جمعية أحمد الحنصالي بجهة تادلة أزيلال، هي الجمعية الوحيدة التي أسماها المرحوم الملك الحسن الثاني، باسم شخصية تاريخية، ضمن جمعيات السهول والوديان، التي قرر إنشاءها كإطارات لتجميع النخب الجهوية بالمغرب، جاء ذلك، بعد استبدال إسم الشارع الذي كان يحمل إسم الحنصالي بشارع هوفيت بوانيي، وما أثاره هذا القرار/ الاستبدال من سخط واستهجان، ولتأكيد التدارك تمت تسمية السد المقام قرب مدينة زاوية الشيخ باسم سد الشهيد أحمد الحنصالي. ومنذ ذلك التاريخ وأداء الجمعية لم يراوح تنظيم المخيمات الصيفية للأطفال وبعض الندوات وإنجاز شبه فيلم وثائقي مشوه عن الشهيد الحنصالي، الذي بقي إسمه يخيف جل أعضاء الجمعية، التي لم تتمكن من توفير مقر، فبالأحرى البحث عن رفاة الشهيد لإكرامه بقبر، بل هناك بعض من أعضاء ومسؤولي الجمعية الذين لم يتجاوز تكوينهم ومعرفتهم بالحنصالي، حدود كونه راعي سلب بندقية ومارس القتل بدافع انتقامي، في حين أن هذا الشهيد هو رجل في حجم وطن، لأنه نوعي باعتباره هو من دشن المرحلة الثالثة، مرحلة تحول الحركة الوطنية المغربية ضد المستعمر إلى حركة تحرر بعملياته الفدائية المسلحة، التي أعقبت مرحلة النضال الوطني السياسي كمرحلة ثانية بعد مرحلة المقاومة المسلحة الأولى التي شكل أوجها البطل عبد الكريم الخطابي و موحى وحمو الزياني والهيبة ماء العينين وعباس المسعادي. انطلق الحنصالي في عملياته الفدائية المسلحة في وقت أصبح من المستحيل حتى التفكير في عودة الكفاح المسلح ضد المستعمر، وبذلك فالتاريخ اختار هذا البطل الأطلسي لتدشين مرحلة عودة الكفاح المسلح بعد استنفاذ مهام الكفاح السياسي والذي شكل أوجه إعلان وثيقة الاستقلال في 11 يناير 1944. ومع ذلك فالحنصالي لا يحمل صفة مقاوم، لأن التعريف الرسمي للمقاومين، هم من حملوا السلاح بعد نفي المرحوم الملك محمد الخامس سنة 1953، وبهذا التعريف الرسمي تسقط صفة المقاوم عن كل التاريخ السابق لنفي محمد الخامس. ومن المفارقات الغريبة والدالة في تاريخ وطننا العزيز، أن الأمير عبد الكريم الخطابي هو الآخر ليس مقاوما، رغم أنه يعتبر مرجعا تاريخيا لكل حركات التحرر العالمي، كمبدع لحرب التحرير الشعبية والتي وصلت ذروتها في ملحمة أنوال التي تحالف إثرها الاستعمارين الفرنسي والإسباني وحشدوا جيشا من 750 ألف من الجنود والمرتزقة المغاربة، ولم يفلحوا فاستعملوا الغازات السامة ضد قلعة أجدير المنيعة، للجمهورية الريفية التي أسسها الخطابي كقاعدة لبناء الاتحاد المغاربي الاسلامي، "ولم يكن بالطبع انفصاليا كما يزعم البعض"، والمفارقة هو كون الشهيدين الحنصالي والخطابي كقائدين تاريخيين كبيريين في المقاومة والتحرير ضد استباحة الأجنبي للأرض وسفكه للدماء وهتكه للعرض، فكانا بحق ممن حصنوا الهوية والوطن، هذا الوطن الذي لا قبر لهما فيه. وللمفارقة الدالة والغريبة في تاريخ وطننا العزيز لا يوجد قبر لشهيد كبير، كبر الحنصالي والخطابي، وهو المهدي بنبركة، الزعيم العالمي الذي اغتيل بتعاون مخابرات أمريكا وإسرائيل والمغرب وفرنسا، أثناء تزعمه للجنة التحضيرية لمؤتمر القارات الثلاث ضد الامبريالية العالمية، ومغربيا يعتبر المهدي من أقوى المثقفين السياسيين وخير مثال كتابه الاختيار الثوري الذي اعتمد كوثيقة رسمية في المؤتمر الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية في 1962، حيث لازالت الأخطاء الثلاثة القاتلة التي تضمنها الكتاب ضمن النقد الذاتي واقفة وشامخة كمرجع لتصحيح الترهل والارتزاق الذي استشرى في جسد جل النخبة السياسية المغربية. حدثنا المهدي بنبركة في الخطأ القاتل الأول والذي أسماه: بسوء تقديرنا لأنصاف الحلول التي كنا مضطرين للأخذ بها. عن كيف استطاع الاستعمار في اتفاقية إيكس ليبان من إجهاض حركة التحرر الوطني وبالتالي حصول المغرب على استقلال شكلي يبقيه تابعا ويعيد إنتاج هيمنة الخونة والعملاء. أما الخطأ القاتل الثاني والذي أسماه: بعدم تجنبنا للإطار المغلق الذي كانت تدور فيه صراعاتنا مع القصر. والذي شرح خلاله كيف أن مرحلة ما بعد الاستقلال كانت الصراعات والمواقف السياسية للحركة الوطنية مع القصر، لا يتم إشراك الجماهير فيها، وحين تصطدم تلك المواقف بالأفق المسدود يتم الرجوع إلى الجماهير لإطلاعها عن ما جرى بعد فوات الأوان. وفي الخطأ القاتل الثالث والذي سماه بعدم تحديدنا لهويتنا الإيديولوجية وإجابتنا عن سؤال من نحن وماذا نريد. والذي وضح فيه عدم وضوح الرؤيا للحركة الوطنية، وحدد بشكل واضح المشروع المجتمعي للمغرب الديمقراطي على أرضية الاختيار الثوري. مما سبق يمكن استخلاص نقطتين مشتركتين لدى هؤلاء العمالقة وهي: عطاؤهم وحبهم الكبير للوطن، ووجود رفاتهم خارج تراب هذا الوطن الذي أحبوه، استمرار أدائهم وحضورهم وتأثيرهم في الحياة السياسية والاجتماعية والحقوقية، بل إن رفاتهم تشكل قنابل موقوتة وخطر يهدد الأقزام السائدين. ومع ذلك يمكن تدارك ما سبق بكشف الحقيقة قبل انفجار القنبلة، حيث أنه لم تبق إلا أربع سنين لرفع السرية الكاملة للدولة الفرنسية عن ملف اغتيال المهدي بنبركة ! رغم ضياع الفرصة الذهبية في تسوية هاته الملفات ضمن إطار هيئة الانصاف والمصالحة وتنفيذ توصيات الفقيد الكبير بنزكري، وليس عن طريق خرافات/ اعترافات عميل الكاب البوخاري الذي ادعا معاينته لجثة المهدي كيف تم تذويبها في لاسيد، وتسمية شارع باسم المهدي بنبركة. إن تراب الوطن لن يستقر ولو استقر من فوقه إلا إذا وضحت الحقيقة واحتضن رفاة من أخلصوا له.