السلام كلمة تتكفل القواميس اللغوية بتعريفها لغة واصطلاحا، فهو الأمان والطمأنينة والسكينة والراحة والحرية والمودة والمحبة وعدم الخوف، كما أن السلام في الإسلام يعني سلام الانسان من لسان أخيه الانسان ويده حسب الحديث الشريف، والسلام في معجم المعاني الجامع هو الأمن على النفس والمال. أما السلام حسب مواثيق بعض الهيئات الدولية الراعية للسلام كهيئة الأممالمتحدة فهو الحفاظ على الاستقرار وفظ المنازعات بالطرق الدبلوماسية دون اللجوء إلى استعمال القوة، لكن السلام لا يعرف معناه الحقيقي إلا من عاش ويلات الحروب ومرارة التهجير وقذارة العنصرية، فالسلام من السلم، والتعود على العيش في السلام يخلق نوعاً من الغرابة في غيره من الحالات، السلام في الطريق، السلام في التجوال، السلام من الآفات، السلام في المعاملات، السلام فيما تراه عينك من مناظر وأحداث في السينما والشاشات، السلام فيما تقرأه في الصحف والمجلات، تلك هي إذن ثقافة السلام. والمغرب منذ عهود قديمة تكيف مع هذه الثقافة وعمل بها وجند نفسه لإحيائها ونشرها بين الأمم والشعوب حتى أصبحت تعقد بترابه أهم مؤتمرات السلام، فلنحيى جميعاً بسلام ولتدم على بلادنا ثقافة السلام. وما النداء الملكي السامي المعلن عنه بمناسبة انطلاق حملة السنة الدولية لثقافة السلام بمدينة وجدة بتاريخ 14 شتنبر 1999 بجامعة محمد الأول إلا تدشين جديد لهذه الثقافة، التي صدر بشأنها بيان ينص على أنه " يجب أن تكون سنة 2000 انطلاقة جديدة وفرصة لنحول جميعا ثقافة الحرب والعنف إلى ثقافة سلم ونبذ العنف. إن تغييراً كهذا يتطلب مشاركة كل واحد وكل واحدة منا، ويستلزم منح الشباب والأجيال المقبلة قيماً تساعدهم على خلق عالم أكثر عدلاً وتضامناً وحرية، كريم متناسق وأكثر رفاهية للجميع. إن ثقافة السلام تتيح التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة ونمو شخصية كل الأفراد." لكن الملفت للنظر هو أن السينما المغربية أصبحت ،خاصة في الآونة الأخيرة، تنتج بعض الأفلام التي تتعارض مع ثقافة السلام، سواء بدافع الربح أو بدافع تحقيق المنافسة أو بدافع التقليد الأعمى لبعض الأفلام الغربية الرخيصة التي لا تولي أدنى اهتمام أو اعتبار لكرامة الإنسان ولا إلى ثقافة السلام، وذلك رغم ما يتبجح به الغرب خلال انعقاد المحافل الدولية أو ترتب له صحافته المبتذلة، وهو الذي لا يتماشى مع تقاليدنا المغربية المتشبعة بثقافة السلام. فإذا كانت الأفلام الغربية تحث على استخدام العنف من خلال حمل السلاح والقتل وفرقعة البيوت الآمنة فوق رؤوس أصحابها لتخلق نوعاً من الفرجة المغشوشة لشريحة من المتفرجين المهوسين بحب التعنت والتجبر والقوة، دعاة العنف الذين يستهويهم سفك الدماء وتخويف النساء واغتصاب القاصرات وسرقة المحلات التجارية والأبناك بطريقة هوليودية، فتلك دول شهد لها التاريخ بالعنف من خلال استعمارها للدول المغلوبة عن أمرها، فهي تجسد تاريخ بلادها المبصوم بالدعوة إلى استعمال القوة والعنف، ذلك العنف الذي دعاها إلى التفكير في صناعة الأسلحة الفتاكة والتفنن فيها والترويج لها والترخيص لمواطنيها بحمل السلاح بدعوى حماية النفس، حتى بدأنا نرى عواقب ذلك على أبنائها من خلال اقتحام المدارس من طرف المتأثرين بأفلام العنف والرعب لقتل الأبرياء. وللأسف الشديد بدء ذلك ينعكس سلباً على بلادنا الآمنة في بعض المدن المغربية التي أصبحت تعرف تفكيك عصابات مسلحة من طرف مصالح الأمن، فبلادنا ولله الحمد لم تكن تعرف سوى بنادق الفروسية والقنص المرخص والمستعمل في موسمه المحدد. ومن هذه الزاوية نتسائل عن أسباب توجه السينما المغربية نحو إنتاج أفلام يستعمل فيها السلاح في القتل والتخويف ولم تسلك طريق السينما ذات الفرجة العقلية الرزينة؟ لماذا لم يتم التأثر مثلا بأفلام غربية ذات مستوى عال من الحكمة في التعامل مع الأحداث كالسلسلة البوليسية التي كانت التلفزة المغربية تبثها إبان سنوات السبعينيات والثمانينيات كسلسلة كولومبو وديريك الخالية من استعمال السلاح، فهناك ممن يتقزز حتى من رؤية بندقية ولو كانت مصنوعة من مادة البلاستيك، لأن في دمائه تجري ثقافة السلام التي تمتاز باستعمال الطاقات العقلية البشرية في الوصول إلى الحقيقة والقبض على الجناة أو المخالفين للقوانين بدون استعمال العنف ولا حتى التجريح بهم وبكرامتهم الإنسانية. أهي إذن أزمة نص سينمائي أم أزمة إخراج فني؟ أم هما معا؟