عاشت الجامعة المغربية خلال الأيام الماضية واحدة من أسوإ الحالات ألما في تاريخ الفعل الطلابي عامة وموقع فاس خاصة، تجلت في استشهاد الطالب "محمد الفزازي" ذي ال 22 ربيعا، إثر تدخل أمني عنيف أخذه إلى المستعجلات منذ تاريخ 14/01/2013/ إلى أن لقي حتفه في نفس السرير الاستعجالي يوم 25/01/2013. الشهيد محمد الفزازي لمن لا يعرفه هو طالب كان على وشك نيل شهادة الإجازة في الأدب الإنجليزي، عرف بالأخلاق الطيبة والسلوك الحميد، نقش في ألواح صدره كلام الله تعالى، وكان انتماؤه للمسجد والمكتبة، وفق ما حكاه عنه أخوه المرافق له في الدراسة، "محمد الفزازي" هو واحد من أبناء هذا الشعب العميق الذي يراهن على شيء واحد اسمه الجد ثم الجد من أجل مستقبل أفضل، مستقبل يضمن له حياة كريمة تجعله يحس بالانتماء لهذا الوطن، ويعيش من خلال ذاك الانتماء لذة المواطنة. لم يكن "محمد الفزازي" وهو يودع والديه وأفراد أسرته، متجها لإتمام دراسته يعلم أنه سيعود إلى بلدته محمولا على أربعة سواعد.. هو ذاك تماما ما حصل، فقد قضى عليه من الله الرحمة في تدخل أمني عنيف جدا، تلقى من خلاله ضربات مباشرة على مستوى الرأس والجمجمة، حسب ما حكاه شهود عاينوا الواقعة، كانت كافية لأن تسلم الروح لباريها.. دفن محمد الفزازي عليه من الله الرحمة، غير أنه لم تدفن معه معاناة الجامعة المغربية وأزمتها المستفحلة، بل وسيزداد الوضع سوءا وألما كلما وقعت الضحايا واستحكمت المقاربة الأمنية في محيط الجامعات المغربية. وفاة الطالب "محمد الفزازي" يتحمل مسؤوليتها كل من أعطى الأوامر للتدخل الأمني بتلك الطريقة، كما يتحمل مسؤوليتها أيضا الأطراف الطلابية الفاعلة في الجامعات المغربية، إذ لا يمكن أن ننسى ونحن نتكلم عن حالة "محمد الفزازي" أن استشهادة لم يكن إلا نتيجة لنضالات عشوائية، غير مبنية على قواعد المسؤولية والوضوح، ولم تسلك مسلك التدرج في تصاعد الأشكال النضالية وتأكيد طابعها السلمي والمدني، إذلا يمكن أن نشبه حالة الاحتجاز للموظفين في الحي الجامعي سايس (موقع الحادثة المؤلمة) إلا بما يقوم به متشددوا القاعدة في المغرب الإسلامي من احتجاز للرهائن والمقايظة بهم.. في ظل هذا الوضع الخطير تأخذ أزمة الحركة الطلابية بُعدا يستوجب التساؤل عن دور الفصائل الفاعلة في دفع هاته الوضعية المتأزمة، ومدى إسهامها في العمل على توفير شروط حقيقية كفيلة بإعادة بناء أدواتها التنظيمية أولا، ثم النقابية والثقافية ثانيا. صحيح أن هناك خلافات معلومة في التصورات المؤطرة لمشاكل الجامعة بين مختلف الأطراف الطلابية الفاعلة، وفي اعتقادي أنه أمر طبيعي يوجد عند الطلبة كما يوجد عند غيرهم من الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني عامة، إلا أن هذه الخلافات لا يمكن أن تسلك مسلكا صحيحا يعيد للجامعة مكانتها وينحو بالطلبة منحى إيجابيا، مالم تبتعد تلك الفصائل مجتمعة عن نزعتها الحزبية والفكرية الضيقة وكذا عن الإقصاء المتبادل فيما بينها. إن هذا التحول الكمي الذي تعيشه الجامعة المغربية ( أكثر من 500 ألف طالب وطالبة ) ناهيك عن المعاهد الجامعية، هذا التحول الكمي مع ما ينضاف إليه من أزمة عميقة للمنظمة الطلابية " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" يفرض ضرورة على الأطراف الفاعلة في ذات المجال أن تجتهد في خلق أشكال جديدة للتأطير والتعبئة المعقولة الهادفة، وأن تعلم يقينا أنه لا يمكن لأي فصيل بمفرده أن يدعي قدرته على حل المشاكل الطلابية وحده وقيادتهم منفردا. إن أزمة "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" لا تعود أساسا لرغبة الجهات الرسمية في إقباره وعزله وإن كان ذلك واضحا، فالشرعية إن لم