منذ بداية صدور التقارير الدورية "لماروكمتري" الخاصة بنسب المشاهدة قبل أربع سنوات، والقناة الثانية تتفوق على القناة الأولى، لدرجة أن هذه النتائج لم تعد تفاجئ أحدا وكأن الأمر أضحى مسلمة تلفزيونية. آخر ملامح هذا التفوق ما كشفت عنه الأرقام الخاصة بالشهر الماضي والتي تبين حصول دوزيم على أكثر من 25 بالمائة مقابل 10 بالمائة فقط للقناة الأولى. فما سر هذا التفوق الدائم؟ دوزيم اليوم بتسيير أكثر ليبرالية وتنافسية وأقل التزاما "بإكراهات" الخدمة العمومية، رغم أنها من الناحية القانونية، قناة عمومية. هذا التماهي مع فكر ومنطق القطاع الخاص، يظهر بشكل جلي من خلال البرمجة القياسية اليومية للمسلسلات المكسيكية والتركية والكورية والهندية المدبلجة، مرورا ببرمجة بعض البرامج ذات الطابع السياسي والاجتماعي والثقافي بمواعيد تقل فيها نسب المشاهدة، هذا في الوقت الذي يحتكر الترفيه أكثر من 50 بالمائة من البرامج، في حين لا تتعدى هذه النسبة 30 بالمائة في القناة الأولى... وعليه تبدو كل التعديلات والتغييرات التي أجرتها القناة على الشبكة البرامجية في عهد المدير العام سليم الشيخ، محكومة ومبررة أكثر من أي وقت مضى، بمنطق تحقيق أعلى نسب مشاهدة، المرتبط بدوره بمنطق المداخيل الإشهارية، مادام الدعم العمومي قد انقطع عنها منذ ثلاثة سنوات وكاد يؤدي إلى إفلاسها.
عامل آخر يساهم في توسيع التفاوت بين القناتين، يتمثل في قدرة دوزيم على تسويق برامجها بطرق إعلانية مختلفة ومبتكرة مثل تحميل أغاني جينيريك بعض المسلسلات والمسابقات المختلفة عبر الرسائل القصيرة، وغيرها من الطرق التي تحقق تفاعلا بين القناة ومشاهديها. هذا دون إغفال بعض الملاحظات الشكلية المرتبطة بجودة الصورة والصوت وفي جمالية الإلباس. أما القناة الأولى، فتكاد لا تتواصل ولا تسوق منتوجاتها التلفزية. فالصمت، يكاد يكون خيارا استراتيجيا في دار البريهي. وحتى عندما تكسر هذه القاعدة ويختار مسؤولوها الخروج عن صمتهم، تكون المبادرة مرتبطة بانفعالات اللحظة أكثر من كونها دليلا على سياسة انفتاحية دائمة في الزمن كما حدث مؤخرا في قضية الصحافية "حورية بوطيب".
دار البريهي، "مثقلة" بتدخلات الحكومة، أكثر من القناة الثانية، إذ فرضت عليها التفريخ المتتالي للقنوات دون أن توفر لها أبسط شروط إطلاقها.
دار لبريهي منشغلة أيضا بهمومها الإدارية والاجتماعية أكثر من تدني نسب مشاهدة قنوات باقتها، لأن دعم الدولة يبقى مضمونا ما دامت مداخيلها الإشهارية لا تتجاوز 260 مليون درهم، أي أقل بمرتين مما تجنيه دوزيم.