رحلت عنا الزميلة الصحافية لطيفة بوسعدن ليلة البارحة بعد معاناة طويلة مع المرض. وبرحيلها نفقد واحدة من الصحافيات القليلات في هذا الوطن التي تألقت في الحوار وفي التحليل السياسيين. لعلها من الصحافيات الأوائل المنتميات إلى الصحافة المكتوبة التي تعرف عليهن المغاربة لأول مرة وهن يحاورن على الشاشة ضيوف سياسيين في برامج سياسية. قبل بوسعدن كان الحوار السياسي في العقدين الأخيرين بالنسبة لجيل التناوب من الصحافيين جنسا ذكوريا. الراحلة بوسعدن كسرت القاعدة، وطرحت السؤال المحرج والأكثر احراجا. استطاعت أن تكلم السياسي الراحل ابراهام السرفاتي، وحظيت بثقة الكثير من محاوريها الذين كانوا يجدون فيها الصحافية الذكية ذات النظرة الثاقبة التي تطرح السؤال المناسب... أتذكر الآن بألم المذكرات الرائعة التي أنجزتها مع أبو بكر القادري وحواراتها مع بنسعيد آيت يدر وآخرين. كانت تحضر دكتوراه في العلوم السياسية لكن المرض لم يمهلها وقد ظلت تصارعه منذ سنوات، مع العلم أن الأطباء لم يتوقعوا أنها ستصمد لأكثر من ستة أشهر، لكنها برهنت أنها صلبة، وأنها قادرة على المقاومة لسنوات إضافية. كانت وراء أول طلب يوجه إلى الديوان الملكي لمحاورة الملك محمد السادس، وقد اعتبرت خطوتها جريئة من قبل الكثيرين وتطاولا من طرف البعض على المؤسسة الملكية التي لم يسبق لأي مغربي أن حاور الجالس على العرش في إطار عرف وسياق سياسيين يقولان أن المواطنين المغاربة رعايا والرعايا لا يطرحون السؤال على الملك، كما فسر ذات مرة الملك الراحل الحسن الثاني. لم يفتح القصر أبوابه لزميلتنا لطيفة بوسعدن، لكن كان لها شرف المحاولة النبيلة التي تبنع من حاجة مهنية صرفة، لصحافية حاولت أن تحاور الجالس على العرش وأن تطرح معه قضايا المغرب المؤرقة في بعدها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تماما مثلما يحدث حينما تحاور آن سان كلير الملك الراحل الحسن الثاني أو حينما يحاور صحافي يومية الباييس الاسبانية الملك محمد السادس أو صحافية مجلة "باري ماتش" الفرنسية"... وداعا زميلتنا لطيفة بوسعدن. إنها لمن لم يعرفها إمرأة استثنائية، ولم يسمح لها المرض والنكسات والخيبات أن تقول كل ما في جعبتها، وهي من طينة الأقلام المهنية بامتياز.