منذ سنوات وأنا أدخن كقطار قديم، لكني لم يسبق لي أن جربت الشيشة، بسبب رائحتها التي تدوخني وتلوي مصران بطني. عندي حساسية منها، وأتأسف لأني محروم من نعمتها، فهي تسمح لمن يشربها بلقاء فتيات جميلات في المقاهي مدمنات عليها، ولولا تلك الرائحة لخضت التجربة ودخنتها، ما دام أنه لا فرق بينها وبين آلاف علب السجائر التي استهلكت، هما معا يؤديان رأسا إلى موعد في نهاية المطاف مع السرطان.
لقد أصبحت الشيشة موضة في السنوات الأخيرة، وأكثر من مرة اضطررت إلى الذهاب مع أصدقاء لي إلى المقهى متحملا عواقب ذلك على معدتي، وهناك أرى ما تحدثه من أثر في المدمنين عليها، يعتقدون أنفسهم فوق سحابة وهم يمجون خرطومها الطويل، ورغم الخصومة التي لي معها، أتفهم نشوتهم وأتضامن معهم في محنتهم هذه الأيام، نتيجة حملة إغلاق مقاهيها.
كما فهمت منهم، هناك فرق بين أن تدخنها في البيت وفي المقهى، الأمر أشبه بطقس حرموا منه وسيعانون طبعا إذا لم تتراجع الحملة الأمنية على المعسل.
رغم أن الشيشة تباع مثل السجائر، يعتبر مستعملوها مخالفين للقانون، حين تداهمهم الشرطة و تلقي عليهم القبض بجريرة مصمصتها، كأنهم يحملون قنبلة قابلة للانفجار. إنها قصة مضحكة أن يخرج متظاهرون في سلا ضد قرار إغلاق المقاهي، وقد يهدد بعضهم بإضرام النار في أجسادهم لو استمر هذا القمع الذي تعرضوا له، ومن المحتمل أن يؤسسوا نقابة للدفاع عن حقهم في الشيشة، كي لا يكونوا وحدهم ضحايا الربيع العربي.
ربما لا تستوعب الحكومة الأثر الذي يمكن أن ينتج عن هذا المنع، وما قد يترتب عنه من قلاقل نحن في غنى عنها، ولو اتحد المتضررون الذين يعدلون مزاجهم العكر كل يوم بالشيشة وآلاف السكارى الذين لم ترقهم ضريبة الخمور والزيادة الصاروخية المرتقبة في ثمن البيرة والنبيذ وباقي أنواع الخمور، فإني أتوقع أن تقوم ثاني ثورة للحشاشين والمسطولين وعشاق الدوخة، وأن تخرج مسيرات حاشدة يفوق حجمها مسيرتي القدس في الرباط والبيضاء، وسيظهر حزب جديد مرشح لاكتساح الانتخابات القادمة، برنامجه هو الدفاع عن حق المغاربة في تنشيط الدماغ.