ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليوسفي وأزولاي واللعبي في جنازة السرفاتي التي اختلطت فيها التراتيل الدينية اليهودية بالشعارات الثورية
نشر في الرهان يوم 19 - 11 - 2010

أحاط عبد الحميد أمين، وعبد اللطيف اللعبي، وعبدالله الحريف، بنعش أبراهام السرفاتي، حتى اللحظة الأخيرة حين ووري جثمانه الثرى بالمقبرة اليهودية بالدارالبيضاء. وهؤلاء من الوجوه التي اشتركت مع الراحل أبراهام في مسيرته النضالية بكل معاناتها.
هناك، في المقبرة، اختلطت التراتيل الدينية اليهودية بالشعارات الثورية وشارات النصر خلال تشييع جثمان السرفاتي من قبل حوالي خمس مائة من الديمقراطيين واليساريين واليهود المغاربة، بحضور عدد من الوجوه السياسية من بينها الوزير الأول السابق عبد الرحمان اليوسفي، ووزير الدولة محمد اليازغي ووزيرة الطاقة والمعادن أمينة بنخضرا، والمستشار الملكي أندري أزولاي، ووزير السياحة الأسبق ورئيس الجالية اليهودية بالمغرب سيرج بيرديغو.
وحضرت عدة وجوه يسارية من بينها محمد بنسعيد آيت يدر، واسماعيل العلوي، ومحمد الساسي، وخديجة الرويسي، ومحمد المانوزي. كما حضر من الجانب الحقوقي أحمد حرزني رئيس المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان، والكاتب العام لنفس الهيئة المحجوب الهيبة، ورئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج ادريس اليزامي، وقياديين من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى أفراد من عائلة الفقيد من بينهم زوجته كريستين، وابنه موريس وحفيده ثييو الذي كان يستقبل التعازي رفقة أبيه، ويواسي المعزين.
وتميز ختام التأبين بكلمة رقيقة للشاعر الكبير عبد اللطيف اللعبي الذي دعا في ختام كلمته لترديد شعار كان المعتقلون السياسيون يرددونه في الزنازن ومطلعه "لنا يا رفاق لقاء غدا، سنأتي ولن نخلف الموعد".
كما ألقى عبدالله الحريف الكاتب العام للنهج الديمقراطي، كلمة، سبقتها الكثير من "المشاورات" بين أندري أزولاي وسيرج بيرديغو، ربما كانت حول السماح أو عدم السماح للنهج الديمقراطي بتقديم كلمته، إذ لوحظ أن أندري أزولاي خرج من مكان التأبين، وتبعه سيرج بيرديغو قبل أن يعودا وتنطلق الكلمات، بما في ذلك كلمة الحريف التي ذكرت بالمسار السياسي للسرفاتي كأحد المؤسسين للحركة الماركسية اللينينية وخصوصا منظمة "إلى الأمام".
وفي ختام التأبين شرع أنصار الراحل في ترديد الشعارات المساندة لفلسطين.
وبالإضافة إلى رصيده النضالي، ترك الفقيد وراءه العديد من الكتب، والدراسات حول استراتيجيات النضال المغربي من أجل الديمقراطية، وعرف عنه إبداعه في الكثير من المجالات، منها تقييمه لمدى تطور الديمقراطية في المغرب.
ومما سبق للسرفاتي أن قاله "إن المغرب يخرج من السنوات السوداء نحو السنوات الرمادية" طبعا في انتظار السنوات البيضاء مثلما يفهم من هذا القول.
وكلف هذا الموقف الرجل مقاطعة أغلب رفاقه خصوصا أعضاء النهج الديمقراطي، الذين استمروا في اعتبار "السنوات السوداء متواصلة" حتى في عهد الملك محمد السادس. في حين كان السرفاتي يعتبر هذا الموقف غير دقيق علميا.
وبالرغم من هذا الخلاف الكبير، كل اليساريين من رفاق الراحل وزعوا بيانات التعزية، ودعوا كل الديمقراطيين للسير في جنازته.
