لم يحظ مهرجان مراكش السينمائي هذه السنة، في دورته الحادية عشرة، بأي شعبية وبأي تغطية صحفية أو إعلامية جادة نظرا إلى عرضه أسوأ الأفلام لمخرجين مبتدئين لا تُقبل أفلامهم في أي مهرجان، باستثناء القلة القليلة. وآخر من فضح هذا المهرجان هو الصحفي الفرنسي فليب لوفي، مقدم برنامج «كلمات منتصف الليل» على قناة فرنس 2، عندما استضاف بعض أعضاء لجنة التحكيم يوم الأربعاء 14 دجنبر، صحبة فريدة بليزيد ونرجس النجار وفوزي بنسعيدي، وواجههم بالحقيقة المرة والمتمثلة في أن الأفلام المغربية يصنعها «الأطفال الصغار»، وبقي الكل مشدوها، لا يفقه كيف يرد عليه، فرقص كل من فوزي بنسعيدي ونرجس النجار رقصة الديك الأخيرة. وهذا المهرجان الذي راقبناه وتتبعناه عن كثب، رغم منعنا نحن من لقاء أعضاء لجنة التحكيم وحضور بعض الأفلام وبعض الندوات الصحفية، تحول إلى «خيرية» لا أكثر، تتناوب عليه نفس الخلية المتخصصة في تجفيف ميزانيته، بمن فيها الأجانب وأقلام الذين يستريحون تحت شجرة التين لتمدهم بالطاقة والقوة ليتقيؤوها مرة كل سنة لإخفاء البقع السوداء وإزالة البثور، ويطالبوننا بأن نردد معهم أن «السينما المغربية بخير» وأن علينا أن نترك المخرجين المغاربة والمسؤولين عن الشأن السينمائي وشأنهم. ونعتبر هذه الرسالة مفخخة، هدفها التهديد الذي يرجى منه التركيع والإخضاع لهذا الطلب، ربما لأنهم يعتقدون مع أنفسهم أن الساهرين على الصناعة السينمائية خرجوا من تحت معطف نيكولاي غوغول. إلا أننا نريد أن ندلي هنا بشهادة عن صدق وأمانة، وهي أننا لا نحقد سوى على ما هو فكر أو سلوك، ولا تنتابنا الغيرة لأن لنا الثقة الكاملة في ذواتنا، ولا نريد كسب نظرات العطف والشفقة من أحد، وكل ما نريده هو احترام وجهات نظرنا كناقدين والقبول بالاختلاف في الرأي للدفع بالعملية السينمائية المغربية إلى الأمام وإلى الأفضل للارتقاء بها إلى المستويات العالمية. ولا يعني انتقادنا للمهرجان أو الأفلام المعروضة فيه التقيد بنوع معين من المواضيع، أو الدعاية لسينما «نظيفة»، وإنما نقصد مفهوم التزام المعنى العام لأية مبادئ يحاول مخرج ما الدفاع عنها من خلال أعماله السينمائية، بما فيها قضايا المرأة، ونحاول فهم جمالها وقبحها بتحليل بنيتها ومعانيها ومشاكلها حتى يتسنى لنا تقويمها وإبداء رأينا فيها، ونعتقد أن هذا من حقنا. وبعد فحص وتأمل فيلم «عاشقة من الريف» لمخرجته نرجس النجار، توصلنا بالدليل القاطع إلى أنه فيلم بخس يحمل في ثناياه نوايا مريضة لكسب المال السريع والحصول على حصته من ميزانية المهرجان، ولا نعتبره إلا مثالا واضحا على «الفشل الإيجابي» الذي حل بالسينما المغربية ونوعا من أنواع الفنون الذي يجب إقصاؤه لأنه يشجع على الانحطاط الأخلاقي الذي ينفر منه المجتمع المغربي المحافظ. والفن إما أن يكون عظيما أو لا يكون لأنه «أساس التطور الأعلى للروح» الذي يصدر من النفس الإنسانية وينتج عن الإبداع والابتكار الجمالي. ويفترض في فيلم نرجس النجار أن يعرض لنا حقيقة وهو في نفس الوقت يخدعنا بها، وما استعمال اسم «آية» للبطلة في فيلمها إلا دلالة كبيرة في حد ذاتها على التطاول على الدين الإسلامي وتحميله مسؤولية كبت المرأة. ونسأل النجار بدورنا: هل معالجة مشكلة الجنس عند المرأة المغربية أهم من معالجة مختلف مستويات حياتها الثقافية والعملية؟ كما نسأل مهرجان مراكش: لماذا يرحب بها ويتحمل توفير نفقات تنقلها وتنقل أفراد عائلتها من باريس وإعالتهم وإيوائهم في أغلى وأفخم فنادق مدينة مراكش؟ ونضيف إلى كل هذا العبث استضافة عبد القادر لقطع الذي قطع علاقاته بالمغرب منذ زمن غابر ليستقر في باريس ولا يظهر إلا في مناسبات المهرجانات السينمائية ليستفيد من عطاءات وهدايا صديقه الحميم نور الدين الصايل، ونذكر في هذا السياق كذلك فوزي بنسعيدي وزوجته اللذين انتقلا، على ما يبدو، إلى باريس للعيش هناك. أليس من حقنا، كنقاد سينمائيين، أن نسأل لماذا تصرف ميزانية المهرجان على هؤلاء الذين يفضلون مصلحتهم على حساب المجتمع والذين هربوا من وطنهم المغرب، إذا اعتبروه حقا وطنهم، طلبا للعيش في نعيم ورغد الحياة الاقتصادية الأوربية؟ لماذا يتهرب منا المسؤولون عن المهرجان ويرفضون الجلوس معنا للإجابة عن بعض الأسئلة التي تتعلق بقضايا سوء التدبير وتبديد ميزانية المهرجان وتدني مستوى الخدمات وضرورة تحديد المسؤوليات؟ ومن بين الأسئلة التي نريد أن نطرحها على المسؤولين عن المهرجان: ما هو حجم الغلاف المالي الذي تم رصده للنازي والفاشي أمير كوستاريكا والذي قد يستثمره، في أفلامه القادمة، لتحريف حقائق جرائم الصرب في حق مسلمي البوسنة والهرسك؟ وماذا عن الصهيوني الإسرائيلي رادو ميهايليانو الذي سيحول مبلغه، لا محالة، إلى بنك إسرائيليي ليساهم في شراء الأسلحة الفتاكة لتهجير نساء فلسطين من أرضهن بالقوة وقتلهن؟ هل وصل بنا الأمر إلى هذه الدرجة من الوضاعة والاستفزاز ونفث سموم الأحقاد والمتاجرة بقضية السينما؟ ولنذكِّر بعض الأقلام، التي تدعي الغيرة على الوطن والتي تجد في المهرجان وسيلة للانتعاش منه وتهلل للرداءة وسوء التدبير وتساند «حق» عرض أفلام منحطة تحت شعار حرية التعبير، بأن المخرجين المغاربة مسؤولون أمام الشعب ومحاسبون أمام القانون على الدعم الذي يستفيدون منه من المركز السينمائي وهبات المهرجان، ومطالبون بإرجاعه (الدعم) لأنهم لا يساهمون إلا في تشويه معالم حضارتنا وصورة ثقافتنا لجيلنا القادم وللأجيال الغربية في مهرجان يدعي العالمية (وبالمناسبة، نتساءل كم من مخرج حصل على الدعم، مرارا وتكرارا، وأرجع إليه درهما واحدا). نتمنى أن يُسمع صوتنا عندما نقول إننا لسنا ضد توظيف الجنس أو العنف في الفن السابع ولكننا نختلف حول طريقة توظيفهما للأغراض السياسية أو الإيديولوجية أو الأجندات الخارجية والداخلية على السواء. ولا يساورنا أدنى شك في أن ضغوطا خارجية أملت على المهرجان عرض أفلام العنف المروعة والشذوذ الجنسي والإرهاب الفكري وأفلام السحاق، مثل