صرح نور الدين الصايل، الرئيس المنتدب لمهرجان مراكش السينمائي ومدير المركز السينمائي المغربي ومدير المهرجان السينمائي الوطني بطنجة، عقب الانتهاء من توزيع الجوائز في مهرجان مراكش السينمائي، للقناة المغربية الأولى بأن الدورة الثانية عشرة تميزت بعرض أفلام «قوية» و«بنضج» ملحوظ في السينما المغربية في إشارة إلى الفيلمين المغربيين «يا خيل الله» لمخرجه نبيل عيوش وفيلم «زيرو» (صفر) لمخرجه نور الدين لخماري. وكما هي العادة، لم يُدل السيد المدير بعنصر واحد كسند على «قوة» و«نضج» السينما المغربية في الفيلمين المغربيين. وأستطيع أن أؤكد هنا بكل ثقة أني شاهدت الأفلام الخمسة عشر المشاركة في المسابقة الرسمية وخرجت بانطباع أن ثلاثة منها كانت في غاية السوء ولا تستحق المشاركة في المنافسة الرسمية، وهذه الأفلام هي: «يا خيل الله» و«زيرو» و«أسد صغير» لمخرجه الفرنسي «سامويل كولاردي» الذي لا يحتوي على أية عناصر سينمائية فنية بالكامل، وتطبعه السذاجة وتجاهل أبسط «بديهيات» الفن السينمائي كالبناء الدرامي. ونعتقد أن اختيار الفيلم الفرنسي في المسابقة الرسمية جاء من باب «الاستظراف». الاحتفاء بالرداءة يبدو أن الكلام الذي يروج له البعض، والذي مفاده أن المغرب أصبحت له صناعة سينمائية، هو من قبيل الدعاية لرعاية المصالح وغرس ثقافة معينة لإثارة الجدل والاختلاف واكتساب الثناء والاحتفاء واللهث وراء الشهرة، وكنموذج على ذلك فيلم «يا خيل الله» الذي دخل المسابقة الرسمية في مهرجان مراكش السينمائي ولم يفز بشيء. والفيلم في حد ذاته فقير في بنائه وصناعته وبدون أي عائد حقيقي لتطوير السينما المغربية إذا اعتبرناه فيلما مغربيا. ولو انتبه الأستاذ الصايل أو شاهد الفيلم بالفعل لتبين له أن قصة السيناريو ليست فيها أدنى محاولة لطرح قضية الأحداث الإرهابية الدامية التي طالت الدارالبيضاء يوم 16 ماي عام 2003 بشيء من النضج والحياد. وإذا ما تأملنا الفيلم من كل الزوايا وصلنا إلى النتيجة الحتمية وهي أنه يعتمد على التقليد بالأساليب المكررة (ليس فيه أي ابتكار) ويعاني من كل أشكال الخلل السينمائي الممكن، بدءا بأداء الممثلين الرديء الذي وصل حد الصدمة وانتهاء بالصور المزركشة التي اعتمد فيها المخرج على طائرة الهليوكوبتر للتغطية على النقص الحاصل في السيناريو. وبدا واضحا أن المخرج لا يملك فكرة عن الموضوع، ولهذا السبب بسط شخصيات الفيلم وسلط الضوء على ماضيها لتخرج مكوناتها هزيلة ومضطربة. هذا إلى جانب رسم صورة نمطية من صفات وملامح كاريكاتورية (لون البشرة السمراء للاستشهادي والقريبة من السواد بغاية الازدراء، شكله الخارجي من لحية ولباس ونظراته الخطرة والحادة... إلخ) وكأننا أمام برنامج معد للاستخبارات الغربية بتجميع أوصاف «المشتبه فيهم» و«الانتحاريين» بشكل دقيق وقريب من الواقع. والنقطة الأهم في الفيلم هي عدم تسييسه لإضفاء صبغة المجرم على الاستشهادي الذي يتحرك داخل خلية إرهابية تحت وطأة اليأس وغياب العقل دون هدف أو دافع إيديولوجي. وقد كان خلو الفيلم من السياسة مقصودا ويندرج تحت اسم «سينما المانح» الذي يفرض شروطا خاصة على منح «الإكراميات» للمخرجين المخلصين. لهذا جاء الفيلم كملصقات إشهار للدعاية الرخيصة التي تعزز مفهوم «الإسلاموفوبيا» وتساعد على تنامي المشاعر السلبية تجاه الإسلام والمسلمين في المجتمعات الغربية. والعجيب أن تتعالى أصوات المدح والثناء ومكافأة «فضل» فيلم ركيك على جميع المستويات، بدليل حصده جوائز عدة من مهرجانات مختلفة، وأن يرافقه تناغم نقدي إيجابي على واجهات الصحافة الأجنبية والعربية التي أشادت بالفيلم كمساهمة سينمائية لفهم المنطقة العربية وما تتعرض له من زلزال سياسي وتراكم في الوعي في أعقاب الربيع العربي. وليس سرا أن يختار