أوردت جريدة الصباح المغربية في عددها الصادر صبيحة يوم الاثنين الرابع عشر من أكتوبر الجاري الموافق للثامن من شهر ذي الحجة حسب التقويم المغربي , خبر وقفة تضامنية نظمتها إحدى فعاليات المجتمع المدني المغربي تضامنا مع الطفل والطفلة المراهقين اللذين اعتقلا على خلفية تشهيرهما بتبادل القبلات على صفحة الفايس بوك , مرفقة الخبر بصورة فوتوغرافية لفتيان وفتيات غير قاصرين يتبادلون القبلات تعبيرا عن تضامنهم مع الحدثين اللذين اعتقلا لنفس السبب , وقد أرفقت الصورة التي جاءت بالصفحة الأولى من الجريدة بعبارة في أعلاها نصها كالتالي : "الحق في البوسة " وأستسمح أعزائي القراء على هذه العبارة ولكن لا مفر من إيرادها فهي بؤرة القضية . وإذا كان التوجه الإيديولوجي لجريدة الصباح معروفا ولا نقاش فيه ما دمنا في مغرب الاختلاف والتعدد , وهو التوجه السياسي للعديد من الفعاليات المغربية المدعية للتقدمية والحداثة , فإن الاحتكام إلى تقاليد المغاربة في الحشمة والحياء والستر والكرامة واجب ما دمنا في بلد شريعته الأساسية الإسلام , أما المتضامنون بتبادل القبلات رجالا ونساء في تلك الوقفة التضامنية وإن كانوا أزواجا فقد كان حري بهم أن يأخذوا بعين الاعتبار شعور العديد من المغاربة العزب وهم الأغلبية الساحقة في بلدنا ذكورا وإناثا . كل الشرائع الدينية حسب معرفتي المتواضعة كان موقفها إيجابيا من الحب , وعلى رأسها الإسلام , ألم يخلع سيد المرسلين بردته ليضعها على جسد كعب بن زهير رضي الله عنه بعد سماعه قصيدته الشهيرة التي أخذت بعد ذلك نفس اسم "البردة " والتي كان مطلعها بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يجز مكبول . ليسترسل الشاعر في التغني بهيامه بمحبوبته على امتداد مقطع غير يسير من القصيدة الشهيرة , ومع ذلك رحب بها الرسول صلى الله عليه وسلم , وبتوبة صاحبها الذي كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد أهدر دمه لتهجمه على المسلمين . وقد برر العديد من النقاد موقف الرسول صلى الله عليه وسلم الإيجابي من هذه القصيدة بكون الإسلام الذي كان في بدايته كان في حاجة إلى أصوات على المستوى الفني الخطابي الشعري في ظرفية حساسة وحاسمة . أما الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم بطريق سويد بن سعيد والذي نصه :( من عشق فعف فكتم فمات فهو شهيد ) , فقد أنكره أغلب أئمة الحديث , ورغم ذلك يشترط نصه في العشق العفة والكتمان حتى لا تكون المرأة مصدر نزوة عابرة ثم ترمى بعد ذلك كسقط المتاع , فالعفة والكتمان من القيم الحضارية التي نص عليها ديننا الحنيف في شخص رسوله الكريم وهما الأساس لصيانة كرامة المرأة والأسرة والناشئة , تبين ذلك في رده صلى الله عليه وسلم على الشاب الذي طلب منه الترخيص للزنا حيث قال عليه الصلاة والسلام ما معناه : ( أترضاه لأمك ...) . ثم إن السلوك الصادر عن الحدثين الطائشين يتحتم التعامل معه كسلوك لا إرادي أخذا بعين الاعتبار المرحلة الحساسة التي يعيشها البريئان معا وهي المراهقة أو بداية البلوغ , ولا أحد يخفى عليه المعطيات النفسية لهذه المرحلة كالإحساس بالشموخ والتعالي والقدرة على تحدي الآخرين وما رافق ذلك من أحلام اليقظة التي تجعل المراهق يعيش عالما مثاليا متعاليا عن واقعه المبتذل الذي يقف في وجه الأحلام والرغبات الجميلة . إن حسن توجيه الناشئة أساس بناء المجتمع المسلح بالمناعة التي تقف في وجه كل السلوكات الانحرافية ليس من المنظور القانوني فحسب ولكن من المنظور العلمي والتربوي والإنساني , فإذا كانت السلطات الأمنية قد تعاملت مع الحادث من منظور قانوني رادع باعتقال الطفلين ثم إطلاق سراحهما أخذا بعين الاعتبار المرحلة الحساسة التي يعيشانها , فإن دور المدرسة والسلطات التربوية يبقى ضروريا في هذه النازلة بتحسيس الطفل والمراهق بالتركيز على الأولويات على رأسها التعلم , ودعم الأنشطة الثقافية والرياضية حيث يفجر المراهق طاقاته ومواهبه . لكن على النقيض من ذلك تلتزم لحد الآن السلطات التربوية الصمت كأن الأمر لا يعنيها , وكأنها لا تعرف أن الحدثين يفترض أن يكونا قد خرجا من المدرسة حيث لم يجدا الملاذ المناسب لستر كرامتهما وتفجير مواهبهما , في ظل ضعف مستوى التأهيل البدني للمؤسسات التعليمية الإعدادية , حيث يشرف أستاذ واحد للتربية البدنية على أكثر من 300 تلميذ بوسائل تعليمية متواضعة في أغلب الأحيان انطلاقا من ساحات التربية البدنية الضيقة للمؤسسات , مرورا بكرات مختلف الألعاب , وفي ظل عدم وجود قاعات تضم خشبات للعرض المسرحي بمؤسساتنا التعليمية , وهنا أتساءل ألم يان لسلطاتنا التربوية أن تدرج مادة المسرح بالمؤسسات التعليمية المغربية أسوة بالعديد من الدول الأخرى ؟ في ظل هذه الظروف التعليمية لا يجد العديد من المراهقين والمراهقات بدا من الانعزال والشكوى على بعضهم لينتهي الأمر إلى ما هو عليه الآن , ولكم أيها القراء الأعزاء أن تتصوروا الحالة النفسية للحدثين السابقين ولذويهما وأقاربهما في مجتمع مغربي لا يرحم أصحاب الزلات , بل يجعل من الحبة قبة . وإذا كان دور فعاليات المجتمع المدني ضروريا في التربية وتأهيل الناشئة , فإنه للأسف في بلدنا تسبح العديد من هذه الفعاليات ضد مجرى التيار وتحرص في كل واقعة وطنية على المزايدات السياسية ولو كان ذلك على حساب براءة الأطفال بإشاعة القبلات في الشارع , كأن هذه الفعاليات تريد أن ترى المغاربة مجرد مراهقين يلهثون في الشوارع وراء إشباع رغباتهم الجسدية فقط نسأل الله السلامة . فالحرص الحرص على التربية الحسنة أيها المعنيون (آباء , أمهات , مربيون ومربيات ...) , فالعديد من الأمم التي سبقتنا ما هلكت لفقرها المادي , ولكن بسبب تخلفها الأخلاقي وصدق الشاعر عندما قال : إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا . طابت أيامكم ولياليكم أيها القراء الأعزاء , وعيدكم مبارك سعيد , وكل عام وأنتم بألف خير .