مرة أخرى خرجت السينما المغربية خاوية الوفاض من المهرجان للدولي للفيلم بمراكش الذي استدل الستار عنه أول أمس السبت 10 دجنبر 2011 بمراكش في دورته الحادية عشرة، ولم يفز فيلم "عاشقة من الريف" لنرجس النجار المشارك في المسابقة الرسمية بأية جائزة، فيما استغرب عدد من النقاد أيضا إبعاد الفيلم البوسني الجيد عن منصة التتويج متسائلين هل لذلك علاقة بجنسية رئيس لجنة التحكيم الصربي "إمير كوستوريكا"، كما أبعد الفيلم المكسيكي الرائع "وادي الذهب" الذي يحكي عن قصة اغتصاب أمريكا للأراضي المكسيكية . كوستوريكا لم يفصح أثناء الإعلان عن الجوائز عما دار في لجنة التحكيم كما كان يفعل سابقوه حين يعترفون أنهم يجدون صعوبة في اختيار الأفلام الفائزة ويحتدم بينهم الصراع حول من سيمنحون له جوائز المهرجان كما لم يكشف عن أي مبررات أو عناصر حكمت اختياراتهم للأفلام الفائزة. والملاحظ أن الأفلام الفائزة تعتبر أول فيلم روائي طويل لمخرجيها (12 فيلم من أصل 15 شارك بهذه الصفة)، وقد توج الفيلم الدانماركي "خارج الحدود" للمخرجة فريديريك أسبوك بالسعفة الذهبية، والتي وقفت مشدوهة لهذا الفوز ولم تعرف ماذا تقول قبل أن ترسل زفيرا عميقا و"تشكر مدينة مراكش الرائعة" على هذه المنحة، فيما منحت جائزة لجنة تحكيم المهرجان لأحسن إخراج للمخرجين الايطاليين التوأمين الشابين جيانلوكا وماسيميليا نودي سيريو (33سنة) عن شريطهما "أعمال الرحمة السبعة"، وبدا التوأمان فخورين بما أنجزا من عمل بعيد عن الابتذال وحظي بإعجاب كبير للنقاد. وكانت أستراليا الأوفر حظا في هذا المهرجان إذ فازت بجائزة لجنة التحكيم فيلم "جرائم سنو تاون" للمخرج جوستين كورزيل، بينما عادت جائزة أفضل دور رجالي للممثل دانيال هينشال عن دور رائع في الفيلم ذاته. وحصلت الممثلة الأمريكية جوسلين يينسن عن جائزة أفضل دور نسائي عن دورها في شريط "من دون" للمخرج مارك جاكسون. وهو الفيلم الذي توقع نقاد جهابذة فوزه قبل الإعلان غير أنهم أرجعوا ذلك لا إلى قوة الفيلم أو جماليته بل إلى الدور السحاقي الذي لعبته البطالة وذلك حسب ذات النقاد في إطار موجة جديدة من السينما الغربية يراد الترويج لها بالعالم وخاصة بالبلدان العربية، وهي الممثلة التي رفضت أي علاقة جنسية مع أي من الرجال الذين تصادفهم لتكتفي بممارساتها الشاذة والغريبة. وضمن منافسة 10 أفلام تابعة للمدارس السينمائية(مسابقة الفيلم القصير) تمكن فيلم "من لواد لهيه" للمخرج المغربي محمد عواد عن المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش، من الفوز بجائزة أحسن فيلم قصير. ويحكي الفيلم المتوج بالسعفة الذهبية "خارج المسموح" عن ستيلا وهي امرأة دانماركية مرتبطة بشكل غير رسمي بأوسكار، حيث يقرران زيارة والدها السويدي لمدة يوم والذي يعيش رفقة كلبه في جزيرة سويدية مهجورة، لكن الأحداث المتوالية ترغمهما على البقاء، فتنشأ علاقة صراع بين الأب والزوج سيما بعدما تعلن الفتاة أنها حامل. والغريب أن الفيلم لم يحظ بإعجاب بعض النقاد والجمهور في مهرجان مراكش حسب ما استقته "التجديد من عدد منهم، كما كان محط انتقاد في مهرجان كان، واعتبروه "فارغا، ومملا" ويجعل المشاهد يحس أن القصة طويلة ولن تنتهي أبدا بالرغم من أن مدة عرضه لم تتجاوز 72 دقيقة، فيما قيل إن الكلب "لابرادور "كان "أحسن ممثل" في هذا الفيلم حتى إن النقاد في مهرجان "كان" لقبوا الفيلم باسمه. أما الفيلم الأسترالي الحائز على الجائزتين فيحكي عن ظاهرة الشذوذ الجنسي حيث سيفتح نقاش داخل المجتمع المدني الأسترالي حول السبل الكفيلة بمحاربة هذه الظاهرة فتتعدد الإيجابات بين صيغة قانونية لم توجد بعد وبين ما يتحدث عن دور الإعلام والمؤسسات التعليمية في الفضح...