكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي لإجراء حوار معه، يكون مقابلا وموازنا للحوار الذي تجدونه مع أحمد الزايدي.. تركنا له رسالة صوتية على هاتفه، وعاودنا الاتصال به لنفاجأ به يرغد ويزبد، ويعتبر أن «المساء» تتّهمه بالتزوير».. فسّرنا له أنّ اتهام الناس ليس من مهامّنا كصحافيين. قبل هذا، جمعنا لقاء بعضو المكتب السياسي، حنان رحاب، حدّدنا فيه موعدا للعمل، كانت متفهمة لعملنا ومتحمسة للحديث إلينا، قبل أن «تقرر» الامتناع عن الإجابة على اتصال «المساء».. الملف الذي اخترنا له عنوان التفاصيل السرية «لتزوير» مؤتمر الاتحاد الاشتراكي، حاول تقفي آثار الخلل الذي لحق الاتحاد الاشتراكي بفعل عدد من المنعرجات والمعارك و«الأعراس» النضالية التي لم يحسن قياديو الحزب إدارة المقود السياسي فيها، وهو ما جعل عددا من القياديين الاتحاديين يعتبرون أنّ الاتحاد الاشتراكي قد «انتهى».. ومن هؤلاء محمد بوبكري، الذي يشكل اليوم أحد أذرع إدريس لشكر، ومنهم من لا يزال مصرّا على أنّ المغرب يحتاج اليوم أكثرَ من أي وقت مضى إلى روح وفكر وقيم وإيديولوجيا وتاريخ وشهداء الاتحاد الاشتراكي، لخلق توازن مع الاختلال السياسي والاجتماعي والثقافي الذي يعاني منه الشارع المغربيّ. في هذا الملف، نحاول تقفي بعض آثار الاختلالات الجسيمة التي عرفها المؤتمر الأخير للاتحاد الاشتراكي، وبعض أشكال «احتقار» القانون المنظم داخل حزب ظل يُعتبر رائدا في الدعوة إلى احترام دولة الحق والقانون وتعزيز المؤسسات والظوابط التنظيمية. كما نرصد كيف أنّ الخلل الذي عرفه الحزب شارك فيه الجميع، بمن فيهم أحمد الزايدي، الذي اعترف لنا بأنه يتحمل مسؤولية قبول أن يترأس عبد الواحد الراضي اللجنة التحضيرية، وهو كاتب أول للحزب.. وكيف «تستر» الراضي على عدد من الخروقات غير المسبوقة في تاريخ الاتحاد الاشتراكي.. نلتقط بحياد كيف «جاءت» نتائج عدد من أعضاء المكتب السياسي متشابهة، وهو حدث يعلق عليه الزايدي ساخرا: «هذا لم يسبق حدوثه في أي حزب ديمقراطيّ في العالم.. ويُظهر بجلاء كيف أنّ الأرقام لم تخضع لفرز حقيقي بقدْر ما تم الاتفاق عليها لجبر خواطر المتنافسين»، حيث حصل كل من عبد الحميد جماهري ومحمد بوبكري على 197 صوتا، وأمينة الطالبي وبديعة الراضي على 154 صوتا، ووفاء حجي وعبد المقصود الراشدي على 152، ومصطفى المتوكل ومصطفى عجاب على 130 صوتا، وسعدية بنسهلي وأحمد أبوه على 118 صوتا، وأمينة أوشلح ويونس مجاهد على 113 صوتا، ورقية الدرهم وعبد الجليل طليمات على 107 أصوات. أشياء مهمّة عن تدخلات قياديين في أحزاب أخرى، وجهات في السلطة لتوجيه المؤتمرين للتصويت على جهة بعينها، ننقلها على لسان قياديين اتحاديين في هذا الملف.
كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا، عندما رنّ هاتف محمد عامر. حتى تلك الساعة، كان القيادي الاتحادي ووزير الهجرة السابق ما يزال في فراشه في فندق «إمفيتريت بالاس»، المجاور للقصر الملكي في الصخيرات، بعد ليلة صاخبة من أشغال اليوم الثاني من المؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خاض فيها عامر، الخجول، نقاشات جريئة مع مناصري إدريس لشكر. كان عامر في طليعة الاتحاديين الذين قرّروا مساندة أحمد الزايدي لتولي منصب الكتابة الأولى للاتحاد، وللحظات بدا موقنا أنّ رئيس الفريق الاشتراكي في مجلس النواب يتقدم بخطى ثابتة نحو تسلم المشعل من المخضرم عبد الواحد الراضي، لولا أنْ زعزعت المكالمة يقينه.. «آلو السّي عامر.. صباح الخير»، قال الطرف المتصل. عرَف عامر مخاطبه من صوته الأجشِّ، . ولكي يقطع دابر الشكّ باليقين ألقى نظرة خاطفة على شاشة هاتفه ليرى الرقم الذي لا تخطئه العين، ثم أجاب محدّثَه: «صباح الخير، السي إلياس».. وفي الوقت نفسه فكر: «ماذا عساه يخبرني به إلياس العمري؟».. لم يتأخر جواب القياديّ في حزب الأصالة والمعاصرة: «شوفْ أسّي عامر.. ادريس لشكر هو للي غادي يْدوز!.. حافظوا على وحدة الحزب»!.. انتهت المكالمة القصيرة والغامضة، ولم تنتهِ هواجس محمد عامر، فقد كان ذلك اليوم، الأحد 16 يناير 2012، هو يوم المرور إلى الدور الثاني، وحظوظ كل من أحمد الزايدي وإدريس لشكر سيحسمها ميل مساندي فتح الله ولعلو وحبيب المالكي إلى هذا المُرشَّح أو ذاك.. بقيّ «جرس» كلمات إلياس العمري يطنّ في رأس عامر، وتذكر لقاء جمعهما، في شهر ماي الماضي، قال له فيه: «اللي صالحينْ فهاذ الوقت لقيادة الأحزاب ومواجهة الاكتساح ديالْ الإسلاميين هم: حميد شباط في حزب الاستقلال، وإدريس لشكر في الاتحاد الاشتراكي، وحكيم بنشماس في الأصالة والمعاصرة».. فكر عامر وهو يتهيّأ للانتقال إلى قاعة المؤتمر: هل مكالمة إلياس العمري مجرّد تخمين من رجل طالما ألصقت به أفعال أكبر من حجمه الفيزيقيّّ، أم إن هناك أياديَّ خفية تسعى إلى صنع قيادة اتحادية على المقاس؟.. «عقلية العصابات» في الوقت الذي تلقى محمد عامر مكالمة إلياس العمري، كان مركب مولاي رشيد في بوزنيقة يشهد غليان العد العكسيّ لاختيار رأس حربة حزب القوات الشعبية.. حالة ترقب وتوتر في الأعصاب انخرط فيها الاتحاديون وغيرهم من الصحافيين والمراقبين و»المدسوسين».. من جملة الذين كانوا يتتبعون تفاصيل «العرس» الاتحادي أحد أفراد المديرية العامة للشؤون الداخلية «DAG» «دخل في سياق الفوضى التي شهدها المؤتمر في جولته الأولى بفعل غياب البادْجات»، يحكي ل»المساء» علي اليازغي، الكاتب الأول للشبيبة الاتحادية. رجل «DAG» الذي يعرف علي اليازغي جيدا، اقترب منه وهمس في أذنه: «بْلا ما تصدّعْ راسكْ ألسّي علي.. راه ادريس هو للي دايْز».. هل تدخلت الدولة أو طرف منها لحسم التنافس على قيادة الاتحاد الاشتراكي لفائدة إدريس لشكر؟ هذا ما لا ينفيه أيضا أحمد الزايدي، أكبر الطاعنين في شرعية المؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي والأجهزة المنبثقة عنه، حين قال في لقاء مع «المساء» إنّ رفعه شعار «استقلالية القرار السياسي والسيادي للاتحاد الاشتراكي» لم يكن عبثا، بل كان شعارا واعيا بأن ثمة من يتربّصون بحزب المهدي بنبركة. «لقد كنا ندرك ما يُراد للاتحاد الاشتراكي، لذلك كنا نشدّد، في مختلف مراحل حملتنا، على أهمية استقلالية القرار السياسي والسيادي للحزب». مقابل شعار الزايدي، الذي ركز على استقلالية قرار الاتحاديين وسيادتهم على حزبهم، كان شعار إدريس لشكر الذي أنهى به أرضية ترَشُّحه للكتابة الأولى هو: «استعادة المبادرة». وإذا كان لشكر يؤكد أن ذلك لن يتمّ إلا في إطار برنامج تحكمه أربعة أهداف أساسية هي: «أولا، انبعاث المشروع الاشتراكي الديمقراطي؛ ثانيا، النهضة المغربية المتأصلة والمنفتحة على الإنسية العالمية؛ ثالثا، التحرك المتميز في المجال السياسي والعمل من أجل تطوير المنظومة السياسية برمتها؛ رابعا، استعادة المبادرة في الفعل والريادة في الموقف».. فإنّ العديد من الاتحاديين الذين حضروا المؤتمر التاسع، ومنهم بعض مؤيدي لشكر، أكدوا ل»المساء»، بدلائلَ متنوعة، أنّ الكاتب الأول الحالي للاتحاد الاشتراكي «سعى إلى «استعادة المبادرة» فقط لصالحه، بطرُق مشروعة وأخرى مغشوشة ومزورة».. كانت الاتهامات بالغش والتزوير والعنف اللفظي والمادي.. هي الأسطوانة التي صاحبت شتى مراحل الإعداد والتحضير للمؤتمر الأخير للاتحاد الاشتراكي، وطالت المرشحين الأربعة. إلا أنه مع اقتراب موعد المؤتمر تركزت الاتهامات بالتزوير والتجييش أكثرَ بين مناصري الزايدي ولشكر. مواجهة دامية استعملت فيها الأسلحة البيضاء في فاس، وطغى فيها صوت سيارة الإسعاف على صوت «الاتحاد»، «تهريب» اجتماع انتداب المؤتمرين في سلا، انسحاب عضو الكتابة السياسية من اجتماع انتداب المؤتمرين في مراكش، بعد استبدال القاموس السياسي بآخر تحت الحزام.. اتهام بتزوير اللائحة النسائية في الشمال، تقديم طعون في طريقة عقد انتدابات في المقاهي بالدارالبيضاء، توزيع 500 بطاقة انخراط في الحي المحمدي في الوقت الذي لم يتجاوز فيه الحزب 800 صوت خلال الانتخابات الأخيرة. احتجاجات في عمالة عين الشق في المدينة نفسها، تراشق بالكراسي في المعاريف.. وقيام الكاتب الوطني للشبيبة الاتحادية، علي اليازغي، بتمزيق اللوائح في السويسي في الرباط.. جعلت هذه «التربّصات» التي رافقت الإعداد للمؤتمر الوطني التاسع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية العديد من المراقبين، ومنهم اتحاديون، يتوقعون أن تنعقد أشغال المؤتمر في جو سيئ، تترتب عنه نتائج أكثر سوءا.. «فما يحدث اليوم من عبث داخل الاتحاد الاشتراكي كان متوقعا، وقد تحدّثت عنه قبل مدة من انعقاد المؤتمر في حوار مع إحدى القنوات التونسية». هذا الكلام لعبد الهادي خيرات، مدير جريدة الاتحاد الاشتراكي، الذي يقول إنه سبق له أن طالب الكاتب الأول السابقَ، عبد الواحد الراضي، بتأجيل مؤتمر «الاتحاد» لشهرين أو ثلاثة أشهر، حتى يتم استكمال التحضير، «وقد أبدى الراضي في حضوري اقتناعه بمقترَحي وموافقته عليه، قبل أن أفاجَأ به يعلن أنّ تاريخ انعقاد المؤتمر في دجنبر 2012»، يضيف خيرات، في تصريح ل»المساء»، ثم يستطرد: «أنا كنت ضد منطق التسابق نحو المكتب السياسيّ، وكل ما كنت أتمناه هو أن يكون التنافس على قيادة الحزب بناء على أطروحات سياسية، كما هو معمول به في كل الأحزاب الديمقراطية، وفي مقدمتها أحزاب الأممية الاشتراكية، بدلا من أن يقدّم كل بمفرده ترشحه، لأنّ ما عرفه المؤتمر الأخير للاتحاد الاشتراكي شبيه بعقلية العصابات».. ليلة السّكاكين الطويلة.. مساء الخميس، 13 دجنبر (ليلة المؤتمر) «اتصل بي عدد من مؤتمري جهة الغرب الشراردة بني حسن، يخبرونني أنّ إدريس الراضي، الوجه البارز في حزب الاتحاد الدستوري، يحثهم، بالترغيب والترهيب، على التصويت لمرشح بعينه، قال لهم: راهْ لفوق باغيينْ لشكرْ»، يؤكد ل»المساء» أحدُ أبرز القياديين الاتحاديين من مجموعة أحمد الزايدي، التمس عدم ذكر اسمه. حينها، يضيف القيادي الاتحادي البارز: «اتصل عبد العالي دومو بإدريس الراضي وقال له: «ماشي حْشومة عْليك»، فارتبك الراضي وبدأ يقول لعبد العالي: ياكْ أخويا.. ياك أخويا».. في المنطقة نفسها (الغرب -الشراردة -بني حسن) وبالتحديد في منطقة حدّ كورت، «اتصل مسؤول أمنيّ كبير بأحد مناضلينا المحترمين وطلب منه أن يطلب من مرشحي إقليمسيدي قاسم الأربعة التصويت لصالح إدريس لشكر»، يؤكد القيادي الاتحادي نفسُه دون أن يكشف عن اسم «المناضل المحترم» الذي تعرّض ل»المساومة» من طرف المسؤول الأمنيّ.. إلا أنّ التحريات التي قامت بها «المساء» قادت إلى تحديد المعني بهذه المكالمة، والذي ليس إلا العربي الغزوي والد المؤتمريْن بشير ومحمد الغزوي. بدا بشير الغزوي في البداية متردّدا في تأكيد حقيقة هذه المكالمة ل«لمساء»، قبل أن يحسم أمره: «مصير الاتحاد الاشتراكي يهمّني أكثر من نفسي»، قالها ولوّح بيده في الفراغ كمن ينفض عنه غبار الخوف: «لقد اتصل مسؤول أمنيّ كبير بوالدي وطلب منه أن يحثّ المؤتمرين، أنا وأخي ومؤتمرين من إقليمسيدي قاسم، لكي يصوتوا لفائدة إدريس لشكر». وعلى سبيل التأكيد أضاف بشير: «هذا المسؤول الأمني هو في الوقت نفسه خالُ أحد مناضلينا، كما أنه من معارفي والدي». ولمّا كان المسؤول الأمني من معارف المسؤول الاتحاديّ فقد أدخل الأخير المكالمة في باب المزاح، يقول بشير، نقلا عن والده، ويضيف: «لذلك أجاب أبي ساخرا: يا إمّا هاذ ادريس لشكرْ ولى مْعاكومْ فالبوليسْ، يا إمّا البوليسْ باغي يدخل مْعانا للاتحاد الاشتراكي!».. لم يستسلم المسؤول الأمنيّ وأعاد الاتصال بوالد بشير ومحمد الغزوي، «في المرة الثانية غيّر والدي من لهجته، وخاطب المسؤول الأمنيَّ قائلا: إيلا باقي تكلمتِ معي فهاذ الموضوعْ راني نسمّعكْ اللي ما يْعجبك».. يتحمس بشير الغزوي أكثر، ويعلق: «إذا أنكر أحدٌ الواقعة فإنّ المكالمتين متوفرتان». نترك بشير ونعود إلى القياديّ الاتحادي عبد العالي دومو ليحكيّ لنا عن الليلة السابقة، عن يوم افتتاح المؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتي سمّاها أحد المنسحبين من اللجنة الإدارية للاتحاد الاشتراكي ب»ليلة السكاكين الطويلة»، وهو الوصف الذي يُطلق على ليلة 30 يونيو 1930 التي صفى فيها هتلر معارضيه. يقول دومو: «لقد ثبت لدينا أنّ عددا من أجهزة الدولة، وفي طليعتها المديرية العامة للشؤون الداخلية «DAG»، تدخلت للضغط على مناضلينا في تادلة وأزيلال والعرائش والصّحراء ومراكش وغيرها من الفروع». «التوجيه الخارجيّ» الذي قد يكون تعرّض له مؤتمرو جهة مراكش للتصويت لفائدة ادريس لشكر أكده ل«المساء» أكثرُ من مصدر، سواء من مناصري أحمد الزايدي أو من المحسوبين على فتح الله ولعلو، الذين استحضروا حالة البرلماني في مجلس المستشارين مولاي الحسن طالب، الذي لم يكن يُخفي تأييده لفتح الله ولعلو، وأكد ذلك لأحمد الزايدي وعبد العالي دومو، اللذين زاراه في بيته في مراكش في محاولة لاستمالته ل«تيارهما». أحد أبرز المساندين لترشيح وزير المالية السابق أكد ل«المساء» أن مولاي الحسن طالب ربما توقع انحيازه إلى أحمد الزايدي أو الحبيب الماكي، باستثناء إدريس لشكر، الذي كان على خلاف عميق معه، بسبب فيلا بناها مولاي الحسن، بصفته مقاولا، لإدريس لشكر، ووقع بينهما خلاف مالي وصل بهما إلى حد القطيعة».. فما الذي وقع، إذن، حتى «انقلب» مولاي الحسن طالب إلى عرّاب لإدريس لشكر في جهة مراكش –تانسيفت -الحوز؟ يجيب عبد العالي دومو: «في مساء اليوم الثاني من المؤتمر (السبت 15 دجنبر 2012) اتصلت بي إحدى الأخوات لتخبرني بمعلومة لم أصدقها في البداية. قالت: مولاي الحسن يطلب من المُوالين له التصويت على إدريس لشكر». ويتابع دومو: «في الليل، انفردتُ بمولاي الحسن وذهبنا بعيدا عن المؤتمرين، حيث سألته: «ياكْ أكدتي ليّ بأنك مْع فتح الله ولعلو؟».. فأجابني قائلا: «السّي عبد العالي، ما عرفت.. راه السلطة مْتدخّْلة فهاذ الشّي، ومْلي ما بْغيتش ليهومْ فالأول والثاني، بْقيت كندوز ليهومْ المؤتمِرين واحد، واحد، فالتلفون وهما كيتكلمُو معاه».. لا يتوقف الوجه الاتحادي البارز عند هذا الحد، بل يضيف أن حسن الدرهم، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، وعبد الوهاب بلفقيه، رئيس بلدية كلميم، «كانا يبذلان جهدا جهيدا لإقناع المؤتمرين بأنّ الدولة تريد إدريس لشكر»، بل إن بلفقيه -يضيف دومو- كان يستغل بساطة تكوين حديثي العهد بالاتحاد الاشتراكي ويقول لهم: إنّ الشّرقي اضريس (الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية) أخبره أنّ سِيدْنا باغي لشكرْ».. يرسم دومو علامة تعجب عريضة ويصيح بانفعال: «انظر كيف تم استغلال اسم جلالة الملك وعفوية بعض المؤتمرين لتغيير نتائج المؤتمر». يصمت دومو، ويتحدّث مرافقه الحريص على عدم ذكر اسمه: «يمكن التدليل على ضغط جهات داخل وزارة الداخلية لتحويل ولاءات بعض البرلمانيين، ومثلهم من أعيان الحزب، نحو ادريس لشكر، بما وقع مع برلمانيّ من منطقة الريف كان مساندا لأحمد الزايدي قبل أن يقفل هاتفه.. وعندما تحرّى عنه زميله الحسين الجوهري، صديقه، برلماني الصويرة، اتضح له أنه تلقى أوامر من مسؤول كبير في وزارة الداخلية للتصويت إلى جهة ادريس لشكر»!.. يعود عبد العالي دومو للحديث عن «اهتمام السلطات الزائد» باجتماعات فروع الاتحاد الاشتراكي أثناء عملية انتداب المؤتمرين للمؤتمر التاسع. «لأول مرة أرى كيف أنّ القياد ورجال الاستعلامات يستعجلون الحصول على أسماء المُؤتمِرين المُفترَضين، قبل انتهاء اجتماعات انتداب المؤتمرين، مثلما حدث في القلعة». ويضيف: «لقد عشتُ عدة مؤتمرات وانتدابات مُؤتمِرين، لكنْ كمثل مؤتمر عبد الواحد الراضي هذا لم يسبق لي أن عشته، فرغم أنّ السلطات كانت تحاول حشر أنفها بين الاتحاديين، في عهد إدريس البصري، فإنّ التدخلات لم تكن بهذه السّذاجة». يرفع دومو من نبرته، كلما استحضر «أشكال التدخل الفاضح الذي عرفه مؤتمر حزب القوات الشعبية الأخير»، ويقول: «إذا كان هذا داخلا في «مخطط» فسيكون خاضعا لمنطق غير سليم، فبعد حراك الشارع المغربي، أصبحت الممارسة السياسية تحتاج إلى الشرعية الشّعبية الحقيقية، ومن لم يفهم هذا التحول فإنه يلعب بالنار».. من يملك الشرعية الشعبية في المغرب، يا ترى؟ يجيب دومو: «لن تنجح مناهضة أيّ توجه سياسي في المغرب بخلق زعاماتٍ لا شعبية ولا مصداقية لها، بل من خلال الذين يمتلكون الشرعية الحقيقية داخل المجتمع وليس عبر وجوه سياسية مفبرَكة ومفروضة من فوق».. تزداد نبرة دومو حدة وارتفاعا ووضوحا: «شباط وادريس مْفبرْكين ولا مصداقية لهم باش يلقاوْ بنكيران».. «أبطال التزوير» «يتّهم» أغلب الذين التقتهم «المساء» من مساندي أحمد الزايدي وفتح الله ولعلو أسماء بعينها من مُستخدَمي المقر المركزي للاتحاد الاشتراكي، في حي الرياض في الرباط، ب«التحيّز» المبكر لإدريس لشكر، وب«التلاعب» في عملية استقبال لوائح الانتدابات وغيرها من الإجراءات التحضيرية للمؤتمر التاسع. أبرز هؤلاء «المتهَمين» هو نائب مدير المقر المركزي، حفيظ أميلي، الذي «رفعه» القيدوم الاتحادي الطيب منشد إلى مصاف المساهمين في «محو الذاكرة الاتحادية وغسل دماغها».. عن ذلك يقول منشد: «يستحق المؤتمر الأخير للاتحاد الاشتراكي أن يُسمى مؤتمر الأبطال الثلاثة، وهم: إحدى عضوات سكرتارية اللجنة التحضيرية وأحد أعضاء لجنة الرئاسة وأحد مستخدمي مقر الحزب».. وعندما تلحّ «المساء» في سؤال منشد عمن يكون هؤلاء «الأبطال» الثلاثة، يجيب: «حنان رحاب، عضو المكتب السياسي، وعبد الكبير طبيح (الذي أطلق عليه عدد ممن التقتهم «المساء» لقب «طبيخ» تلميحا إلى كونه كان وراء «طبخ» نتائج المؤتمر) وحفيظ أميلي، نائب مدير المقر المركزي للاتحاد الاشتراكي». أظهر هؤلاء «الأبطال الثلاثة»، بلغة الطيب منشد، «براعة كبيرة وحنكة عالية في تنفيذ التوجيهات والتعليمات وتصريفها، حيث في جهة الرباط، على سبيل المثال، حصل مستخدم المقر الوطني (حفيظ أميلي) على أكثر من 100 صوت، متجاوزا الحبيب الشّرقاوي، أحد رموز الاتحاد في الرباط، والذي كان يوصف حتى في زمن الرصاص بأنه من بين ضمائر الإتحاد، والذي كان محط ثقة المرحوم عبد الرحيم بوعبيد، وهو من وظف المستخدَم المشار إليه، فهل انمحت فعلا الذاكرة الاتحادية في الرباط؟ أم إنها تعرضت لعملية الغسل؟».. هل تورط «الأبطال الثلاثة» في التلاعب بنتائج المؤتمر؟.. «هذا مما لا شك فيه»، يجيب الطيب منشد. أليست الحقيقة هي أنّ إدريس لشكر يجيد إدارة التواصل والتنظيم؟ ويتابع: «يكره إدريس لشكر التنظيم ويعشق الحلقية، أما القول إن لشكر رجل تنظيم بامتياز فهو قول يجافي الحقيقة كما يعرفها الاتحاديون والاتحاديات، فالسّي إدريس خلال حياته الحزبية الطويلة لم يكن يوما رجلَ تنظيم، لكنه يمتاز بخاصية التقرب و«لبس» رجالات التنظيم». «التزوير بالطبول والمزامير» لا يمكن حصر حالات «التزوير» التي شهدها المؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي، أو «حالات الغش» بتعبير عبد الواحد الراضي، حسب الاتحاديين الذين قابلتهم «المساء». لذلك لن نعرض إلا لبعض منها، مع الوعي المسبق بأننا قد نكون أغفلنا حالات أهمّ وأفظع أو أوردنا أخرى تقلّ أهمية.. «بدأت أولى خطوات التزوير باقتسام المواقع والأدوار، أستحضر على سبيل المثال ما حدث حين تم تحويل زهير حومادي من اللائحة الجهوية إلى اللائحة الوطنية لأجل عيون حسن لشكر، نجل إدريس لشكر»، يقول بشير الغزوي، عضو الكتابة الوطنية للشبيبة الاتحادية ل»المساء»، ويضيف: «كان هناك مرشحان للائحة الجهوية في جهة الرباطسلا زمور زعير، يتنافسان على مقعد واحد، وبين