هناك اعتراف مهم، يساهم في فهم أساليب اشتغال جزء من المعارضة، قدمه عبد اللطيف وهبي، القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، ورئيس فريقه السابق بمجلس النواب، في فورة رثائه لأحمد الزايدي. قال وهبي: «...قررنا معا (وهبي والزايدي) أن نناقش ماذا سنفعل، نحن المعارضة، في علاقتها بالأغلبية. واحد من المعارضة كان يُكرر بدون ملل: يجب عرقلة كل ما يقومون به». ويستطرد صاحبنا قائلا: «كانوا يفعلون نفس الشيء وهم في المعارضة. كان أحمد (الزايدي) لا يؤمن بالانتقام السياسي، الذي كان يعتقد بأنه بلادة تفتقر إلى حس مصلحة الوطن، معلنا دائما بأن الديمقراطية تقتضي أن نحترم أغلبيتهم كي يحترموا معارضتنا». مثل هذه الاعترافات تجعلنا نفهم جيدا كيف أن هذا النوع من المعارضين الذين يتربصون ببنكيران في المنعطفات المظلمة، ليوجهوا إليه اللكمات، غالبا ما تخطئ قبضاتهم وجهه لترتطم بالحائط، فتصبح معارضتهم كقبضاتهم «مبطولة». الآن، الكل يعرف بأن جزءا كبيرا من قوة الحكومة مرده ضعف المعارضة، المنخورة بالفساد وبالانقسامات. لذلك من الطبيعي أن تجد خطابها ضعيفا ومرتبكا. أما الحكومة فبدلا من أن تنكب على تحويل وعودها إلى إنجازات، تجدها تضيع وقتا مهما للرد على المعارضة ونشر فضائحها. هكذا أصبحت كل خطابات عبد الإله بنكيران مقسمة، بشكل منهجي، إلى جزأين: واحد للحديث عن إنجازات الحكومة وآخر عن «منجزات» المعارضة. أن يعترف وهبي بأن جزءا من المعارضة التي كان يقودها هو والراحل الزايدي في البرلمان- قبل أن يُبعدا كليهما من رئاسة فريقي حزبيهما بمجلس النواب- يشتغل بمنطق «عرقلة كل ما يمكن عرقلته»، هو اعتراف تُقابله اعترافات واتهامات سابقة لرئيس الحكومة، وعدد من أعضاء حكومته وحزبه لجزء من الحكومة الحالية بالتورط في الفساد. يعترفُ معارضون بأن جزءا منهم يعمل بمنطق فاسد: منطق «الانتقام السياسي» و«عرقلة كل ما يمكن عرقلته». ويعترفُ أعضاء في «الحزب الحاكم» بأنهم اضطروا إلى عقد تحالفات مع أحزاب طالما كالوا لها الاتهامات بالتورط في الفساد! فهل سيتطور المشهد السياسي في المغرب نحو فرز غير إيديولوجي، على قاعدة: «فاسدين» و«غير فاسدين»؟ مادام المحدد الإيديولوجي لم يعد له أي دور في ضبط التنسيقات والتحالفات والتكتلات؟ فالتحالف الذي قاده «البام» قبيل انتخابات 25 نونبر 2011، حشد ليبراليين ويساريين وإسلاميين ضد إسلاميين. كما أن الحكومة مشكلة من إسلاميين وليبراليين وشيوعيين، والمعارضة من اشتراكيين وليبراليين وإسلاميين. من ناحية أخرى، إذا كان أمين عام حزب العدالة والتنمية أصبح يؤكد باستمرار أن حزبه ليس حزبا إسلاميا، ومدير جريدة «العلم»، عبد الله البقالي، يؤكد أن حزب الاستقلال حزب إسلامي، وأمين عام التقدم والاشتراكية يقود وفد الحجيج إلى الديار المقدسة، والأصالة والمعاصرة يسمح له اسمه الفضفاض بأن يجمع بين يساريين وإسلاميين، والشيخ حمزة البوتشيشي يقول للاتحاديين الذين تدروشوا: إن «الاتحاديين لو أدمجوا في مخططاتهم أفكار الأنوار الربانية لكان حزبهم ارتقى أعلى درجات»، وعبد الله القادري يقول إن حزبه كان سيكون اشتراكيا لولا أن الحسن الثاني أشار عليهم بتسميته بالحزب الوطني الديمقراطي بدلا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي... والحالة هاته، وبما أن الأحزاب والبرامج أصبحت متشابهة، والحكومة والمعارضة تتسابقان للتمسح ب»أعتاب صاحب الجلالة»، فتجدهما تبحثان، عقب كل خطاب ملكي، عمّا إذا كانت هناك إشارات للرضا عن الحكومة أو النقمة عليها، فإن ما يلوح به الأفق الحزبي يشي بأن تقنوقراط الأحزاب هم الأوفر حظا لقيادتها مستقبلا، بعد فشل تجربة الزعيم الشعبوي. لقد أصبح الحِجاج السياسي إما تقنيا أو أخلاقيا، يناقش الأرقام أو يكيل الاتهامات بالفساد. كما أصبحت الإيديولوجيا لعبة بيد الشبيبات الحزبية تلوكها في شعارات مع شارة النصر... وإذا لم تعمل الأحزاب المغربية على تطهير صفوفها من الفاسدين الملوثة يدهم بالفساد المالي والانتخابي، ومن ورثة الحقد الإيديولوجي، الذين يضمرون في أعماقهم بأن الاشتراكيين أعداء للإسلام، وأن الإسلاميين قتلة متورطون في دم عمر بن جلون، فإن أفق التدافع السياسي في المغرب سيظل شبيها بلعبة «بوليس» و«بّانضية» مع تفوق ل«البّانضية»، أي الفاسدين ماليا وسياسيا.