نبيل عيوش مشروع موضوع فيلمه بكل سهولة لأنه يعرف جيدا أن الإسلام في الواجهة منذ الأحداث الإرهابية التي هزت الولاياتالمتحدةالأمريكية يوم 11 شتنبر 2001، كما يدرك جيدا أن نوعية هذه الأفلام يتحكم فيها البيع والشراء واكتساب الشهرة السريعة. «زيرو»: وافق شن طبقة «أطمح من خلال فيلم «زيرو» إلى تأسيس أسلوب سينمائي خاص بنور الدين لخماري»، هكذا يزف لنا المخرج نور الذين لخماري تطلعاته الفنية المستقبلية في إحدى حواراته. ونحن نتمنى له، بكل صدق، التوفيق والنجاح. لكن السؤال الذي نريد أن نطرحه عليه هو: كيف تؤسس أسلوبا سينمائيا فريدا إذا قلدت أعمال الآخرين وانتحلت قصصهم؟ أليس فيلمك صورة طبق الأصل لفيلم «سائق التاكسي» لمخرجه الأمريكي الكبير مارتن سكورسيزي بكثير من المبالغات المشوهة التي لا تحترم عقلية المشاهد؟ نحن لا نتحامل عليك هنا، بل نريد أن نقول لك إن صورة سكورسيزي تتفق مع الواقع الأمريكي، أما صورتك فهي بعيدة كل البعد عنه. بالطبع، أنت حرّ ومن حقك أن تشق الطريق التي تبتغيها، لكنني أنصحك بأن تكسر طوق التقليد والاقتباس لأنه أسوأ عناصر الضعف لا القوة، ولن يجدي نفعا. على أي حال، العنوان الذي اختاره المخرج نور الدين لخماري لفيلمه «زيرو»، اصطلح عليه وربما يعد مكسبا كبيرا للدلالة على الهبوط السريع للفن السابع إلى الحضيض في بلادنا. والفيلم بكل تفاصيله ومراحله مريض في حواره، وسخيف بشخصياته التي لا تسجل أدوارها إلا بالكاد، ، ومسيء بدرجة كبيرة إلى المشاهد، ومشوه للسينما المغربية بطريقة كرتونية، ويشبه إلى حد كبير فيلمه السابق «كازانغرا». ولا نجد هنا الكثير مما نلقي عليه الضوء أكثر من القول إنه فيلم عشوائي بكثير من الحشو وإنه استنسخ من فيلم «سائق التاكسي». لكن أبسط المشاهدين يدرك الفرق الشاسع بين نصي الفيلمين اللذين خطهما كلا المخرجين، إذ جاء نص فيلم «سائق التاكسي» في لغته وتفاصيله قويا ورزينا يؤسس للمزيد من التأزم النفسي وتذبذب مشاعر البطل داخل عالم مدينة نيويورك السفلي المزيف إثر مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية وضياع العلاقات الإنسانية وعدم القدرة على فهمها ورفضها، للإقدام على «تطهير» المدينة على طريقته العنيفة المتطرفة من أجل التنفيس عن كروبه وتسليط الضوء على ذاته المجهولة. أما نص فيلم «زيرو» فيراكم أوجاع التعاسة ويدفعه إلى زاوية ميتة بوتيرة الأحداث وسرد بعض الوقائع التي تثقل كاهل بطله ويورطه في مسلسل من التفاهات التي تفتقر إلى البنية المحكمة. والملاحظ أن الفيلم أنجز في مربع حي صغير من أحياء الدارالبيضاء، وبني على الصدف التي تتكرر بدون توقف والفارغة في محتواها (مثل رجوعه إلى المستشفى، والتقائه لعدة مرات بالصدفة مع الأم التي تبحث عن ابنتها القاصر الهاربة من البيت). وسقط الفيلم إلى الحضيض بدخول الدكتورة كنزة عالم البطل بأدائها المخل والرديء (مشهد اعتراض السارقين طريقها وهي تمشي مع البطل) ليشل حركة الفيلم بمزيد من العبث. ولو تأمل المتفرج الحوار الذي يدور بين البطل ووالده (يتكرر نفس الحوار على طول الفيلم) لعض المشاهد على لسانه من شدة الفقاعة التي تبعث على الغثيان. أما المَشاهد التي تعتبر بترا للحقائق ولا تمت إلى الواقع المغربي بأي صلة فهي تسلح البطل بقارورة ويسكي كساها بالورق على الطريقة الأمريكية ملصقا فمه بفمها حتى السكر، من أول الفيلم إلى آخره، جائلا ليلا مشيا بين شوارع الدارالبيضاء. وعانى الفيلم عيبا مخجلا وواضحا وجوهريا في مشاهد الثأر الأخيرة التي أثبتت عدم قدرة المخرج على الإمساك بقواعد صناعة العنف السينمائي. هذه هي الأفلام المغربية التي تتسم بالضعف والإفلاس وتهدر أموال دافعي الضرائب بدون مسؤولية، ومع ذلك يفتخر بها المسؤولون عن القطاع السينمائي.