الدورتين تحوّلَ حومادي إلى اللائحة الوطنية، تاركا مكانه لحسن لشكر، الذي أطلق عليه الشباب الاتحاديون تندرا، لقب: سْميّتْ سيدي». خلال الدور الثاني من المؤتمر، وأثناء التصويت على المرشحين للكتابة الأولى، إدريس لشكر وأحمد الزايدي، التقطت كاميرا القناة الأولى وقناة الجزيرة مشهدا لمجموعة من المؤتمرين المتحدّرين من الصحراء تسلموا أوراق التصويت ودخلوا إلى المعزل، ثم توجهوا نحو الصندوق وأدْلوا بأصواتهم.. «ينقسم هؤلاء الأخوة المنتمون إلى الصحراء، إلى ثلاثة أقسام: اتحاديون ليسوا مؤتمرين، غير منتمين للحزب أصلا، ومنتمون لأحزاب أخرى، مثل عبد الرحيم ملول، الذي كان رئيسا لجماعة الوطية باسم الحركة الشعبية، قبل أن يترشح في الانتخابات الأخيرة باسم حزب الاستقلال، وهو ينتمي الآن إلى التجمع الوطني للأحرار، ناهيك عن مؤتمرين يوجدون خارج المغرب وصوّت آخرون بدلهم»، حسب ما أكد ل«المساء» محمد سعد بوه، الكاتب الإقليمي للاتحاد الاشتراكي في العيون. ويستدرك قائلا: «أنا لا أطعن في شرعية الأخ إدريس لشكر ككاتب أول، فما زلت أتصل به وآمل فيه خيرا، لكنني أقول له: إذا لم تتراجع عما وقع وتساهم في المصالحة بين الفرقاء الاتحاديين فلن يسامحك المغاربة ولا الاتحاديون».. حالة أخرى من التزوير يشهد عليها محمد سعد بوه بقوله: «أنا صوتت على مهدي منشد، لنفسي ول12 من أصدقائي.. وكان من المفترض أن يحصل منشد في مكتب جهة بوجدور العيون على 34 صوتاً، فإذا بنا نفاجأ وقد حصل على (0) صوت!».. تمتزج المرارة والاستغراب على وجه محمد سعد بوه حين يتذكر «مؤتمرة من آسا الزاك جاء بها عبد الوهاب بلفقيه، الكاتب الجهوي في كلميم -السمارة، وتم انتخابها عضوا في اللجنة الإدارية وهي لا تعرف اسم الكاتب الأول السابق، وربما حتى الحالي!».. خلال التصويت على أعضاء اللجنة الإدارية في المعمورة، «ضبط» الأمين البقالي، عضو اللجنة الإدارية والكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي في شفشاون، مصطفى القرقري، الكاتب الجهوي بالشمال، وهو يمسك عددا من أوراق التصويت ويهمّ بوضعها داخل الصندوق. «حضر عبد الكبير طبيح رئيس لجنة الفرز في المؤتمر، وبدل أن ينجز محضرا في الواقعة، طلب من القرقري أن يبتعد، بعدما أخذ منه الأوراق غير القانونية».. أما محمد فهمي، الذي كان أحد الفارزين في مكتب منطقة الشرق، فقد أقفل المحضر الذي وقع عليه بحصول المسمى كمال الهشومي (عضو رئاسة المؤتمر وحاليا عضو سكريتارية اللجنة الإدارية) على (05) أصوات، ليفاجَأ في المحضر النهائي بأنّ الصفر تحول إلى ستة وبأنّ الرقم النهائي الدي أصبح يتوفر عليه كمال الهشومي هو (65) صوتا.. وخلال فرز أصوات المرشحين للجنة الإدارية في جهة الرباط، حصل الحبيب العزوزي على 117 صوتا وحفيظ أميلي على 114، من أصل 124 مصوتا. عن هذه النتيجة يقول ل»المساء» بشير الغزوي، المسؤول الوطني في الشبيبة الاتحادية: «بالنسبة إلى الحبيب العزوزي، مثلا، إذا اعتبرنا أنّ 10 فقط لم يصوتوا لصالحه، فإنه سيحصل على 114 صوتا من أصل 124»، ثم يضيف الغزوي بنبرة أعلى: «أتحدى العزوزي وأميلي، بأن أقدم لهما وثيقة موقعة ومصادقا عليها إداريا من طرف 40 مناضلا صوتوا في هذا المكتب، يقرّون فيها بأنهم لا يُشرّفهم أن يصوتوا على هذين الشخصين». كانت «مقاربة النوع في التزوير» حاضرة خلال المؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي. فقد قالت سلمى الركراكي، عضو المجلس الوطني السابق والكتابة الإقليمية لتمارة، ل»المساء» إن عددا من الفارزين اتصلوا بها في كل مراحل الفرز ليخبروها بتقدمها على منافساتها، وكذا بأكثرَ من اتصال بعد انتهاء عملية الفرز «تهنئها» على فوزها، «قبل أن يتم الاتصال بي لإخباري أن خلطا وقع، وعندما طالبت بالمحاضر أخبِرتُ أنه قد تم إتلافها».. إضافة إلى حالة سلمى الركراكي، كانت هناك حالة سعيدة الدكوش، من تطوان، التي ترشّحت للجنة الإدارية وأخبِرت بفوزها، ثم أعلنتها أمينة الطالبي، خلال الندوة الصحافية، «فائزة»، لكنْ عندما نُشرت اللائحة النسائية في جريدة الحزب تم «إسقاط» اسمها.. لم تمر حالة سعيدة الدكوش في صمت، بل حشدت دعم عدد من المناضلين الاتحاديين في تطوان ومرتيل، والذين قدّموا استقالتهم من مكتب الفرع ومكتب الشبيبة. كما أطلق المتضامنون مع أمينة صفحة على «فايسبوك» عبّروا فيها عن تضامنهم مع ما طال رفيقتهم من «تزوير». لشكر «ينكث» بوعده بعدما جاءت نتائج اللجنة الإدارية مُخيّبة لآمال مناصري أحمد الزايدي، الذين كالوا الاتهامات بالتزوير لمجموعة لشكر، واستقالة الطيب منشد من عضوية هذه اللجنة، وتقرر في اجتماع في منزل أحمد رضا الشامي في الدارالبيضاء عدم دخول المجموعة إلى المكتب السياسي، ظهرت أصواتٌ تنادي بالبحث عن مزيد من التوافق ما بين «الإخوة/ الأعداء»، يتزعمهم عبد الواحد الراضي، الكاتب الأول المنتهية ولايته. «اتفق لشكر على منح مجموعة الزايدي 8 مقاعد، ستة منهم ذكور، هم: أحمد الزايدي ومحمد عامر وأحمد الشامي وعبد العالي دومو وعلي اليازغي والصادق الرغيوي واثنان نساء، هما: ثريا مجدولين وعائشة الكلاع»، يؤكد مصدر «المساء»، من مجموعة لشكر، ويؤكده مصدر آخر من مجموعة الزايدي، ثم يضيف: «اتفق لشكر مع الزايدي على هذا، لكنه أطلع صديقيه محمد بوبكري وسفيان خيرات على لائحة لا تتضمن من مجموعة الزايدي إلا اسم احمد رضا الشامي». في يوم انتخاب المكتب السياسي، اتصل بي بعض الإخوة هاتفيا يخبرونني أنّ اللائحة التي قُدِّمت للتصويت عليها لا تتضمن اسم عبد العالي دومو، لأن إدريس لشكر لا يريده، رغم أن دومو كان ضمن من اتفق عليهم الزايدي ولشكر»، يحكي ل»المساء» سعد بوه، الكاتب الإقليمي للاتحاد الاشتراكي في العيون. أخبر دومو بالأمر، فقرر هو والزايدي سحب ترشحهما، فطلِب منهما التريّث لاستدراك الخطأ. بعد ظهور النتائج، يقول سعد بوه «تَبيّنَ -ويا للعجب- أنّ أحمد الزايدي، الحاصل على أكثر من 46 في المائة من أصوات المؤتمرين، لم يتمكن من الوصول إلى المكتب السياسي، أيُّ منطق هذا؟ هذه غربلة للاتحاديين من الأجهزة». يحتدّ صوت سعد بوه، الهادئ عادة، وهو يقول:» نحن أمام أمرَين أحلاهما مُرّ: إمّا أن نؤسس جهازا لنشتغل فيه ونكمل رسالة بوعبيد واليوسفي، فنفترق عن إخواننا الذين أرغمونا على هذا الحل، وإمّا أن ندخل معهم في صراع ونعرقل عمل الاتحاد الاشتراكي لعشر سنوات أخرى، ينسى فيها المغاربة الاتحاد الاشتراكي، ويُفتح فيها الباب على مصراعيه للمحافظين، الذين لا نريدهم أن يستفردوا بالمغرب»..