، غير أن بطل الفيلم سيقر طريقة أخرى للتصدي للظاهرة المتنامية حيث سيعمد رفقة ثلاث من معاونيه إلى تعقب أثر كل اللواطنين وتعذيبهم بشكل فظيع وبشع حد الموت إلى أن قضى على كل الشواذ المتواجدين بالمدينة، ليلقى في نهاية الفيلم القبض عليه وعلى معاوينيه.أما الفيلم المتوج ضمن الأفلام المدارس فيحكي عن شاب متزوج اسمه رسيد يعيش في منزل منعزل بقرية نائية. يعود إلى منزله قبيل غروب الشمس ويتأكد من إغلاق الأبواب والنوافذ قبل حلول الظلام ويستمر في روتينه اليومي إلى حين وصول زوجته من حقول التوت الإسبانية. السينما المغربية أيضا لم تقدم جديدا ممتعا خارج المسابقة وطغت عليها لغة الجنس والكلام السوقي والتهكم بقيم المغاربة وهو التوجه الذي جسده بوضوح فيلم "عاشقة من الريف" لمخرجته نرجس النجار والذي ينطلق بلغة الجنس والحانات منذ أول لقطة وإظهار المرأة المنقبة على أنها ذلك الغول والمتشدد والعنيف الذي يتدخل في حريات الآخرين وأن شرف المغربيات وكرامتهم أمر لا يعدو مجرد طابوهات ينبغي أن تكسر أما ما يخص التطرف الجنسي فقد كانت نرجس النجار بطلته دون منازع حتى من الأفلام الغربية. في ذات الخط اتجه فيلم "عودة الإبن" لمخرجه أحمد بولان والذي افتتح فيله بلقطة جنسية بطلها الممثل يونس ميكري الذي باتت كل أدواره مرتبطة بالجنس كما هو الشأن في الفيلم السابق "حجاب الحب" وغيره، بالإضافة إلى توظيفه للشذود الجنسي والذي كان حاضرا في فلمه، ومشكل هذا الفيلم أنه على الرغم من فكرته المقبولة خاصة ما يرتبط بصدام الثقافات والارتشاء الذي يعشش في جهاز الأمن وما قدمه عن كرم وإسلامية وبساطة سكان الجنوب الشرقي للمغرب إلى أن لغته الساقطة وشذوذه وخمره وجنسه كان بمثابة السم المدسوس في العسل.عن ذات السياق لم يشأ هشام العسري الخروج من خلال فيلمه "النهاية" والذي كان بدوره عنوانا للجنس والعنف المقزز والمفرط ورسائل التملق الفجة التي أثثت الفيلم من بدايته إلى نهايته . موجة الجنس والتجرأ على القيم التي تضرب السينما المغربية خلال هذه السنوات الأخيرة ستتعمق مع فيلم الاختتام "موت للبيع" لفوزي بنسعيدي، والذي حاول تجسيد الإسلام المتطرف كما يعتقده وكأن المغاربة يعيشون في أمريكا أو في تورابورا من خلال المليشيات المسلحة التي حشدها وما قدمه من صورة مشوهة للعديد من الدعاة ولبائعي المصاحف أمام المساجد وفي الطرقات، أما الجنس فكان مؤطرا للفيلم من البداية حتى النهاية من خلال أدوار البغاء التي كانت تؤثثه. محمد لغروس- عبد الغني بلوط - مراكش تطرف جرعة الجنس في سينما مهرجان مراكش القصف الجنسي وحدها عبارة يمكن أن تعبر عن حالة الفوضى الجنسية التي عرفتها الدورة الحادية عشر للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، والذي لم تخلو كل أفلامه من لقطات جنسية فاضحة وصادمة