الديمقراطية من الموضوعات التي يحبذ استمرار و تكرار الحديث حولها ومدارسة عناصرها ليس من المنظور الاصطلاحي و المفاهيمي و العقدي فحسب ، بل ومن المنظور التربوي و التطبيقي أيضا لاجل تعبئة دائمة و احداث تراكم ذهني ووجداني ، ولعل مثل هذا العمل سيسفر عن ترسيخ تقاليد صالحة ليشيد عليها صرح مجتمع متحرر يرفل في العدالة و المساواة ، مما تهفو إليه جماهير الوطن و منظماته الحقيقية ، غير أن \" تطبيق الديموقراطية ليس مسالة قرار إداري من طرف السلطة ، و إنما هو تعبير عن إرادة شعبية واعية \" وليس جديدا القول أن التوجه الديموقراطي في اغلب الحالات تأكد تحت ضغط شعبي قوي ...، ملح ...ومؤطر . لكن السؤال الذي يطرح نفسه . هل يكفي أن يعبر الشعب عن رغبته حتى يتم تحقيق الديموقراطية ، بمعناها الحقيقي ؟ بمعنى أوضح كيف السبيل لتحقيق الديموقراطية ؟ ماذا نعني بالديموقراطية ؟ ثم وقد مرت أزيد من خمس عقود على استقلالنا عن المستعمر الأجنبي هل حققنا هذا المطلب ؟ كيف ذلك ؟ ما الأسباب الكامنة وراءه ؟ سوف لن ندخل متاهة تحديد مفهوم الديموقراطية أو المدارس التي عالجته كما لن نغرق أنفسنا في البحث التاريخي عن اصل المفهوم و تطوره أو التغيرات التي عرفها بقدر ما سنحاول البحث في واقع الديموقراطية بالمغرب متخذين الديموقراطية المحلية كنمودج وعيا منا لن محاولة تحديد المفهوم أو تتبع مساره التاريخي و مراحل تطوره يحتاجان إلى بحث منفرد ثم انهما لم يعودا محل غموض . وعلى أي حال ، و كيفما كانت المراحل التي مرت منها الديموقراطية وستمر منها ومهما اختلف الفكر الإنساني حولها ، فان معظم الدارسين للموضوع يجمعون على وضع صياغة إجرائية لمفهوم الديموقراطية تشكل برنامج عمل قابل للتطبيق أساسه احترام الحريات السياسية للمواطنين و حقوق الإنسان مع ما يقتضي ذلك من مساواة إمام القانون ، وحق في المشاركة السياسية ، بمعنى أوضح أن يكون القرار السياسي ( سياسة الدولة ) محصلة أفكار و مناقشات القوى الحية و الوطنية المعبرة عن رأي الجماهير ، أي أن الديموقراطية الحقيقية أساسها المشاركة لا الموافقة مما يتطلب تعددية سياسية حقيقية نابعة من الجماهير لا تعددية مخبرية وصورية مصطنعة .هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، إمكانية تداول السلطة من خلال آليات النظام السياسي الشرعية . أما عن واقع الديموقراطية ببلادنا ، وما عرفته من تعترات و تطورات فسوف نقتصر على دراسة واقع اللامركزية بالمغرب ودور الجماعات المحلية كتجل لها . انطلاقا من نتائج تطبيق الميثاق الجماعي ( ما يفوق ) خمسة عشر سنة ، وبعد ان تبين ان مستقبل الديمقراطية المحلية اصبح متوقفا ، اجتماعيا و سياسيا ، و ثقافيا ، على توسيع اللامركزية الإدارية توسيعا يمكن المنتخبين المحليين من إدارة كافة شؤون السكان على الصعيد المحلي و الإقليمي و الجهوي ، وفق حاجياتهم الحقيقية ، وبمراعاة للخصوصيات المحلية ويستدعي تعزيز و توسيع الديموقراطية المحلية في الاتجاه الذي يستجيب لحاجيات الوطن، فتمت مراجعة ظهير 77 المتعلق باختصاصات الجماعات ، و إعادة النظر في التنظيم الإقليمي الصادر بتاريخ 12/09/1963 باعتباره اصبح متجاوزا ، لكن مالذي تحقق؟ لاشك أن التاريخ المغربي يحمل بين ثنياه أجوبة الأسئلة المطروحة و المحتملة، فالمغرب كسائر الأمم والشعوب عرف الديموقراطية المباشرة ، التي عاشتها البوادي بالخصوص ... كانت البوادي المغربية – قبل الحماية – تنهج ديموقراطية محلية ، حيث تمتعت باستقلال ذاتي عن السلطة المركزية ، وظلت سلطات قرارها بأيدي من تختارهم من بين سكانها (الجماعة –بتسكين الجيم-) ، فعاش سكان البوادي اكتفاء ذاتيا ، ولم يعانوا من مشاكل اقتصادية وخيمة تذكر ، غير أن الوضع عرف تغيرا نسبيا عما كان عليه في ظل الاستعمار الأجنبي الذي بدأ يتدخل تدريجيا في تنظيم الحياة البدوية و عصرنتها في أفق أستيلابها و جعلها مرتبطة به مصلحيا ، وهو ما تيسر له إبان المدة التي فرض فيها سيطرته على الأمة بحيث اصبح المستعمر الأجنبي يشرف على تسيير الشؤون الأساسية للدولة ، مما افقد المجتمع المغربي – البلدية خصوصا – روحه الجماعية السائدة – سابقا – والتي ظلت الحركة الوطنية تعمل على الحفاظ عليها بنضالاتها و صراعها مع المستعمر الأجنبي و أعوانه من الخونة و المتملقين ، حتى تم لتلك الحركة ( الحركة الوطنية ) إجلاء المستعمر الأجنبي عن البلاد بتظافر الجهود بين العرش و الشعب ، لكن بعد أن ربط الاستعمار الأجنبي مصير البلاد به و جعلها تابعة مصلحيا له وبعد أن خلق جماعة من المستعمرين الجدد الذين خلفوه . فكان أول صراع خاضته الحركة الوطنية في الفترة التي تلت الاستقلال عن الاستعمار الأجنبي يرمي إلى إقرار نظام ديموقراطي و دولة المؤسسات ترتب عن المطالبة بإقرار الديموقراطية و دولة المؤسسات صراع حاد بين المخزن و الحركة الوطنية أسفر عن تشكيل المجلس الاستشاري في الانتخابات البرلمانية في دستور 1962 إلى الانتخابات الجماعية التي طرحت بخصوصها وجهات نظر متعددة أبرزها ما اقترحته أحزاب المعارضة البرلمانية انذاك، و يتعلق الأمر بالتقطيع و التقسيم الجماعي ( حدوده – تعريفه ...) فقد انطلقت تلك الأحزاب بمختلف مكوناتها من اعتبار الجماعة \" وحدة اجتماعية ثقافية اقتصادية و تاريخية \" ، كما هو مأخوذ به في الدول التي يتخذ1 منها المغرب نموذجا (فرنسا مثلا 39 ألف جماعة تقريبا ) لاخذها بالتعريف المذكور الذي يعتبر الجماعة مجموعة من السكان لهم نفس الهموم و المشاكل و تربطهم روابط محددة ، وقد كان من الممكن أن يصل عدد الجماعات بالمغرب نفس العدد لو اخذ بالتعريف المقترح من قبل المعارضة البرلمانية ، لان كل دوار يتوفر على مواصفات الجماعة ، غير أن الخيار الذي اتبع والذي يحكمه الهاجس الأمني قبل كل شيء ، اعتبر الجماعة وحدة إدارية هذا من جهة أما من جهة ثانية فان أحزاب المعارضة وقتها والتي تتولى تسيير الشأن العام اليوم، أبدت عدم موافقتها على الشكل الذي يتم به الاقتراع وهو الاقتراع الأحادي الاسمي ( الاقتراع الفردي ) في دورة واحدة ، هذا النوع من الاقتراع الذي يرجح حسب رأيها كفة الأعيان و يتيح الفرصة لاستغلال النفوذ . وقد افرز ذلك النظام الانتخابي مجالس جماعية كانت في الفترة الممتدة من 63 إلى 77 بالمجالس الجماعية ذات دور استشاري فقط ، ولم تكن له أي سلطة تنفيذية حيث تجمعت كل الساط في يد الإدارة الوصية . وإذا كانت التجربة السالفة قد أبرزت الدور المحدود للمجالس الذي اقتصر على الاستشارة بينما استحوذت سلطة الوصاية على إدارة الشؤون المحلية . فان الأحزاب التي عاشت التجربة قد أفادها ذلك بمعرفتها سلبياته ، مما جعلها تربط مشاركتها في التجربة الثانية بشروط أهمها تخفيض سن التصويت و الترشيح لإتاحة الفرصة أمام الشبان للمشاركة السياسية ، وتعديل قانون 1960 برمته . وقد كان رد فعل الدولة إيجابيا حيث استجيب لبعض المطالب و بشكل خاص كانت اهم استجابة تعديل قانون 1960 و إخراج قانون 76 إلى الوجود . و أمام الاستجابة لمطالبها فان تلك الأحزاب دخلت الانتخابات سواء التشريعية أو الجماعية ، لاسيما وان القانون المنظم لهذه – أي الجماعية – قانون 1976 قد حمل مجموعة من التغييرات حتى لا نقول الإيجابيات لان التجربة اثبثت فيما بعد العكس ، وفي كل الاحوال فقانون 76 قد نقل دور المجالس من الاستشارية إلى مجالس ذات سلط ، و اعتبر إطار العمل الجماعي هو المجلس سواء كان بلديا أو قرويا ( بالمدينة أو البادية ) . وعليه و بإلقاء نظرة مقتضبة على التنظيم الجماعي بالمغرب على ضوء قانون 1976 نجد المجلس الجماعي يتركب ( حسب قانون 76 ) من ممثلي السكان المنتخبين عن طريق الاقتراع الأحادي الاسمي في دورة واحدة ، ويحدد عدد الدوائر و عدد المستشارين حسب عدد السكان ، يجتمع المجلس أربع دورات في السنة ( أكتوبر ، فبراير ، أبريل ، غشت ) كما يمكن الاجتماع في دورات استثنائية ويحضر جدول الأعمال من طرف الرئيس و مكتبه ، و يبلغ للسلطة الوصية المختصة التي تتوفر على ثمانية أيام لكي تدرج ما تعتزم إدراجه من نقط لينظر فيها المجلس . ويشترط لكي يتداول المجلس بصفة صحيحة حضور الأغلبية المطلقة من أعضائه و إذا تطلب الأمر استدعاء ثانيا لا يشترط فيه إلا الثلث و إذا تعذر حضور ثلث أعضاء المجلس تم في ثالث اجتماع التداول بمن حضر... ليتم فيما بعد تعديل قانون 1976، واخراج القانون المنظم للجماعات المحلية الساري المفعول والذي يدخل تجربة جديدة، بعد اخر تعديل، منح سلطات واسعة لرؤساء المجالس، جعلهم في غنى عن اغلبيتهم، مما خلق مجموعة من المشاكل، خلال التجربة الجارية، في اغلبها ناتجة عن شعور بعض الرؤساء ان لاحاجة لهم الى الاعضاء ما ينتج عنه تمرد هؤلاء، وامام استحالة قيامهم باي عمل يردع الرئيس، يلجؤون الى الاستقالات الجماعية التي غالبا ما ترفض من قبل السلطات الوصية،ليبقى الوضع على ماهو عليه... مما يطرح اعادة النظر في مجموعة من بنوذ هذا القانون خصوصا منها ما يتعلق بدور المستشار الجماعي، لجعله يقوم بدور ما في تدبير الشأن المحلي الذي انتذب للقيام به.