لا يرغب أي حزب مغربي في أن يبدي استغرابه من حجم الفساد المتفشي بين المنتخبين. لا يرغب أي حزب أن يعارض الفساد. ويركب عليه. ويستثمر فيه. ويبني عليه خطابه السياسي. ومعارضته. ومستقبله. وهدية كهذه. لا يمكن أن يدعها حزب طبيعي تفلت منه. وفي بلد طبيعي. وفي ديمقراطية طبيعية. وفي صراع سياسي طبيعي. كان الكل سيكون ضد الفساد. وضد المتهمين به. وضد أحزابه. إلا أن الوضع مختلف في المغرب. إذ تبدي معظم الأحزاب احتراما مبالغا فيه للفساد. وتوقيرا له. ولا حزب من الأحزاب قال مع نفسه هذه هي فرصتي. وعلي أن لا أضيعها. وهذا هو التوقيت الأفضل لأبني نفسي من جديد. وأستعيد شعبيتي. وتأثيري. لا أحد يقدر على ذلك. أو يرى أنه مؤهل. للقيام بهذه المهمة. لا أحد يرغب في ذلك. لا أحد يريد أن يربح من الفساد. لا حزب من الأحزاب رأى أنه الوقت المناسب ليرفع شعار محاربة الفساد. والوقوف ضد أحزابه. وفضحها. لا حزب من الأحزاب يرى نفسه نقيا ومؤهلا للقيام بهذا الدور. و رغم أن الفساد صارخ. ومفضوح. وكثير. ومفزع. وفي القيادات. وفي التسيير. وفي المدن الكبيرة. فالأحزاب المغربية ترفض أن تعارض. وتمتنع على أن تستغل ما يحدث في الأصالة والمعاصرة. ولا تحرك ساكنا. ومن يفعل ذلك. فبخفر. وبهمس. كي لا يسمعه أحد. وكي لا يساء فهمه. وكي لا يتهم بأنه ضد الفساد. وضد أحزابه. وضد المتورطين. ويحسبها جيدا. و ربما يعتبر أن هذه المتابعات. وهذه الحملة. لن تعمر طويلا. وبعد ذلك سيعود الوضع إلى ما كان عليه في السابق. ومن انتقد الفساد. ومن فكر في الاستفادة منه. وفي الظهور مظهر المحارب له. فسيكون حسابه عسيرا. وسوف يحرم من هذا القليل الذي يحصل عليه. وإلا كيف نفسر هذا التوقير للفساد. وغض الطرف عنه. وهذا الرفض شبه الجماعي للتواجد في المعارضة. وفي التميز. وفي ممارسة السياسة كما تمارس في كل العالم. وفي استغلال تورط الخصم السياسي. وتواجده في الأغلبية الحكومية. وبالمقابل. يبدو أن الأحزاب المغربية. أغلبية ومعارضة. متضامنة مع بعضها البعض. وهناك أخوة تجمع بينها. هناك اتحاد. وتلك التي في المعارضة غير مستعدة للاستفادة من سقوط أخ كبير لها. وهي الآن تسنده. وتقف إلى جانبه. قانعة. راضية. صامتة. مقتنعة أن أي ركوب على ما وقع. وأي إشارة إلى حزب الأصالة والمعاصرة. أو غيره. وأي ادعاء طهرانية. هي كلها خطوات غير مضمونة العواقب. و من لم يكن فيه فاسدون فليرم البام بحجر. ولذلك. لا يفكر أحد. على الأرجح. في أن يلعب دوره كحزب معارض. ولا في أن يغامر ويلعب ورقة الهجوم على المتورطين. وكل الأحزاب لطيفة. كل الأحزاب هادئة. وعاقلة. وغير مندفعة. كل الأحزاب المغربية تتفرج. ولا تنبس ببنت شفة. كأنها غير معنية. وكأن لا طموح لها. وكأن أخلاقها السياسية تمنعها من استغلال الفرصة. ومن اقتراح بديل سياسي يقطع مع الفساد.