لا أحفظ الكثير من الود للشرطة، منذ نعومة أظافري، تعرفت على رجل الأمن الذي يخيفني، إذ كان يهددني والدي بالمناداة عليه، وهو كان جارنا، كلما أراد معاقبتي، كما أنه أضحى رمز القمع السياسي، حين بدأت بنات الأفكار الشقيات، المنتميات للرفض والتمرد تجتاح عقلي الصغير، لأعيش بعض فصول ما كنت اعتقده، لحظة تورط غير مقصود في خطأ كان سببا في زيارة مخفر الشرطة وبعدها غيهب السجن... ورغم ذلك، حين أستحضر القليل من المنطق الذي يحضرني، أعتقد أن لرجال الأمن دور حيوي في القليل من الاستقرار الذي نعيشه، وأن وجودهم ضروري، كي لا يعيث فينا اللصوص وقطاع الطرق والنصابون والمحتالون وغيرهم من المجرمين فسادا، كي يؤمنوا أمننا ونشعر بوجودهم بالاستقرار والطمأنينة...
بشكل أكثر عمومية، يتبدى لدى الجميع، مفهوم الدولة في رجل الأمن، فتكون الدولة متسلطة وفظة حين يكون رجل الأمن كذلك، وتكون إنسانية، وعادلة وديمقراطية، حين تنتشر هذه القيم وسط البوليس، فتجدينهم في خدمة الشعب لا في استخدامهم...
مناسبة القول، إعدام الدولة الذي أُقترف في مهرجان موازين، ليلة الجمعة، في المنصة التي كان يحي فوقها الفنان الأمريكي "بيت بول" حفله، والتي كان يحضرها الأمير ابن ملك البلاد...
فحسب مواقع الكترونية (لكم)، تم الاعتداء على والي الأمن بالرباط، من طرف شابين يحملان أسماء عائلية رنانة، طرحاه أرضا، وأشبعاه ضربا مبرحا، لم يفلت من قبضتيهما إلا بتدخل قوات الأمن، التي طبعا اعتقلتهما...
الشابين كانا وراء إلقاء عقب سيجارة سقطت على السجاد الذي يجلس فوقه الأمير...
الأمير يجلس طبعا فوق كرسي وثير، لا شك في ذلك، والكرسي فوق السجاد...
الأمير، هو إبن الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى...
إلقاء عقب السيجارة أمام أي مواطن هي حركة إهانة، فما بالك إن ألقيت أمام الأمير...
بعدها بدقائق، أُطلق سراحهما، أمام دهشة رجال الشرطة، وانهيار الوالي، الذي بكى حرقة واهانة... بكى، لأنه ربما كان يؤمن بالدولة التي يمثلها، وهو يحاول نهر الشابين النزقين، اللذان إهانة إحدى رموز الدولة، بإلقاء عقب سيجارة فوق السجاد بمحاذاة الكرسي الذي يجلس عليه ...
ثم بكى، لأنه حين اعتقل رجاله الشابين، كان يعتقد أنه يحافظ على هيبة الدولة التي يمثلها بزيه الرسمي، و بوظيفته التي كان يزاولها على العاشرة ليلا... ثم بكى لأنه أحس في قرارة نفسه، أن هاته الدولة التي يحمي هيبتها، لا تحميه...أحس ربما أن الشابين ينتميان لشريحة لم ينحدر منها، وأنه ربما لا يحمي الدولة سوى من أبناء شريحته، من أبناء الفقراء...
كارثة منصة السويسي فارقة في مقاربة الدولة لمسألة الأمن، نوع من الانحياز لطبقة معينة (بالمفهوم الماركسي الأكثر راديكالية للطبقة)، بدائية الدولة حين كان الاستغلال يتشكل كعلاقة اجتماعية أصبحت اليوم مرفوضة بالمطلق...
ما السبيل كي تزهر كرامة والي الأمن في روحه؟ كي يلج مكتبه في الطابق السادس من إدارته، يطل على كل منطقته، ليستتب الأمن فيها، بين فقراءها وأغنياءها... كيف لي أن أصدق أن الدولة تمثلني، كما تمثل الشابين النزقين اللذان أهانني، وهما يهينان جدار الأمن فينا...
حين لا يسلم والي الأمن من بطش الأغنياء، ليس لنا نحن الفقراء سوى التسلح بالهراوات كي نحمي أنفسنا، ليس من الأمن، الذي يعتبر أفراده من أبنائنا، لكن من هؤلاء الذين يعتبرون أن المغرب لهم وحدهم، وأن الدولة، بأميرها وملكها، حكرا عليهم وحدهم...