فتح حديث المدير العام للقناة الثانية سليم الشيخ عن واقع الإشهار وتأثير الأزمة العالمية على عائدات دوزيم، فيما يتعلق بالإشهار، في الندوة التي نظمها الأسبوع ما قبل الماضي، النقاش حول أسباب هجرة الوصلات الإشهارية المغربية «التلقي» ( لأنها شركات عالمية)، إلى فضائيات عربية، وتداعياتها على السوق الإشهارية الوطنية وتأثيرها على سيرورة القنوات المغربية الحالية وتهديدها لقرار منح تراخيص تلفزيونية جديدة فيما يستقبل من قادم الأيام. فقد أقر المدير العام لدوزيم سليم الشيخ، بانخفاض عائدات الإشهار بنسبة تتراوح بين 10 و15 في المائة خلال هذه السنة. وبرر سليم الشيخ هذا الانخفاض، بتداعيات الأزمة المالية التي يشهدها العالم منذ نهاية العام الماضي، الأزمة التي مست كل القطاعات، ولم تستثن في ذلك المجال التلفزيوني، كما ربطها الشيخ بالمنافسة. وسلط سليم الشيخ الضوء على هجرة الإشهارات المغربية إلى بعض القنوات العربية، حينما أكد أن أربعة منتوجات بالدارجة المغربية وصلت إلى فضائيات عريبة لم يسمها. وفي الوقت الذي لاحظ فيه المتبعون استمرار هجرة الوصلات الإشهارية إلى الفضائيات العربية من بينها إم بي سي الثانية، تقدم وصلات إشهارية («أولويز، أرييل، جيليت»...) بالدارجة المغربية، بررت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري تعليق منح تراخيص الدفعة الثانية من استغلال خدمات تلفزيونية، بما أسمته ضرورة حماية القطاع الإشهاري، على ضوء تداعيات الأزمة العالمية، و حاجة إلى الحفاظ على التوازن بين مختلف المتعهدين في المجال على المدى القصير والمتوسط، بناء على التبرير المقدم حول أن خلق أي تلفزيون وطني جديد يشكل خللا في توازن القطاع. و بين الإشهار المهاجر ( مْزابّي بعيد) وبين حاجة السوق الإشهارية الآخذة في التراجع، وبين هيمنة الإنتاجات الهندية والمكسيكية والمصرية على الشبكة البرامجية في القناتين الأولى والثانية، يطرح السؤال: من يحمي إشهاراتنا من الهجرة إلى فضاءات بعيدا عن تلفزيوناتها المفترضة؟. في هذا الإطار يعتبر الناقد والباحث التلفزيوني مصطفى المسناوي أن اتخاذ الإشهارات المغربية لوجهة أخرى أمر عاد ومبرر، على اعتبار أن الإشهارات تلاحق المتلقي أينما وجد.وبناء على الإحصائيات- يضيف المسناوي- ونسب المتابعة الخاصة بماروك ميتري، فنسبة المشاهدة انخفضت في القنوات المحلية، في الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة متابعة الفضائيات العربية بشكل كبير، وتبعا لذلك فالمستشهر يقدم مادته الإشهارية، حيثما وجد المشاهد، لاسيما أن الإشهار مرتبط بشركات متعددة الجنسيات وعابرة للقارات، فرغم أن الإشهارات موجهة للمشاهد المحلي، فإن الشركات المنتجة لها ليست بالضرورة مغربية. والمفارقة - برأي المسناوي- تتجلى في أن حرص القناتين الأولى والثانية على إرضاء المستشهر، لا يواكبه اعتراف هؤلاء بالجميل، حيث تعتمد القناتان في برمجتهما السيئة على وضع الإنتاجات التي يطلبها المستشهرون في وقت الذروة، حتى إذا أدى ذلك إلى تغيير برامج القناتين، كما حصل مؤخرا في دوزيم، حيث أخر بث البرامج الحوارية والسياسية الهادفة ووضع المسلسلات الأجنبية بدلها، بدعوى أن الشركات الأجنبية تطالب بذلك، وبالبرغم من ذلك يهرب المستشهرون بإشهاراتهم إلى الفضائيات العربية والأجنبية في مطاردة حثيثة للمشاهد المحلي. ويرى المسناوي أن الشركات الإشهارية يهمها ارتفاع نسبة المشاهدة، لكن الاختلالات تتضح على مستوى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وهي الاختلالات المرتبطة بعدة معطيات. أولها- يضيف المسناوي- أن القناة الأولى والثانية قناتان عموميتان، وتعتمدان في ميزانيتهما على المداخيل المتأتية من جيوب المواطنين، لكنها تعملان على تنفير المشاهد، كيف؟ لأنه من الثابت على المستوى العالمي في ظل هذا الانفتاح الخارق أن ما يحظى بنسبة المتابعة هو المنتوج المحلي، إذ في ظل تعدد اختيارات المشاهدة، يميل المشاهد إلى المنتوج، المحلي الذي يكاد يكون قليلا جدا في القناتين معا، إذ هناك تفضيل قوي للمنتوج الخارجي الذي يمكن العثور عليه في فضائيات أخرى. ويضيف مصطفى المسناوي أن الإنتاجات المحلية أكثر كلفة من الإنتاجات الأجنبية، لأنها تنتج وتبث لوجهة واحدة، دون إمكانية لترويجها في الخارج، وهذا معروف ويفترض التحلي بروح الوطنية والتضحية من أجل المشاهد، أما بث أعمال أجنبية، والقول إنها لا تكلف كثيرا، بالمقارنة مع إنتاجات وطنية، فهذا منطق غير مقبول إطلاقا. وفي السياق ذاته اعتبر المسناوي، أنه حينما يقرر إنتاج عمل تلفزيوني ولا تخصص له الميزانية الكافية، فإن ذلك يجعل القناة المنتجة غير قادرة على المنافسة، وبالتالي تساهم في هروب المشاهد إلى قنوات عربية وهروب المستشهر معه. وإذا كان الحرص على جذب مستشهرين وضمان وفاء آخرين أساسيا وحيويا، فهذا لا يلغي النقاش حول مراقبة مضمون الإنتاجات الإشهارية، في هذا الإطار، اعتبرت فوزية العسولي رئيسة الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة أن الوصلة الإعلانية «بروتيكت أند كامبل» قدمت المرأة المغربية بشكل مشوه ومنحط ومختلف عن واقع المرأة المغربية، وأكدت أنها راسلت الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري والوزير الأول، ووزيرة التنمية ووزير الاتصال والعدل لإيقاف المادة الإشهارية التي تسيء برأيها إلى العمل النضالي النسوي، وتسيء في الوقت ذاته إلى العمل الصحفي، توافقا مع ميثاق تحسين صورة المرأة الذي وقع سنة 2006 التي حملت على عاتقها النضال من أجل إصدار القوانين الإصلاحية والانخراط في مجتمع حداثي ديمقراطي، تكون فيه المساواة أمرا أساسيا. وفي الوقت الذي لم يتسن أخذ وجهة نظر فاطمة خير التي ظل هاتفها يرن دون إجابة، أضافت فوزية: «ولكن للأسف أن الوصلة الإشهارية تعاملت مع المرأة بعدوانية وأشعرتها بالحيف، هذا الإشهار الذي تجسد فيه فاطمة خير دور الصحفية يضرب المرأة والعمل الصحفي، وهذا خطير جدا، من جهة أخرى وفاطمة خير تقدم برنامج «أسر وحلول» الذي يحاول أن يقدم خدمة مجتمعية، في حين أن الوصلة الإشهارية تسيء للمرأة، فأي خلط هذا». وطالبت فوزية، بالبحث عن آلية تحمي المرأة من كل أشكال العنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف الرمزي الذي يتأسس على تشييئها وتبضيعها، كما طالبت بالبحث في هوية الشركة المسؤولة عن هذا المنتوج الإشهاري. وفي انتظار قرار الهاكا، نذكر أن الأخيرة اتخذت مجموعة من القرارات المتعلقة بالوصلات الإشهارية، من بينها القرار القاضي بإيقاف منتوج «طاكير» الذي اعتبره البعض يسيء للعلاقات بين التلميذ والأستاذ، كما تدخلت لمنع وصلة إشهارية تشجع على السرعة في القيادة.