حتى لا تفقد حركة عشرين فبراير روح " الثورة " الدائمة لابد لها من عقل ثقافي ، هكذا أتصور حياة مستدامة للحركة كاستمرار لحركة التحرر والانعتاق من البؤس والذل كتداعيات للفساد والاستبداد ، حركة مستقلة عن الأفراد وعن المبادرين اليها وعن السياسة الجاهزة القوالب والمسبقة النوايا حركة مستمرة في الزمان والمكان كمجال مركب تماهيا مع الفضاء العمومي وبديلا عن المجال السياسي المغلق والمحتكر منذ عقود من قبل صانعي القرار الأمني والسياسي ومريديهم في غرف التسجيل ومنابر الولاء المزيف والمتزلف المتنكر وراء قناع المعارضات البناءة أو الراديكالية ،حركة أريد لها أن تكون مجرد فتيل للقلاقل والشغب وإحراق للمتلكات والتراكمات والمكتسبات ، حركة غبنت في حقها في جني ثمار الكفاحات والتضحيات ،سرقت منها ،في آخر التحليل ،مجهوداتها التي لم تكن تبغي فقط " تحسين شروط العيش " و لاهي رفعت شعارات فئوية شوفينية أو قطاعية ،بل كانت تروم التغيير الحقيقي للبنيات القائمة ومن داخلها نفسها ،وذلك بمطالب محددة السقف لكن مفتوحة على آفاق واضحة المعالم وبمنهجية دمقراطية تشاورية وبسلاح الحوار السلمي الحضاري ،ولم تقع في شرك صقور المقاربة الأمنية ،فصار التعبير السلمي بالتظاهر الناضج والعقلاني مكسبا للوطن والديموقراطيين ،ورفع الخوف الملازم كعلاقة سببية للقمع الى درجة صار معها مطلب تحصين التظاهر السلمي مرادفا لتقديسه ،مادام يقي شبابنا من رعونة إختيار التطرف ومن إغراء "الاستشهاد " من أجل فردوس موعود أو مفقود .وكم يحلو أن أستعير من أستاذي عبد السلام بنعبد العالي عبارته المأثورة " كيف يمكن لحركات الاحتجاج أن تسير نحو التاريخ ؟" لأستلهم معناها وجدواها في تقييمي لحركة عشرين فبراير ؛فباطلاعي على "لائحة " الحضورالملتزم و المتواتر لبعض الفعاليات الثقافية في خضم الحراك الأسبوعي ، أتساءل دون أن أتأسف مادمنا دائما في نقطة بداية بدايات الثورة الهادئة ، عن مدى وجود رموز ومفكرين لكي تفرز لنا حركة نقدية موازية من أجل التقييم والتقويم مادامت الرسالة في آخر المطاف هي خلخلة الاعتقادات والتمثلات وإعادة النظر في كثير من الثوابت التي عاشت عليها أجيال سابقة (كما يقول بنعبد السلام ) " إعادة النظر في مفهوم السلطة والثورة والمثقف والجامعة ومنطق التاريخ ومفهوم التناقض ..." فهل من قدرة لتحويل "الحركة " الى هزة اجتماعية وفكرية وسياسية وثقافية عميقة بدل أن تقتصر على ردود الأفعال تجاه "قرارات " الدولة وضد استفزازاتها القمعية التي تروم تحريف المسار والأنظار ؟ وكيف ستمتلك " الحركة" بوصلة لمسيرتها دون مأسسة للميكانزمات التي تشتغل بها ،حيث المقصود بالمأسسة تأطير منهجيات العمل دون هيكلتها في شخص " قيادات " وقنوات تراتبية أو تنظيمية ؟ لذا ومساهمة مني في النقاش الدائر حول مصير "الحركة " ، أقترح المبادرة الى تأسيس آليات موازية داعمة للحركة في شكل جمعيات (في إطار ظهير الحريات العامة ) يكون دور كل واحدة (بالتخصص طبعا) على حدة :أولا حماية مبدأ التظاهر السلمي وتحصينه بالتحسيس والتعبئة بالقانون والتكوين وفق شعار منهجية تحصين الاحتجاج السلمي بحسن التدبير واعمال الحكامة الأمنية واقرار الأمن القضائي .والدور الثاني يعهد لإطار آخر يختص بالدفاع وحماية أطر الحركة بالعمل على المرافقة القانونية والقضائية والتأهيل الصحي والنفسي وإعادة الإدماج الإجتماعي بالنسبة لكل ضحايا الانتهاكات التي تتعرض لها "الحركة " ، ويبدو لي أن الحركة في حاجة الى حزام "أمني " ثقافي يؤشر لكل الخطوات العقلانية في الحركة ويثمنها وفي نفس الوقت يساهم في تنبيهها من المنزلقات حتى لا تفقد بوصلتها وتهدر نفسها "الثوري " وهذا الدور لايرتبط فقط بإطار ثقافي أو فكري وإنما يرتبط بغطاء سياسي مساند يوفر للحركة كل متطلبات اللوجستيك المادي والمعنوي والإعلامي ،ليبقى التذكير والتأكيد أن هذه الديناميات هي آليات موازية تعمل بمسافة ودون أدنى وصاية وإحتواء ،مما يستدعي المبادرة من خارج "الحركة " لكن بتنسيق مع روادها وفق تعاقد افتراضي وضمني ولو بارادة منفردة لها كامل الحق والاستقلال دون تعسف في استعماله ، ولعل هذا ما يبرر على الأقل أهمية ضخ نفس جديد في الحركة دون المساس باستقلاليتها أو التأثير في توجهاتها الكبرى ،وبذلك تكون المبادرات الثقاقية /العقلانية مكملة للحركة وبمثابة " العقل " المحتضن /المحايد حتى لا تفقد روحها " الاستراتيجية " في المهد .