تكن " قانونية " بإمكانها أن تكون " جماهيرية "، وفي نظري أن أزمة أوطم تعود بالدرجة الأولى إلى التنكر للمبادئ التي ترتكز عليها أوطم وهي ( الديمقراطية والجماهيرية والاستقلالية والتقدمية ) فعندما يُغَيّب الفاعل الطلابي احترام مبدأ الديمقراطية، كركيزة أساسية تعطي للمنظمة الطلابية قوتها وإشعاعها وشرعيتها، يقود ذلك حتما إلى إبعاد الكفاءات وتهميش ذوي المؤهلات وعدم الاستفادة منهم، وهذا كله بالتأكيد يفضي إلى أزمة القيادة وهو ما يفضي بدوره إلى الارتجال والآنية السلبية في قيادة الطلبة، إذ لم يعد للأسف للطلبة قرار في اختيار ممثليهم، بل تم الاستهانة بمسؤولية القيادة التي أصبحت ميدانا لكل من أبان عن رغبة في ذلك، وتطوع لها ويكفيه فقط أن يحفظ شعارات طلابية ويرددها بحماس شديد ليكون قائدا ؟؟ وبطريقة حتمية يختل مع اختلال مبدإ الديمقراطية الذي تكلمنا عنه آنفا مبدأ " الجماهيرية" بصفة حتمية وضرورية، فتغييب الديمقراطية وإقبارها أدى إلى عزل الطلبة وتغييبهم في اتخاذ القرار والبث في الأشكال النضالية وانتقاء ممثليها، بل أصبحنا نرى أن (الطلبة المستقلون) أصبحوا مستعدون لتقبل أي ممثل متطوع دون تدقيق في كفاءته ودوافعه ونيته، بل لقد عايشت أشكالا نضالية يلتف حولها الطلبة فيسمعون ويتقبلون، دون أن يكون لهم أي رأي أو اعتراض فضلا عن أن يتخذوا القرار، وأيما رأي منتقد أو مخالف أو رافض، سيوصف بأنه تشويش أو فوضى ولربما خيانة حتى..، وجريا على هذا النحو الذي تُبنى عليه الأشكال النضالية الطلابية، يتم اتخاذ قرارات يبث فيها عشرات من الطلبة لربما لا تصل إلى المائة، تهم أزيد من 20 ألف طالب في جامعة معينة يسري عليها قرار ( مقاطعة الدروس، مقاطعة الامتحانات ، إخلاءات، اعتصامات.. ) غياب هذين العاملين ( الديمقراطية والجماهيرية ) غاب معها بآلية حتمية أيضا مبدأ ( الاستقلالية ) وهو أيضا من الركائز الأساسية التي تنبني عليها المنظمة الطلابية أوطم. ومعلوم تماما أن أوطم تتكون من خليط من الانتماءات الفكرية والحزبية، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تحقق استقلاليتها دون الاستناد إلى مسالك الديمقراطية والجماهيرية، فغياب تلك المبادئ الثلاث أضاف أزمة بنيوية معقدة على أوطم، هي أعقد وأخطر من الحظر القانوني أو التهميش الرسمي. كل هاته الأسباب البنيوية والذاتية نتجت عنها أزمات متعلقة بها، أخطرها أزمة " المقاربة الأمنية " التي تنتهجها السلطات المعنية في مقاربة الوضع الاحتجاجي بالجامعات المغربية، وقد أخذت طابعا رسميا و بشكل علني بعد أن أقدم وزير التعليم العالي " لحسن الداودي" على توقيع مذكرة أمنية مع وزارة الداخلية تمنح من خلالها لرؤساء الجامعات طلب التدخل الأمني كلما استدعت الضرورة لذلك، ومبدئيا لا بد من التحفظ على خطوة غريبة كهاته في حل أزمة الجامعة المغربية، ذلك أن المقاربة الأمنية لم تكن يوما ما أداة ذات جدوى للتنفيذ، أو طريقا لتطبيق الإصلاح التربوي، فلا يمكن بحال أن نجد خطّ التقاء بين القمع والتربية. إن أحد أوجه الفشل والارتجال هو غياب الديمقراطية وآلية الحوار، كأداة مؤدية إلى نتائج ملموسة يتم من خلالها التغلب على المشاكل كافة سواء كانت بسيطة ( ملف مطلبي ) أو كبيرة ( إصلاح تعليمي شامل ). إن الرفض المبدئي لأي تدخل أمني في الجامعة، والرفض للمقاربة الأمنية في حل الأزمات الطلابية، يوازيه تماما رفضي لكل أشكال العنف التي تصر بعض الأطراف الطلابية على أن تجعل منه الأداة الوحيدة لضمان وجودها واستمرارها، ضدا على التأطير الجاد، والبناء المعقول، والنضال الواعي، إنه لمن المؤسف والغريب تماما أن يستبدل الطالب الجامعي قلمه بسيف قاتل، وكناشه بزجاج