وقضى السرفاتي 17 سنة في الاعتقال بالمغرب وثمان سنوات من المنفى من أجل انتمائه لليسار. وشكلت عودته للمغرب من إشارات انفتاح النظام السياسي المغربي على معارضيه.
ومما يذكر للرجل، وهو مهندس متخصص في الدراسات النفطية، أنه استغرب إعلان اكتشاف كميات نفط مهمة في تالسينت، وشكك في ذلك، قبل أن يكتشف المغرب صدق أقوال الرجل. وهذا ما جعل الملك محمد السادس يعينه مستشارا علميا بإحدى مؤسسات وزارة الطاقة والمعادن ONAREP، وأعفي الوزير الطاهري من مهامه.
عبد الحميد أمين رفيق درب السرفاتي:
خلافاتي مع السرفاتي لا تنقص من نضاله التاريخي واعتباره منجما للأفكار
أجرت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» حوارا مع عبدالحميد أمين، الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ورفيق أبراهام السرفاتي في النضال السياسي والنقابي، يتذكر أهم المحطات والمراحل التي عاشها مع هذا المناضل، سواء في إطار تنظيم منظمة إلى الأمام أو فترة الاعتقال بالسجن المركزي بالقنيطرة، يتطرق كذلك لعدة أحداث أخرى كرجوع السرفاتي بعد منفاه القسري من فرنسا واستقباله بمطار سلا وفندق هيلتون، وموقفه المشرف من القضية الفلسطينية
اللقاء الأول مع أبراهام السرفاتي والمسيرة النضالية
أول مرة سأسمع باسم المناضل أبراهام السرفاتي، بعد انخراطي في الحزب الشيوعي المغربي في بداية 1960 ، حيث كنت آنذاك طالبا في باريس، وعند التحاقي بالحزب الشيوعي المغربي هناك، بدأت أتعرف على مسؤولي وأطر هذا الحزب، ومن ضمنهم أبراهام السرفاتي الذي سألتقي به مباشرة في مطلع 1969، حيث جاء لباريس ليلتقي بعدد من المناضلين واعتقد انه كان آنذاك يتحدث باسم جمعية تسمى «جمعية البحث الثقافي»، كان قد أسسها بالمغرب مع عبد اللطيف اللعبي ومثقفين مغاربة آخرين، وكانت هذه الجمعية جمعية نقدية تحاول إبراز أفكار يسارية جديدة، سواء في المجال السياسي أو الثقافي، وآنذاك أحسست أن شيئا ما يتململ داخل حزب التحرر والاشتراكية الذي أسس كاستمرارية للحزب الشيوعي المغربي المحظور، ونحن كطلبة أحسسنا بنوع من الالتقاء مع هذه الأفكار، لأنه كانت لنا بعض المواقف النقدية من تجربة الحزب الشيوعي المغربي أثناء فترة الاستقلال وكذلك تجربة حزب التحرر والاشتراكية .
لكن السرفاتي سأعرفه أكثر وبشكل مباشر وثابت بعدإنشاء المنظمة الماركسية اللينينية الف في 30 غشت 1970 التي ستصبح في ما بعد منظمة إلى الأمام، بعد حوالي سنتين ونصف ستأخذ اسم منظمة إلى الأمام، منذ أكتوبر 1970 سيتم إدماجي في لجنة التنسيق الوطنية للمنظمة الماركسية اللينينية ألف في الهيئة القيادية لهذا التنظيم، وكنت ألتقي بالسرفاتي كأحد القادة البارزين أسبوعيا، ولأن الاجتماعات كانت تعقد بشكل سري ، لأن التنظيم لم يحظ بالشرعية القانونية ولم يكن أصلا يبحث عنها باعتباره تنظيما ثوريا كان يعرف في جميع الأحوال من المستحيل الحصول على الشرعية القانونية.