سواء من داخل أفلام المسابقة التي تضم 15 فيلما أو الموجودة خارج المسابقة والتي تضم 24 أفلام بما فيها بعض أفلام المدارس السينمائية بالإضافة إلى أفلام دولة المكسيك التي بلغت 20 فيلما في إطار ما سمي "بالجيل الجديد في السينما المكسيكية" التي حضرت كضيفة للمهرجان مع استثناءات جد قليلة جلها أجنبية وليست مغربية مع الأسف الشديد، والتي يعد فيلمي "الأندلس مونامور" و"على الحافة" أنظفها. وإذا كان البعض يتفهم بعض السياقات المقنعة لمشاهد بعض الأفلام الأجنبية، فإن التساؤل يوجه إلى نور الدين الصايل وإلى لجنة اختيار الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية وكيف سمحوا لأنفسهم ببرمجة أفلام ضمت مخاطر كبرى همت الترويج لظواهر من قبيل "الشذوذ الجنسي، السحاق، التبشير، العنف المفرط..في المهرجان الذي يعرف حضور مئات التلاميذ والطلبة من أبناء المدينة الحمراء على وجه الخصوص. أما الأفلام المغربية المعروضة في إطار فقرة "نبضة قلب" أو الفيلم المشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان وإذا استثنينا الفيلم النظيف لمحمد نظيف "الاندلس مونامور" و"على الحافة" لليلى الكيلاني، سنجد أن فيلم "عاشقة من الريف"، التي يعد الريف أول المتبرئين منها ومن أمراضها، و فيلم "عودة الإبن" لأحمد بولان و فيلم "النهاية" لهشام العسري وفيلم "موت للبيع" لفوزي بنسعيدي، والفيلم الأخير لمحمد أشاور... تطبعهم الجرأة حد الوقاحة ، وهو الأمر الذي بدا من خلال اللغة الساقطة والفجة المرتبطة بالحانات ومشوهي التربية والنضج وبالمشاهد الجنسية الغريبة والمجانية وذلك بشهادة الفرنسيين والأجانب قبل المغاربة. إن خطورة هذه الأفلام التي تحظى بدعم المركز السينمائي المغربي وهو الدعم المفتقد لمطلب التنوع ومطعون في شفافيته المالية من طرف المجلس الأعلى للحسابات قبل غيره من المقصيين والفاعلين، وهو الدعم المأخوذ في نهاية المطاف من جيوب دافعي الضرائب، إن الخطورة تتجاوز مسألة استفزاز مشاعر المغاربة وخدش الحياء إلى أولا: إفساد قيم المغاربة وسحق شيئ اسمه الكرامة خاصة أمام مجانية حضور المئات من جمهور مراكش. وثانيا: التأثير المباشر حد التحكم في توجهات السينمائيين الشباب وهو ما عكسته جزء من أفلام المدارس المشاركة في مسابقة الفيلم القصير حيث باتت هي الأخرى تعتبر الجرأة مرتبطة فقط بتوظيف كل ما هو شاذ وغريب في المجتمع وأن ذلك هو الخط المرضي عنه والمقبول وهو ما يتوقع أن تكرسه المنح التي قررت الغدارة بدأ منحها لبعض الطلبة السينمائيين. وثالثا: كون السينما بالمغرب دعما وإنتاجا وترويجا باتت ترتبط أساسا بدرجة عرييها وشذوذها وتهكمها بالدين الإسلامي وقيم المغاربة كما بدا ذلك واضحا في أفلام كل من نرجس النجار وموت للبيع وقبلهما المروك وغيرهم كثير. إن السينما المغربية اليوم تعيش على وقع تحكم وجهة نظر واحدة ووحيدة مفروضة بقوة نفوذ المواقع وهي رؤية تجعل الحصول على الدعم والأضواء والترويج وولوج باب الشهرة ومرتبط أولا وأخيرا بمسايرة موجة التهكم بدين المغاربة ومصادمة قيمهم وهويتهم بما يمكن أن يسمى بالتطرف الجنسي وأن من يخالف هذه الوجهة سيكون مساره هو الإقصاء والتهميش والإبعاد كما هو حال العديد من المخرجين والفنانين والأفلام بمغرب اليوم.