يبدو أن الضمير المهني , مفهوم غامض فضفاض , والخوض فيه , لانهاية له , وخاصة حين يكون النقاش فيه في أماكن عامة : كالمقهى , والمستشفى , والمحكمة , والمدرسة , والأمن, والنقل , والمعامل ...لكن الأمر , ليس بالسهولة التي نتصورها جميعا , يعني أننا حين نناقش هذه القضية الكبرى الراهنة (الضمير) , فانه يتبادر إلى الذهن مباشرة , أن قضية خلل وجود موظف معين في مكان مهم من الوظيفة العمومية , لا يقوم بواجبه المتعلق به , كموظف تابع لأحد أسلاك الدولة , هي قضية لا يمكن حلها ولا حتى الخوض فيها . كما يعتقد كثير من الناس , ويرى البعض الأخر منهم : انه يجب معاقبة كل موظف لا يقوم بواجبه الوطني , لكي يكون عبرة للآخرين . غير أن إشكالية " الضمير المهني" ليس بالشكل البسيط الذي نتصوره جميعا , إذا قارنا وضعية الموظف المغربي مثلا بوضعية موظف أخر في دولة أخرى متقدمة أو سائرة في طريق النمو : صحيح أن الهوة بينهما شاسعة , كمن يقارن بين متناقضين متنافرين . لكن لابد وأن نجد نقط التقاطع بينهما والمشتركة , التي يكفي إنماؤها لكي , يتحول موظفنا من الجانب السلبي البيروقراطي المتقاعس ... إلى الموظف الايجابي , الديمقراطي , الفعال , الذي ليس همه إلا خدمة جميع أفراد المجتمع بدون تميز ولا محسوبية ولا زبونية ولا... فكيف إذن الوصول يوما ما إلى ما يتمناه كل مواطن مغربي في نفسه وفي تصوراته المستقبلية ؟ . إن خلل "الضمير المهني " معضلة وطنية , سببت في نتائج وخيمة للاقتصاد الوطني , وعرقلت سير عجلة النمو والتقدم , والازدهار العام والرخاء الاجتماعي ... و أصبحنا نلاحظ هذه النتائج واضحة في انتشار الفساد العام في كل هياكل الدولة , ووجد المنتهزون والوصوليون الفرصة سانحة لسرقة المال العام , كفريسة ميتة تنهشها أنياب الذئاب الحادة . لكن رغم هذا الوضع المزري , فلا يجب أن ننسى , الضمائر الحية – والتي سيأتي الحديث عنها قريبا- الأبية التي لم ترض نهائيا استغلال سلطتها في شتى هياكل الدولة , تلبية لنداء الوطنية الحقة , ورغبة في الراحة الذهنية والنفسية والفكرية ... وبصفة عامة : الراحة الشخصية . هناك عوامل مهمة ومتداخلة في تحديد مفهوم "الضمير"المهني " , فإذا عدنا إلى تعريف " الضمير" أولا , فهو ذلك المصطلح اللغوي الذي نقصد به شخصية المتحدث أو المتكلم حسب الجنس والنوع وزمان التكلم . وهذا يعني أن هناك أنواعا من الضمائر قد تكون ظاهرة أو مستترة ,متحركة أو ساكنة , حاضرة أو غائبة , فردية , ثنائية أو جماعية ... وبما أن المجتمع هو مجموعة من الأفراد المتفاعلة والمتعايشة, وقد تكون سالبة أو موجبة . فإنها بالطبع , وتبعا لمستوياتها الفكرية والثقافية و... قد تكون أثناء مزاولة مهامها حاضرة أو غائبة , مهتمة أو غير مهتمة , بقصد أو غير قصد بالوظيفة التي تقوم بها اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا واخلاقيا ... كما أن مفهوم المهنة لدى أفراد المجتمع المغربي , هو مفهوم تقليدي , نخبوي , متجاوز في الظرف الراهن , لأنه لازال يحمل في عمقه ترسبات التركة الاستعمارية : كالاستلاب الفكري الأوروبي , المنطلق من أن المهن العليا أفضل بكثير من المهن السفلي ,وخير مثال على : احتقار بعض المهن الأساسية في رقي بلدنا : كالتعليم , والصحة , والتكوين المهني .... بينما المفهوم الجديد للمهنة اليوم مثلا في اليابان وبعض دول الشرق الأسيوي , يعني أن التنمية البشرية للشعوب هي المنفذ الرئيسي للتقدم والإقلاع الاقتصادي والاجتماعي . وبالمناسبة اذكر هنا , وعي العامل الياباني في خدمة وطنه , يكفي أن اقو ل أن بعض الدراسات للبنك الدولي أتبت أن العامل الياباني , يحب مهنته إلى درجة انه يرفض الحصول على التقاعد ,والابتعاد عن المهنة ولو لفترة وجيزة كالعطل السنوية والدينية والوطنية , حبا في العمل والتفاني في خدمة الشعب والرقي به إلى الرتب العالية . بالمناسبة لا باس أن أذكر الطرائف الواقعية لبعض العمال واليابانيين , وأتمنى أن نصل نحن أيضا المغاربة إلى المستوى العالي في القيام بمهامنا , ويكفينا الاحتقار الذي نسمعه نحو وطننا , في حياتنا اليومية مثل (ولو الثقة فكحل ألراس) (لا تستغرب إننا في المغرب)... في اليابان : عامل لحام "سودور" يلحم السفن في ميناء كبير , له رخصة نصف شهر كعطلة يتمتع بها , لكنه رفض اخذ تعويضها المادي من الدولة اليابانية , بدعوى حبه للعمل ولوطنه , الله !!! متى يكون لنا موظفون يساهمون في تقدم بلدهم , لا يفكرون في الحب الشديد للمال العام وهم في الوظيفة العمومية . صحيح نلاحظ أن بلدنا دخل مرحلة التنمية البشرية , والحكامة الجيدة , والتكوين المستمر , والعولمة , والتغيير الجدري لمفهوم السلطة , والبرنامج الإستعجالي , والمخططات الخماسية والسداسية , القريبة المدى والبعيدة المدى ... لكن إلى أي حد ينطبق كل هذا على واقعنا المر , وعلى المواطن الفقير الذي يعاني الويلات أين اتجه ,وأين ارتحل, خاصة حين يريد وثيقة إدارية مهمة تفتح له نافذة يطل منها على عالم الهناء والعيش الكريم . ؟ محمد همشة دار ولد زيدوح في : 09/10/2011 .