فيلم نرجس النجار وفوزي بنسعيدي والفيلم الأمريكي «من دون» والفيلم الدنماركي «خارج المسموح»، ضمن إيديولوجية غربية مدروسة. وليس من قبيل الصدفة أن يعرض فيلم نرجس النجار في الافتتاح وفي المسابقة الرسمية، وهو بالمناسبة فيلم رديء لا يصلح لا داخل المسابقة الرسمية ولا خارجها، مثله مثل فيلم «أيام الوهم» لطلال السلهامي الذي تبارى السنة الفارطة في المسابقة الرسمية وبعدها بقي في علبته ولم يخرج إلى النور، وسيحصل نفس الشيء مع فيلم بنسعيدي الذي اختتم المهرجان بالترويج لثقافة الكراهية. وما يحدث اليوم أُسس له منذ الستينيات على الأقل من طرف الفكر الغربي الذي يروج لإيديولوجية «أممية الشواذ» الغريبة عن ثقافتنا ومعتقداتنا ومحاولة تأكيد هذا الاعتقاد عن طريق الدراسات والمقالات والمحاضرات والكتب، ولاسيما السينما، حيث تسللت إلينا في العقود الثلاثة الأخيرة عن طريق «فئة مستغربة» هدفها جمع الثروة لتأكيد هذا المفهوم في البنية الاجتماعية والفكرية للمجتمع، وذلك بإقرار اللواط والقضاء على الزواج التقليدي، وإغراق المرأة في أوحال المتاهات الاجتماعية والهوس الجنسي، وإقرار الزواج من الجنس الواحد، وتقويض المنظومات الاجتماعية التقليدية التي، حسب هذه الأفكار المتهاوية، فرضت نفسها على الساحة. وفيلم بنسعيدي «موت للبيع» نمط من أنماط هذه الأفلام المحملة بالحمولات العقائدية السلبية عن الإسلام ومحاولة تحويلها إلى عبء على الذاكرة بزرع رسائل خفية توحي بأن السلوك الإسلامي إرهابي في حد ذاته. أما الفيلم الأمريكي «من دون» فهو قمة التردي الأخلاقي، وهدفه هو تصدير عفن السحاق إلى مجتمعاتنا الإسلامية. إذن، كيف يسمح مهرجان مراكش لنفسه برفع بعض الأسماء إلى الواجهة والدعاية للأفكار المريضة والأوساخ الاجتماعية ويكافئها على ذلك بتبذير الأموال؟ وما نأسف عليه أن يساء تبذير 7 أو 8 مليارات سنتيم على مهرجان في بلد لا توجد فيه مدرسة سينمائية واحدة (عفوا، هذا اللغز تم حله على لسان نور الدين الصايل في إحدى محاضراته عندما أكد أن الفن لا يدرّس، وعليه فنحن لا نحتاج إلى مدرسة تُدرّس الفن السابع)، كما لا يوجد في المغرب كاتب سيناريو محترف واحد، ولا توجد فيه الحركة اللازمة لهذا القطاع، كما تنعدم فيه جريدة أو مجلة واحدة تهتم بنقد الإنتاج السينمائي المغربي. لكن يبدو أن المهم عند أصحاب النظرة الواحدة هو خلق الفرص في مهرجان مراكش لبعض «الضعفاء» الذين لا يعرفون حتى من أين تؤكل الكتف، لكنهم يعرفون نوع الصفقة التي ترفعهم وتقربهم من المختلسين. وهذه العقلية لا تتطلب الكثير من الخداع والمكر بقدر ما تقوم على مهارة مبدأ «انهب واركض» على حساب ثقافة السينما والفن الجميل. وما حز في قلبي أن أشاهد جل المخرجين المغاربة وبعض الممثلين الذين حضروا المهرجان في غفلة تامة عما يجري، يتسكعون في أروقة قصر المؤتمرات وعلى أرصفة المقاهي الجانبية يلهثون وراء الحصول على بطاقات الدعوات لملء البطن والاستمتاع بالسهرات الماجنة.