«غيرْ قصّارينْ»..
أوْحت الأرضيات التي تقدَّم بها المرشحون الأربعة إلى منصب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأنّ المؤتمر التاسع سيكون مؤتمرَ نقاش فكريّ وإيديولوجي للحسم في الهوية الجديدة للحزب الذي حسم اختياره كحزب اشتراكيّ ديمقراطي يعي شروطه الإقليمية والثقافية، المغربية والعربية والإسلامية والإفريقية والمتوسطية، بالقدْر الذي يعي هويته الكونية: الاشتراكية وما تقتضيه من إعادة الارتباط بالجماهير الشعبية وتبني قضياها، بعيدا عن كل مقارَبة مبتسرة وشعبوية.. وكان من المُفترَض أن تشكل أوراق كل من حبيب المالكي، إدريس لشكر واحمد الزايدي وفتح الله ولعلو، على تنوعها وثرائها، إلى جانب أوراق اللجن التحضيرية، أرضيات حقيقية لنقاشات قوية وطويلة، يصطفّ على أفكارها ومُقترَحاتها المؤتمرون الاتحاديون كعاداتهم، لكنّ شيئا من هذا لم يحدث، إذ «ترك المؤتمرون أوراق المؤتمر واختاروا بدلها رأسَ القطيع، تبعوه كالأكباش»، يقول منتصر الساخي، عضو اتحاديي 20 فبراير، الذي قدّم استقالته من الاتحاد الاشتراكي مباشرة بعد المؤتمر.. لم تقتصر هجرة الاتحاديين نقاش الأفكار على أشغال المؤتمر الأخير فحسب، بل إنّ «التحضير للمؤتمر تمّ بطريقة غير مسبوقة في تاريخ الاتحاد الاشتراكي»، يقول أحمد الزايدي، رئيس الفريق الاشتراكي في مجلس النواب ل»المساء»، مضيفا: «لم تكن هناك لا مؤتمرات إقليمية ولا جهوية، كل ما كان هو عملية تحضير للوائح عبر تنظيم اجتماعات شكلية».. بل إنّ «الأخطر من هذا وذاك هو أنه لأول مرة يُصوت الناس ب»الفلوس»، كما صرح لجريدتكم، محمد الحبابي نقلا عن فتح الله ولعلو، يضيف الزايدي». يذهب العديد من المتتبعين لمسار الاتحاد الاشتراكي إلى أنّ التحولات السوسيولوجية التي شهدها الحزب خلال العشرين سنة الأخيرة أدت -بفعلِ تركيزٍ مبالغ فيه على الجانب الانتخابي وإهمال الجانب الفكري والإيديولوجي والتنظيمي، وليس الحلقي- إلى قلب بنية الاتحاد الاشتراكي السوسيولوجية، وانتقالها من بنية مدينية إلى بنية قروية. إلا أنّ الماضي «المديني»، الذي ظل كهاجس في تطلعات القيادات الاتحادية «الكلاسيكية»، سرعان ما كان يصطدم بالتحولات الاجتماعية الطارئة على الحزب، وهو ما عبّر عنه عبد الواحد الراضي في تقرير قدّمه إلى المجلس الوطني، الذي انعقد في ماي من السنة الماضية، حين قال إنّ «الاتحاد الاشتراكي يعيش حالة انتحار جماعية».. وهو أيضا ما اصطدم به فتح الله ولعلو في المؤتمر الأخير، عندما تحدّث بعد خروجه عن «بدونة الاتحاد الاشتراكي(من البادية) «. انعكس هذا التحول السوسيولوجيّ سلبا على طريقة عمل اللجن التحضيرية وعلى طريقة عمل اللجن التي كان مفترضا أن تتنكبّ خلال المؤتمر على مناقشة مشاريع الأوراق، إذ لم يسبق أنْ ولى الاتحاديون أدبارهم لمناقشة الأفكار، موثرين عليها مناقشة الأشخاص والتوافقات المصلحية، كما وقع في المؤتمر الأخير. «كان التحضير للمؤتمر فقط لكي نُظهر للرأي العام وللأحزاب المنافسة أننا ما زلنا حزبا حيّاً يناقش أفكار الاشتراكية الديمقراطية ويُلائم برامجه وتصوراته معها»، يؤكد أحد أعضاء «لجنة الثقافة والإعلام» قبل أن يستدرك: «بلحقْ، حْنا كنا غيرْ قصّارينْ».. ولاحقا تبيّنَ لنا أنّ الاجتماعات لا جدوى منها، لذلك توقفنا عن حضورها، وحدث الشيء نفسُه مع باقي اللجن، باستثناء لجنة تفعيل الأداة الحزبية». استحضرت لجنة تفعيل الأداة الحزبية (تهتم بالتنظيم) كيف أنّ المؤتمرات السابقة للاتحاد، والتي كانت تعتمد في انتداب المؤتمرين على عدد بطائق الانخراط التي «باعها» الفرع، قد تمّ «إغراقها» بمؤتمرين يتم تجييشُهم، لذلك ارتأت أن يتم انتداب المؤتمرين للمؤتمر التاسع على قاعدة الأصوات: 50 في المائة من مجموع الأصوات التي حصل عليها الفرع في الانتخابات الجماعية والتشريعية، و50 في المائة من الانخراطات المحصورة في30 شتنبر2012، إلا أنّ المكتب السياسي اعتمد 75 في المائة لمجموع الأصوات الانتخابية و25 في المائة للانخراطات. «لقد أغفلت هذه القاعدة -أو تعمّدتْ أن تغفل- كونَ أغلب الأصوات التي حصل عليها الاتحاد الاشتراكي في الانتخابات الأخيرة جاءت من العالم القروي»، يقول ل»المساء» أحدُ أعضاء لجنة تفعيل الأداة الحزبية، مضيفا: «كان وراء هذا المقلب عبد الواحد الراضي وفطن إليه إدريس لشكر، رغم أنّ مناصري أحمد الزايدي كان لهم حضور مهمّ في هذه اللجنة»، يضيف عضو لجنة تفعيل الأداة الحزبية، المحسوب على اتحاديي 20 فبراير، ويستطرد مؤكدا: «لقد أخبرنا محمد الأشعري، في لقاء جمعني به رفقة عدد من الرفاق بعد أسبوع من المؤتمر، أنّ عبد الواحد الراضي مهّد الطريق لإدريس لشكر، عندما أقبر أيَّ نقاش سياسيّ منذ المؤتمر الثامن». بعد أربعة أيام من هذا اللقاء، استقبل فتح الله ولعو اثنين من مسانديه الأوفياء من شباب حركة 20 فبراير داخل الحزب وقال لهما، حسب ما حكيا ل«المساء»، بكثير من الألغاز وقليل من الإفصاح: «إدريس لشكر لا ينتمي إلى ثقافتي السياسية، رغم أنه ابن الحزب، وقد كان يقلب علينا الطاولة في المكتب السياسيّ ضد حركة 20 فبراير، ولم نعلم في المكتب السياسي بأمر استوزاره في 2010 إلا من خلال التلفزيون»!..