ففي نهاية دجنبر 1971 وفاتح يناير 1972 تم عقد الندوة الوطنية الأولى للتنظيم الماركسي اللينيني ألف، وكانت بمثابة مؤتمر لتنظيم أ أفرزت لجنة وطنية وكتابة وطنية تتكون من أبراهام السرفاتي عبد اللطيف اللعبي، عبد اللطيف زروال وعباس المشتري وعبد الحميد أمين، فكانت هذه الكتابة الوطنية خماسية الأعضاء تجتمع أسبوعيا في السرية، وكان الاتصال بالرفيق أبراهام السرفاتي على الأقل أسبوعي، وبعد أسابيع قليلة من انعقاد الندوة، تم اعتقال عبد اللطيف اللعبي وأبراهام السرفاتي على خلفية الإضرابات الطلابية التي عرفتها تلك السنة، فتم الإفراج عنهما بعد ما كانت الإضرابات الطلابية تطالب بالإفراج عنهما ولم يتم اكتشاف انتمائهما لتنظيم المنظمة، وفي مارس 1972 تم الاعتقال مجددا لعبد اللطيف ، وكان البحث جاريا عن أبراهام السرفاتي مجددا لاعتقاله، لكنه هذا الأخير دخل في السرية، ظل يعمل منذ ذلك الحين، حتى أن تم اعتقاله، لكن نحن الأربعة في الكتابة الوطنية بقينا نشتغل، إلى حين اعتقالي بدوري في 29 مايو 1979، وكانت لنا اتصالات متقطعة معه من داخل السجن، وكان يبحث عنه بقوة، حيث في نهاية 1972 تم اعتقال أخته نفلين السرفاتي وتم تعذيبها بشكل وحشي لتجهر عن مكان اختفاء أخيها أبراهام السرفاتي، وبسبب التعذيب الوحشي الذي مورس عليها، توفيت مباشرة بعد ما خرجت من السجن.
ففي نونبر 1974 سيعتقل السرفاتي ، فبالنسبة لي لم أر السرفاتي منذ ما قبل اعتقالي بأيام، إذن كنت رأيته ثلاثة أيام أو أربعة أيام قبل اعتقالي في إطار اجتماعات الكتابة الوطنية لمنظمة ألف، ولم أراه مجددا إلا في 4 شتنبر 1979 في السجن المركزي بالقنيطرة ، حيث كنت أنا بحي جيم ، بينما السرفاتي كان معتقلا بحي ألف، و في 4 شتنبر سيتم جمعنا في نفس الحي ألف، وسنعيش معاناة السجن معا لمدة خمس سنوات، أي منذ 4 شتنبر 1979 إلى 23 غشت 1984 حيث سأخرج ضمن ما تبقى من المجموعة الماركسية اللنينية الأولى التي اعتقلت مطلع سنة 1972، كنا خمسة أحمد حرزني وعبد اللطيف الدرقاوي، سيون أسيدون، باري وأنا شخصيا، كانت تلك المجموعة تضم في الأصل84 في محاكمتها.
عبد الحميد أمين وأبراهام السرفاتي خلال خمس سنوات بالسجن المركزي بالقنيطرة
عرفت السرفاتي أكثر خلال هذه الخمس سنوات التي قضيناها معا في السجن المركزي، حيث كانت هذه المدة خصبة على مستوى التعارف السياسي والإنساني، على المستوى السياسي، كنا نخصص وقتنا كمناضلين متشبثين باستمرار التجربة، فكنا نناقش نقطتين أساسيتين، أولا تقييم التجربة لتنظيم منظمة ألف والتي أصبحت فيما بعد منظمة إلى الأمام، وثانيا التفكير والعمل على إعادة بناء المنظمة،التي تم تفكيكها،اثر موجات القمع المتتالية خلال سنوات 72 ، 74 ، 76 ، 77 ، التي أدت إلى تفكيك التنظيم، فبعد خروجي من السجن، العلاقات مع السرفاتي ستصبح متقطعة من جديد وخصوصا أنني شخصيا ركزت على العمل الجماهيري، سواء العمل النقابي وفيما بعد العمل الحقوقي.
