تعتبر الجامعات فضاء للتحصيل الدراسي و البحث العلمي, و هي بمثابة مرحلة استثمارية للمهارات التعلمية التي تلقاها الطلبة في المدرسة الإبتدائية و الإعدادية و الثانوية, و بذلك يصير مفهوم الجامعة كتأطير راشد إن صح التعبير يقوي ملكات الطلبة بدراسات معمقة حسب الإختصاص من جهة و يواكب نضجهم الفكري مما يولد أفكارا إبداعية و اختراعات جديدة تدفع الحضارات نحو التقدم المنشود و توصلهم إلى ضفاف المستقبل المتقدم بخطى حثيثة من جهة ثانية. و لاشك أن رسالة الجامعة عبر العالم موجهة بشكل جدي نحو الحكومات و السلطات و المجتمع المدني لإذكاء صبغة ديموقراطية عن طريق المشاركة في البناء التكنولوجي و الإنساني و الإقتصادي و الإجتماعي, خاصة أن طلبة الجامعات عبر العالم يمتازون بالثقافة الواسعة و الرغبة الملحة في الإسهام بمعارفهم في مجالات شتى. و جدير بالذكر أن دور الجامعة بالغ الأهمية, و لا ينحصر في تثقيف الشعوب فقط, بل يتعداه إلى تكوين رجالات الغد ممن ستُسند إليهم زمام الأمور و مصائر البلدان, لذلك فإن ترتيب الجامعات بالعالم يتم وفق تقييمات تُجرى لقياس مدى تأثيرها في صناعة رجال الغد, و كيفية التحصيل إضافة إلى أدوات التدريس دون أن أنسى محتويات المقررات الدراسية التي تصنع خريجين في المستوى المطلوب أو مجرد مقلدين لا يحسنون إعمال الفكر أكثر من القص و اللصق, ثم إن دراسات تُجرى حول متابعة الطلبة بعد التخرج تؤكد مدى ملائمة المحتوى المدروس مع الكفاءات المطلوبة في سوق الشغل أو التي تأتي ضمن أولويات الدولة من حيث الخصاص في قطاعات معينة. و إذا كان دور الجامعة ينحصر فيما سلف ذكره آنفا أو يتعداه إلى المحافظة على الموروث الثقافي للبلدان أو أي غاية نبيلة تهدف إلى تثقيف الشعوب و تحضر الدول و ازدهارها, فإن الجامعة المغربية للأسف الشديد تختزل كل المقاصد السامية للجامعة في اتحاد وطني لطلبة المغرب. اوطم الذي أنشئ سنة 1956 أعلن من ضمن أهدافه النبيلة محاربة الإستعمار الثقافي و نشر الثقافة الوطنية كشعار متبنى لإخفاء الهدف الحقيقي الذي كانت الدولة تسعى إليه آنذاك و هو تفرقة الطلبة إلى جماعات و فصائل حتى تسهل السيطرة عليهم, لكن يبدوا أن أوطم لا يستوعب الأمر حتى الآن و ظل يظن أن كل الأنشطة الطلابية التي تقوم بها جماعة على حساب أخرى و فصيل طلابي على حساب آخر هي من بين الأهداف المرسومة و النبيلة. لو عاد هؤلاء الطلبة إلى المرحلة التأسيسية لأوطم و قارنوا بين الشعارات المتبناة آنذاك و بين ما حدث بعد التأسيس لتوقفوا على أخطاء جسيمة و صراعات دموية خلفت ضحايا و خسائر في الكفاءات, لازال المغرب يدفع الثمن إلى اليوم جراء ذلك. منذ التأسيس سيطر الفصيل اليساري على زمام الأمور و ظل ينشر الفكر الماركسي و الإشتراكي و الشيوعي إلا أن انقلبت موازين القوى لصالح الإسلاميين الذي عملوا بكل ما أوتوا من جهود من أجل إجهاض كل فكر حر و دأبوا على نشر ثقافة الكراهية للمخالف و نبذ الإختلاف الثقافي و إقصاء الآخر. فهل يتوافق شعار أوطم المتبنى إبان التأسيس (محاربة الإستعمار الثقافي و نشر ثقافة وطنية) مع أنشطته المتعددة بعد التأسيس؟ و هل ثقافة الوطن تحوي الصراعات الدموية من أجل لاشيء و هل الفكر الماركسي من ثقافة الوطن, بل كيف يمكن لبلادنا أن تتبنى ثقافة إسلامية متطرفة لدرجة التصفية الجسدية لبعض الطلبة المخالفين. إن أعمال العنف و الشغب أضحت سمة من سمات جامعاتنا, و أصبحت العصي و الهراوي و السيوف و السكاكين من بين وسائل الإقناع و الحوار بين الطلبة في يومنا الحاضر, ما يدفعنا للسؤال: ما مدى أهلية الطلبة المغاربة لولوج حرم الجامعة؟ و هل فعلا أن الثانوية المغربية تفرز مستحقي متابعة الدراسة الجامعية؟ أم أنها تمنح شهادة الباكالوريا للمجرمين و المنحرفين ذهنيا. لقد طغى العنف على الحوار على المتقدمين إلى أن صدق المتأخرون أن لغة الجامعة في عنفها و أن لا مكان فيها للسلم و السلام, حتى كأني أشبه الفصائل الطلابية بقبائل متوحشة تنتظر أن تظفر بأحد من القبائل الأعداء حتى تنهش لحمه و تكسر عظامه و ترسل رأسه إلى زعيم قبيلة الضحية لإشاعة الإرهاب في نفوسهم و إخافة جندهم و تجبين مواليهم. أي مستوى ذاك الذي يدفع الطالب إلى صرف اهتمامه عن هدفه من التواجد داخل الحرم الجامعي نحو هدف آخر يتجلى في تكوين عصابات مدججة بأسلحة بيضاء لإرهاب الطلبة و العاملين داخل المؤسسة الجامعية؟ بل أي مستوى ثقافي لهؤلاء الطلبة الذين يضربون بعرض الحائط مؤسسات الدولة و قوانينها و ينشؤون قوانينهم و محاكمهم داخل الجامعات؟ و كأن البلاد تسير بلا مقود و بلا قوانين تؤطر تحركاتها. هؤلاء الطلبة يشنون حربا هوجاء على الدولة و مؤسساتها, و يشوهون صورة الجامعة و أهدافها النبيلة بنشرهم للرعب و الإرهاب داخل فصول الدراسة و بين أسوار المؤسسات التعليمية, ماذا نتنظر كمستقبل لبلد يتربى رجال غده على هذا النحو الإرهابي و بهذه الكيفية العرجاء؟ كيف ستزدهر دولة و كل مسؤوليها بلا مبادئ و لا أخلاق, بل كيف سيتقدم بلد و جميع مسؤوليهم إرهابيون أو تربوا وسط الإرهاب؟ إن الوعي الحقيقي هو الذي يدفع صاحبه إلى التفكير بالعقل التحليلي و اختيار القرارات الصائبة عوض استخدام العقل الإنفعالي في ردود أفعال قد لا تحمد عقباها. ما الذي يدفع هؤلاء الطلبة -إن حُقّ أن نسميهم طلبة- إلى ممارسة إرهابهم في حق فتاة لا حول و لا قوة لها و يتم حلق شعرها و حاجبيها بطريقة وحشية حيث لم تُجْدِ توسلاتها في الإفلات من محاكمة إرهابية مقيتة, كيف لطلبة واعون أن يحكموا بإزالة ما تعتبره المرأة رمزا لجمالها و لأنوثتها بكل بساطة, هب أن هؤلاء من طلبة القانون و اسأل كيف سيتحمل أمثال هؤلاء مسؤولية القضاء ؟ بل كيف نؤمن الجهاز القضائي على العدالة إذا كان طلبة القانون يصدرون أحكاما جائرة بكل أريحية و بتباهٍ وسط أسوار الجامعة؟ لقد آن الآوان أن يستقيل وزير التعليم العالي لو كان يمتلك مثقال ذرة من مسؤولية, لكن كيف يستقيل ما تربع على كرسي يتلذذ بالجلوس عليه دون أن يحرك ساكنا, فربما ماتت النخوة و ضاعت النفوس الغيورة فما استقال حين وفاة الطالب الحسناوي و بعده الطالب الأمازيغي عمر خالق , فكيف سيستقيل الآن و قد حُلق شعر فتاة تُحسَب على وسط هامشي فحسب. هؤلاء المسؤولين المتربعين على رؤوس الوزارات نشأوا و سط الصراعات الجامعية فلا غرابة أن تُبنى كل قراراتهم و توصياتهم على الإرهاب و التطرف و ليس بغريب أن يدافعوا عن أنفسهم و لو كذبا عوض الإعتذار للمواطنين و تقديم استقالة تحفظ لهم ماء الوجه على الأقل, لكن هيهات أن يحكم المنطق عندما يعشق القلب الكراسي و تحكم العاطفةُ التصرفات.