الزايدي*: تزوير نتائج المؤتمر التاسع للاتحاد الاشتراكي كان تزويرا مع سبق الإصرار
قال ل«المساء» إن ما اعتبره عبد الواحد الراضي غشا وليس تزويرا كان صدمة بالنسبة إليه
- التزمتَ الصمت طيلة شهرين ولم تخض في تفاصيل التزوير الذي سبق أن أكدت وقوعه في انتخابات المؤتمر التاسع.. هل هذا استسلام أم انتظار توافق مع الكاتب الاول؟ أم ماذا بالضبط؟ أريد أن أوضح أن التزامي الصمت كان إراديا، وغايته الاستماع أكثر إلى الآخر، سواء الذين أختلف معهم أو أولئك الذين اشتركتُ معهم في مشروع مجتمعيّ تبلور في ترشحي للكتابة الأولى، وأشترك معهم في عملية التقييم وإعادة قراءة ما حدث ومحاولة تحليل ما قد ينتج عنه وكيفية التعامل مع هذا المشترك مستقبلا، فالمسؤولية تقتضي ألا نحكم على الأشياء من وجهة نظر أحادية، وأعتقد أننا الآن نتوفر على كامل المعطيات لتحليل ما حدث.. وما حدث، والذي اعتبره الكاتب الأول السابق عبد الواحد الراضي «غشا» وليس تزويرا، كان صدمة بالنسبة إليّ وإلى عدد من الأخوات والإخوة، فالتزوير ما هو إلا تتويج ل»الغش» ولسبق الإصرار على فعل التزوير.. فلم يكن موقفي استسلاما للأمر الواقع ولا تزلفا لأحد، أو انتظارا لتوافق أو أمور من هذا القبيل، فهذا غير وارد إطلاقا. - هل تعني أنّ التزوير كان مع سبق الإصرار؟ طبعا، ليس هناك تزوير بدون إصرار وإلا سنكون أمام منظور جديد للتزوير (يضحك). - لكن هناك تصريحات متناقضة نسبت اليك، فتارة أنت ضد الانفصال، وتارة تشكل، أنت ومن معك، تيارا داخل الاتحاد الاشتراكي، وتارة أخرى أنكم ستؤسسون جمعية او حزبا بديلا؟ ما وقع، وهذا موقفي الشخصي، هو أنّ أغلب هذه الاستنتاجات المتناقضة لم تأتِ على لساني اطلاقا، وإذا عدتَ إلى الجرائد التي تناولتْ هذا الموضوع فستجدها تقول إمّا «عُلِم من مصدر مُطّلِع» أو «من مصدر قريب من أحمد الزيدي»، أو أمور من هذا القبيل.. وقد اضطررت إلى نشر توضيحين مرّتين على ما أعتقد لا أكثر، وبعدها توقفت لأنني لا يمكن أن أستمرّ في هذه اللعبة المُملّة الى ما لا نهاية.. فلديّ أمور أخرى أشتغل عليها، بدل أن أردّ على محترفي لعبة الخلط والتشكيك و»الخْواضْ».. وبالمناسبة، لا علاقة للمجموعة التي اشتغل معها بمحترفي هذه اللعبة. طبعا، أنا لا أتهم الصحافة، فأنا صحافي قبل أن أكون برلمانيا أو ممارسا للسياسة.. ما أعيبه على بعض الزملاء هو عدم التأكد من الأخبار التي قد تكون تسرّبت بسوء نية للتشويش علينا. وكل ما لم أصرّح به شخصيا يتحمل مسؤوليته المصدر الصحافي الذي نشره.. - ما هو الصحيح في كل ما قيل، وما الزائف؟ نحن واصلنا أشغالنا كمجموعة من الأخوات والإخوة، وأحب أن أوضح هنا أن بعض العبارات التي استُعملت في وصف هذه المجموعة عبر وسائل الإعلام هي عبارات غير دقيقة، من قبيل «تيار الزايدي»، «أنصار الزايدي»، «فريق الزايدي».. هذه تعبيرات لا تليق بمجموعة من خِيرة أطر الاتحاد الاشتراكي لا مكان بينهم للزعامة أو القيادة أو الريادة، فمنذ الانطلاقة أعلنّا أننا حمَلة مشروع جماعيّ، حامٍ لقيم الاتحاد ومبادئه، نتقاسم جميعا أفكاره، ونتبنى توجهاته وننخرط على قدم المساواة في الدفاع عنه وإخراجه إلى أرض الواقع، ومن هذا المنطلق أقول إن الانفصال أو تأسيس حزب سياسيّ بديل غير وارد اليوم اطلاقا. نحن اتحاديون وسنظل في الاتحاد، ندافع عن قيمه النبيلة وتراثه العتيد بتواضع المناضلين الشّرفاء، ولكنْ أيضا بإصرار الاتحاديين السابقين على الاستماتة في الدفاع عن الاتحاد الاشتراكي، في نبله وصدق دفاعه عن الشّرعية والمشروعية، نحارب الفساد والمُفسدين، نناصر كل الشّرفاء المُنخرطين في معركة العدالة الاجتماعية، نعارض كل ما يمسّ مبادئ الاتحاد، نتصدى لكل انحراف قد يتعرض له خطه، كما أقرّته مؤتمرات الحزب وأدبياته، وآخرها مؤتمره التاسع، كما صادقنا عليه كاتحاديين وليس ما وقع تحريفه لاحقاً.. وباستثناء ما نعتبره -بقناعة- خطوطا حمراءَ غير قابلة اليوم لأيّ تجاوز فإننا نأخذ حُرّيتنا في ما يتعلق بالوسائل التي نرى أنها كفيلة بأنْ تضمن لنا هذا الحق، خاصة إذا انعدمت هذه الإمكانات داخل أجهزة الحزب. - قدّمتَ طعنا في شرعية انتخاب مُنافسك ادريس لشكر، هل ما زلت مُصرّاً على «تدخل أياد خارجية» لتحويل النتائج لصالح خصمك؟ وما حقيقة بعض الدلائل التي تحدّثتَ عنها؟ ما سبق أن قلته لا يمكن إلا أن أؤكده اليوم، وبكل مسؤولية.. وقد شرحتُ مَن هي هذه الأيادي، وكيف، فلا داعي للعودة لذلك.. ما يهمّ اليوم ليس تحصيل الحاصل أو الفعل المؤسف في حد ذاته، بل انعكاساته المجتمعية والسياسية، لقد ضمّنتُ برنامج حملتي الانتخابية للمنافسة على الكتابة الأولى من جملة ما ضمنته شعارا مركزيا هو: «استقلالية القرار السيادي للحزب»، وكنت أعي ما أقول وما أفكر فيه بصوت عال، اليوم وفي ظل ما يشهده الحقل السياسيّ المغربي من ترَدٍّ بشكل عامّ، أعتقد أنّ فتح نقاش وطنيّ حول مبدأ الاستقلالية يمكن أن يكون مُفيدا لإغناء الحياة السياسية ليس لاستقراء أو استنتاج ما يقع في هذا الحقل.. حْنا عارفين خْرّوب بْلادنا.. ولكنْ للانتقال بالممارسة الحزبية الى ما نتمنى أن يرقى الى تطورات الحقل السياسيّ من خلال مؤسساته الدستورية وهي تنخرط في الدستور الجديد، وفي الأفق السياسي المأمول.. وأسجل على صفحات «المساء»، وبدون تعليق، خبرا قرأته مثل جميع المواطنين في الصحف، ومفاده أنّ وزارة الداخلية وجّهت توبيخا إلى الولاة والعمال الذين هنّؤا كتابة الكاتبَ الأول المنتخب للاتحاد الاشتراكي.. - هل تعتبر ذلك تأكيدا لاتهاماتك بأنّ الإدارة تدخلت لحثّ المؤتمِرين على التصويت لفائذة لشكر؟ (يصمت).. لا تعليق لديّ. - اتهمك أحد أعضاء المكتب السياسيّ بأنْ لا علاقة لك بحزب المهدي وعبد الرحيم.. وبأنك «وافد» على الاتحاد الاشتركي من حزب الاتحاد الدستوري.. ما صحة هذا؟ (يضحك بقوة، ثم يستدرك) دعني أضحك سخرية من كلام لا مسؤول مثل هذا.. لكنْ لا أخفيك أنه ضحك ملؤه الألم على ما يفعله الذين يعتبرون أنفسَهم اتحاديين من إساءة بأقوالهم وبأساليب منحطّة بإخوانهم في الاتحاد.. فأنا منتخَب باسم الاتحاد الاشتراكي في جماعة بوزنيقة منذ 1977 إلى حد الآن.. ولم أغيّر لا الدائرة ولا المكان ولا الحزب منذ هذا التاريخ، قبل أن أصبح رئيسا للجماعة إثر تقسيمها، وما زلتُ في موقعي إلى حد كتابة هذه السطور.. لم يؤسّس الاتحاد الدستوري إلا سنة 1983، أي بعد ست سنوات من انتخابي كأصغر منتخب في العالم القرويّ باسم الاتحاد الاشتراكي، أيامَ كان مجرّدُ الانتساب إلى الاتحاد -ولو عن بُعد- «يُفزع»، فبالأحرى الترشح باسم الاتحاد للانتخابات منذ 36 سنة.. ولمن يجهل من هو أحمد الزايدي أضيف أنّ هذه هي خامس ولاياتي البرلمانية باسم الاتحاد الاشتراكي في الدائرة نفسها والمنطقة نفسها والحزب نفسه بعد «معركة بوزنيقة» الشهيرة سنة 1993، التي قرر فيها إدريس البصري إسقاطي في الانتخابات بتزويرها لفائدة وزير المالية آنذاك، ثم إحالتي كصحافيّ ورئيس تحرير على مجلس تأديبيّ والمطالبة بقطع راتبي الشهري وتجريدي من كل المهام، بما فيها مكتبي وسيارة المصلحة.. هذا النموذج من سلوك الإساءة للمناضلين هو الذي يسيء اليوم إلى حفدة المناضلين وإلى الحزب، فتبّا لهذا الزمن الرديء!.. وأرجو إعفائي من الاستمرار في الحديث في هذا الموضوع المنحط، فلديّ أصدقاء داخل قيادة الاتحاد، على قلتهم، أنزّههم عن سلوكات مثل هذه.. - هل تنوي فعلا استمالة فتح الله ولعلو والمتعاطفين معه الى تأسيس جمعية وطنية تشتغل بشكلٍ مواز للاتحاد الاشتراكي؟ تعلم جيدا أنّ هناك نقاشا داخل الاتحاد الاشتراكي ظل يتقوى من خلال محطات مؤتمراته وأجهزته المُقرِّرة، وقد ازداد هذا النقاش حدّة خلال محطتي المؤتمر الثامن لاعتبارات يعرفها جميع المناضلين، إلا أنها لم تفلح إلى حد الآن في فرز تيارات حقيقية داخل الاتحاد، وهذا ما شكّل محور نقاشات ما زالت مفتوحة، وكان بالإمكان أن يساهم هذا التوجه -لو تبناه الاتحاديون- في التخفيف من حدة الاحتقان اليوم، خاصة بعد الذي وقع في المؤتمر التاسع.. ومن خلال بحثنا عن البدائل الممكنة فإنّ المبادرات التي اقترحها العديد من الأخوات والإخوة بدون تصنيف ومن مختلف التوجهات والتي تسير في الاتجاه العام الذي ذكرت، ننخرط فيها جميعا، فهذه حركة تلقائية لمناضلين صادقين نجمت عن شعور بالمسّ بكبريائهم من خلال ممارسات لا مسؤولة نتيجة المؤتمر الأخير، وتعاظمت بازدياد الشعور بالمخاطر التي قد تهدد حزبهم مستقبلا، فالفضاء مِلك للجميع ولكل حاملون لهذه الرّوح، وهو مفتوح لكل الاتحاديات والاتحاديين، وهذا ما ننخرط فيه جميعا. - يتهمك خصومك ب»مغازلة» حكومة العدالة والتنمية من خلال جعل فريق الاتحاد الاشتراكي يقوم بمساندة نقدية للحكومة بدل معارضتها ما صحة ذلك؟ من يعتقد أنّ الفريق الاشتراكيّ هو بمثابة آلة طيّعة يمكن أن تُسخَّر في أي اتجاه يراد لها فهو واهم، فمن جهة هؤلاء نواب لهم من الشرعية الشعبية والسياسية ومن الحسّ الوطنيّ ما يجعلهم فوق كل توجيه شخصاني، ومن جهة أخرى، فنحن نعيش في فريق متجانس، مفتوح على الحوار الدائم، وكما أكدت في مناسبة سابقة فنحن كنواب برلمانيين نشتغل داخل هذا الإطار السياسي المنظم الذي هو فريق الاتحاد الاشتراكي في مجلس النواب، وهو الذي يعكس صورة وصوت الاتحاد الاشتراكي داخل البرلمان ولدى المجتمع، فلسنا في ثكنة عسكرية.. والنقاش بين مختلف مكونات الفريق مفتوح بدون كوابح. فأن نناقش ونتحاور ونقترح فهو حق مشروع للجميع، لكنْ أن نتخذ قرارا من الحجم الذي أشرتَ اليه فهذا قرار سياسيّ يحتاج إلى نقاش آخر ولم يتم اتخاذه بعدُ من طرف الفريق، وكل ما قيل حول هذا الموضوع هو مجرد استنتاجات عارية من الصحة. - يقف فريقا الحزب في مجلسي النواب والمستشارين على طرفي نقيض من مسألة التنسيق مع «البام»، ففي الوقت الذي أعلنتم في الفريق الذي تترأسه أنت «التمرّد» على توجه الكاتب الأول بخصوص التنسيق مع «البام» ضمن فرق المعارضة، اختار الفريق الاشتراكي في مجلس المستشارين التنسيق معها.. ما تعليقكم على هذا الوضع؟ مرة أخرى، أجد نفسي مضطرا إلى الكشف عن بعض الحقائق التي يجب الانتباه اليها، فكما أسلفت، في كل مرة، كنا نفاجَأ بأخبار متناقضة عن هذه الحركة.. والهدف من كل هذا، في تصوري، هو خلق نوع من الضبابية والتشكيك والإيحاء بعدم جديتها والتشويش عليها لدى المواطنين عموما، والمناضلين على وجه الخصوص، مرة يضعوننا في موقع تيار، ومرة ينسبون الينا الشّروع في تأسيس حزب، ومرات إنشاء آليات أخرى.. وكل ذلك لم نتوفق في معرفة مَن وراءه سوى ما يقال من باب التمويه «عُلم من مصدر مقرَّب، مطّلع أو قريب من فلان».. ولكم الحق أن تطرحوا السؤال نفسَه، فقد تم استعمال الشيء بافتعال نزاعات وهمية ربما القصد منها التقرّب إلى جهة ما.. هذه هي قراءتي لما بين السطور مما يُكتب ويُنسب إليّ في بعض الأحيان دون علم لي به.. ما وصفته ب«التمرد» على موقف الكاتب الأول، المنخرط في توجه الأصالة والمعاصرة، ضمن فرق المعارضة الأخرى (الأحرار -الاتحاد الدستوري).. نحن ليست لنا صراعات شخصية أو مواقف مُسبَقة من الأطراف التي أشرتم إليها لكنْ -ويجب أن أكون هنا واضحا- فان مواقعنا في المعارضة تختلف باختلاف توجهاتنا ومرجعيات كل منا- صحيحٌ أنّ الخريطة السياسية جعلتنا جميعا في المعارضة، لكنْ لكلٍّ منا تعاقدُه مع ناخبيه، وتعاقدنا مع الناخبين هو وفق برنامج الاتحاد الاشتراكي وليس وفق برنامج «البام» أو الاحرار أو الدستوري.. لذلك أقول: كيف يُطلَب منا اليوم أن ننخرط في تكتل تختلف توجهات أطرافه ومرجعياتها وبرامجها، وربما أجندتها.. نحن ننسّق ونسّقنا مع أطراف المعارضة، وأيضا الأغلبية، في ما لا يتعارض مع توجّهنا كفريق اشتراكيّ وما يخدم مصلحة البلاد، في انسجام تام مع عمل الفريق.. إذن، لا مجال لأن يُزايد علينا أحد في ما يتعلق بعملية التنسيق، فنحن مقتنعون، كفريق مرتب في الموقع الخامس، لا يمكن أن نشتغل بمفردنا، خاصة والأمر يتعلق بمؤسسة البرلمان، حيث يشكل التصويت فيها جوهر العملية الديمقراطية، ومع ذلك فإذا انتفت الشروط الجوهرية التي أشرت إليها فلا تنسيق مع أي طرف كان، وبالتالي أعلنا أننا سنكون غير مستعدين للانخراط في أي تكتل من هذا القبيل. أما المقارنة بموقف إخواننا في مجلس المستشارين، فللأسف لم تتم استشارتنا فيه، وحسناً فعلوا حتى لا نؤثر على حريتهم.. وعلى كل، فالعمل الميدانيّ هو الذي من شأنه أن يحدد توجهات المستقبل، ونحن مقتنعون بأنّ المناضلين الاتحاديين يُدركون، بحسهم النضاليّ، مدى انسجام موقفنا هذا مع روح التوجّه الاتحادي. - ما هي قراءتك للوضع الحالي والمستقبلي للاتحاد؟ أنا اختلف مع بعض الإخوة الذين اعتبروا أنّ الاتحاد قد «انتهى».. أنا ما زالت لديّ الثقة في الفكر الاتحادي وفي الرصيد النضالي للاتحاديات والاتحاديين وفي حكمة الاتحاديين الشّرفاء في التوجه نحو المستقبل وفي صمود الثقافة السياسية الاتحادية في وجه كل الزوابع.. صحيحٌ أن الإطار الذي أفرزه المؤتمر التاسع لا يشجع على هذا التفاؤل، فما بُنيّ على باطل فهو باطل.. لكنْ أعتبر أنّ مصلحة الاتحاد وحاجة البلاد إلى الاتحاد وأمانة الحفاظ على رسالة الاتحاد لتحملها الأجيال القادمة تجعلني أقف بين التشاؤو والتفاؤل، وأستوحي من عنوان رواية الأديب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي «سعيد أبو النحس المتشائل»، وأقول لك إننا سنستمرّ للمستقبل بكل «تشاؤل» حتى إشعارٍ آخرَ.. * أحمد الزايدي رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب
قياديون ضد القانون..
حسب المقرر التنظيمي الذي صادق عليه المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي يوم 4 نونبر 2012، والذي لم يُعرَض على المؤتمر لتغييره أو تتمميه، فإنه يشترط بالنسبة إلى: -اللجنة الإدارية: يُشترَط في أعضاء اللجنة الإدارية استيفاء 5 سنوات من الأقدمية الحزبية، وأن تتوفر فيهم الشروط المطلوبة لأهلية الترشح، بأن يكون المرشح مقيدا في قائمة العضوية الحزبية، وأن يوجد في وضعية نظامية بالنسبة إلى التزاماته المالية الناتجة عن العضوية أو عن تولي مهام انتدابية أو تمثيلية باسم الحزب، وألا يكون قد صدر في حقه إجراء تأديبيّ لم يسقط بالتقادم، وألا يوجد في حالة من حالات التنافي، وألا يكون قد استوفى عدد الولايات المسموح بها بمقتضى القانون الداخلي، وأن يكون قد سبق له تحمّل المسؤولية في جهاز وطني أو جهوي أو إقليمي أو محلي، تقريريا كان أو تنفيذيا. وتمتد ولايتهم خلال مدة الولاية بين مؤتمَرَين وطنيين. -المكتب السياسي: تُشترَط للترشح إلى عضوية المكتب السياسي الشروط نفسُها المنصوص عليها لأهلية الترشح إلى مهام الكاتب الأول، ويحدد عدد الولايات لعضوية المكتب السياسي في عدد الولايات المحدد للكاتب الأول. -يشترط في المترشح لمهمة الكاتب الأول أن يستوفيّ 10 سنوات من الأقدمية الفعلية في الحزب، وأن يكون قد سبق أن تحمّلَ مسؤولية في الأجهزة الوطنية التنفيذية أو التقريرية للحزب، أو في جهاز تنفيذي جهويّ أو إقليمي. وتعتبر الأقدمية والمسؤولية بالنسبة إلى الملتحقين في الحزب الذي التحقوا منه. ويشترط أن يكون المرشح مقيدا في قائمة العضوية الحزبية، وأن يوجد في وضعية تنظيمية بالنسبة إلى التزاماته المالية الناتجة عن العضوية أو عن تولي مهام انتدابية أو تمثيلية باسم الحزب، وألا يكون قد صدر في حقه إجراء تأديبيّ لم يسقط بالتقادم، وألا يوجد في حالة تنافٍ مع مهمة الكاتب الأول، وألا يكون قد استوفى عدد الولايات المسموح بها.
هؤلاء لم يستوفوا الشروط القانونية
السالك لبكم (عضو اللجنة الإدارية) مستشار في المجلس الإقليمي لأسا، ترشّحَ للانتخابات الجماعية لسنة 2009 باسم حزب التقدم والاشتراكية، لم يلتحق بالاتحاد الاشتراكي إلا خلال التحضير للمؤتمر الأخير.
رقية الدرهم (عضو المكتب السياسي) كانت مرشحة خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2007 في المرتبة التاسعة ضمن اللائحة الوطنية للنساء للحزب العمالي. تعرّفَ الاتحاديون على رقية الدرهم خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2011، حيث قادت بديعة الراضي والسعدية بن السهلي، زميلتاها الآن في المكتب السياسيّ، حملة احتجاج مشهودة على فتح الله ولعلو الذي كان حينها مكلفا بترشيحات النساء في تلك الانتخابات، ضدا على احتلال رقية المرتبة الثالثة في اللائحة الوطنية.
عبد الوهاب بلفقيه (عضو المكتب السياسي) رئيس بلدية كلميم، سبق اتهامه بتهريب الوقود المدعم.. ترشّح خلال انتخابات تجديد الثلث في مجلس المستشارين باسم رابطة الحريات، لم يلتحق بالاتحاد الاشتراكي إلا خلال الانتخابات الجماعية لسنة 2009.
عزيز لعلج (عضو اللجنة الإدارية) نائب رئيس المجلس الجهوي للغرب شراردة، ترشح في 2006 لانتخابات مجلس الجهة على رأس لائحة مستقلة، وخلال الانتخابات التشريعية لسنة 2007 ترشح باسم حزب الاتحاد الدستوري، ولم يعد إلى إلى الاتحاد الاشتراكي إلا مع الانتخابات الجماعية لسنة 2009.
المختار الراشدي عضو اللجنة الإدارية) النائب البرلماني عن دائرة جرادة، التحق بالاتحاد الاشتراكي في 2011، قادما من الحزب الاشتراكي الموحد، بعدما قرّر حزبه السابق مقاطعة الانتخابات التشريعية الأخيرة.
محمد غدان (عضو اللجنة الإدارية) الكاتب العام السابق للشبيبة الاتحادية، التحق بحزب الأصالة والمعاصرة في مدينة وزان. ترشح باسم الاتحاد الاشتراكي في الانتخابات البلدية لسنة 2009، ثم غادر الاتحاد الاشتراكي نحو حزب الأصالة والمعاصرة، حيث تم اختياره منسقا إقليميا لهذا الحزب في وزان، واستمر في هذا الموقع إلى أن حين بدء التحضير لمؤتمر الأخير،.
الحبيب أنازوم (عضو اللجنة الإدارية) رئيس مجلس جهة كلميم السمارة، التحق بالاتحاد الاشتراكي في شتنبر من السنة الماضية، ليلة انتخاب مكتب الجهة، قادما من التجمع الوطني للأحرار.