حارق، ومحفظته بحجر دام، مؤسف جدا أن يدخل الطالب إلى الجامعة وقد تأبط شرا، يظهر من حاله وخطابه، إنها مظاهر مؤسفة جدا تبرر التدخل الأمني في الجامعة، كما تبرر الاعتقال السياسي والذي يذهب ضحيته في أغلب الأحيان طلبة لا ناقة لهم ولا جمل كما هو حال الشهيد محمد الفزازي.. إنها أزمة أخرى إذن اسمها ( العنف الطلابي الطلابي ) تنضاف إلى أزمة أوطم الذاتية، ذلك أن ممارسات ومواقف هذه العناصر تشكل الامتداد الموضوعي لسياسة القمع الأمني والتهميش الرسمي، وتسهم في إنجاح المخططات الرامية إلى إفراغ الجامعة من محتواها العلمي والمعرفي، وتجعلها قبلة يسود فيها الاقتتال والتناحر الفصائلي. هي بالتأكيد إذن أزمات مركبة ومعقدة تستدعي حوارا صريحا ومسؤولا، تنطلق من الحاضروتضع عينها على المستقبل، بين كل الأطراف المعنية سواء الحكومية، و الأمنية، و الحقوقية، والسياسية، والطلابية، دون مزايدات ولا حسابات سياسية، حوارا شاملا متكاملا يطلق دورة جديدة للنضال الطلابي الراشد والمسؤول، هدفه استعادة فاعلية الحركة الطلابية في تأطير عموم الطلاب والدفاع عن مصالحهم والمساهمة في النهوض الوطني والانتقال الديمقراطي للوطن. إن هذا الحوار البناء والمسؤول الذي ننشده يستدعي ضرورة توفير المناخ الإيجابي له، وفي تصوري أن المناخ السائد الآن لا يمكن أن يصلح لهذا الحوار المنشود والمأمول إلا بتوفير الظروف المناسبة له، سواء من طرف الجهات الرسمية والحكومية، أو من قبل الأطراف الطلابية، ولتوفير ذلك لا بد من : أولا : من الجانب الرسمي الحكومي : 1. إنهاء جميع مقتضيات المقاربة الأمنية واعتماد مقاربة سياسية وحقوقية مندمجة إزاء الجامعة. 2. صون حرمة الجامعة وإنهاء التدخل الأمني والمقاربة التحكمية في التعامل معها. 3. اعتماد الحوار كطريق وحيد في حل المشاكل الطلابية ومأسسته. 4. إنهاء حالات الاحتقان الأمني وعسكرة الجامعة في التعامل مع نضالات الطلبة وأنشطتهم. 5. الحماية الأمنية للطلبة في محيط الحرم الجامعي من عصابات السرقة والتحرش، والاعتداءات الجنسية، وشبكات الدعارة المنظمة والعشوائية المرابطة أمام المؤسسات الجامعية. 6. بناء أحياء جامعية وتوسيع الاستفادة منها، وتحسين خدمات التغذية والنقل الجامعي، والتطبيق الاستعجالي لتدابير التغطية الصحية والاجتماعية للطلبة، والعمل على تعميم المنحة، والزيادة أكثر في قيمتها بما يتناسب مع الارتفاع المضطرد للأسعار وتكاليف المعيشة والحاجة المتزايدة للبحث العلمي. ثانيا : من جانب المكونات الطلابية : 1. تحمل المسؤولية لوضع حد لظاهرة العنف بين بعض الاطراف الطلابية. 2. اعتماد الحوار كطريق وحيد لحل المشاكل الطلابية والنقابية، دون اللجوء إلى الإرهاب النفسي والجسدي. 3. ترشيد الفعل المطلبي على قواعد المسؤولية والوضوح ورفض المزايدة والاحتجاج السلبي. 4. التركيز على المطالب الواقعية والحساسة واعتماد قواعد التفاوض النقابي. 5. التركيز على الشرعية الجماهيرية في تبني الملفات المطلبية مع التدرج في المسالك النقابية. كل هاته مقترحات عملية، الاشتغال عليها سواء من قبل المؤسسات الرسمية أو المكونات الطلابية، من شأنه أن يضع أرضية صالحة للحوار الجاد والمسؤول، الذي من خلاله يمكن أن نبني جامعة منتجة ومنفتحة على التحولات والابتكارات التي يعرفها العصر ويتطلبها الواقع، وتسترجع الجامعة إشعاعها داخل المجتمع في ظل واقع الربيع العربي والانتقال الديمقراطي، ويعطي للحركة الطلابية المغربية مكانتها ضمن القوى المناضلة من أجل التغيير.. رحمك الله محمد الفزازي. فاعل طلابي. هوامش: 7. مجلة على الأقل، العددان 5 و6 ، 1991. 8. التجديد الطلابي : الفكرة والمشروع. 9. أزمة " أوطم " . محمد ظريف.