السرفاتي بدوره لم يخرج من السجن إلا في سنة 1991 بعد أن قضى 17سنة من السجن، وكان قد حكم عليه آنذاك بالمؤبد، وخرج من السجن ليزج به في المنفى بفرنسا بدعوى أنه لا يحمل الجنسية المغربية، وإنما له الجنسية البرازيلية، وهذه كانت تخرجة من وزير الداخلية السابق إدريس البصري من أجل التخلص من أبراهام السرفاتي، نظرا للضغط الحاد للمطالبة بإطلاق سراحه في تلك الفترة، حيث سيقضي أبراهام السرفاتي ثماني سنوات في المنفى، أي سيقضي 25 سنة مابين السجن بالمغرب و المنفى بفرنسا، وأرجع من المنفى بعد أن أصبح محمد السادس ملكا للمغرب ببضعة أسابيع.
رجوع أبراهام السرفاتي المنفى إلى المغرب
السرفاتي ناضلنا كثيرا من أجل رجوعه، حيث تشكلت لجنة للمطالبة برجوعه من منفاه القسري إلى بلاده ولم يتحقق ذلك إلا بعد أن أصبح محمد السادس ملكا للبلاد.
كنا قد سمعنا بأن السرفاتي حين رجوعه إلى المغرب من فرنسا، سينزل في طائرة بمطار سلا، فذهبنا ثلاثة مائة مناضل لاستقباله في المطار، وكان هناك في ذلك اليوم وفد رسمي من بين أعضائه حسن أوريد، فكان صراع كبير حول مع من سيذهب السرفاتي؟ هل مع الوفد الرسمي أم مع المناضلين، وأتذكر أن السلطات منعتنا من الدخول إلى المدرج الخاص بالمطار، لأن السرفاتي لم يخرج، وأنا شخصيا كانت لي مشادة كلامية مع حسن أوريد على أن رجوع السرفاتي للمغرب قد رجع بفضل نضالنا وليس بمبادرة أي كان ، وفي آخر المطاف دخلت ووجدت السرفاتي مع زوجته كريستين في سيارة، وطرحت عليه نفس السؤال، لكن زوجته قالت أنت ترى أن هناك وفدا رسميا معنا سيذهب بنا إلى الفندق، وفي الحقيقة كان الموقف مؤسفا، وأحسسنا بخيبة أمل وبعد تردد كبير قررنا الذهاب كمناضلين إلى فندق هلتون، حيث نزل السرفاتي وجاء لزيارته بعض الرسميين آنذاك كعبد لرحمان اليوسفي والوزراء في إقامته، وكان عدد المناضلين كبير جدا مما اضطر أبراهام السرفاتي للخروج إلى بهو الفندق لاستقبالهم، وأخذ الكلمة التي كان مضمونها الأساسي يرتبط برجوعه بمبادرة جلالة الملك وأكد أنه يراهن على الملك الشاب والعهد الجديد من أجل ديمقراطية البلاد وفتح عهد جديد.
فهذا الخطاب لم يعجب جل المناضلين، بل وبعضهم من غادر القاعة وأتذكر من بينهم عبد العزيز المنبهي الذي قال كلمة « الله يعاونا ويعاونك»، لكن بعد ذلك سيعود إلى القاعة، وأنا شخصيا شعرت بإحراج كبير، وأخذت الكلمة عمليا باسم الحضور، وقلت أولا على أن السرفاتي رجع إلى المغرب بفضل نضالات الديمقراطيين بالمغرب والخارج ، وأكدت أن رجوعه لم يكن منة من أحد، وشددت كذلك على أن السرفاتي الذي نستقبله اليوم هو المناضل التقدمي ضد المخزن ومن أجل الديمقراطية، هو السرفاتي الذي انحاز للطبقة العاملة، في نضالاتها والذي فقد عمله نتيجة انحيازه للطبقة العاملة، وهو السرفاتي ضحية النظام السياسي المغربي، سبعة عشر سنة من السجن و8 سنوات من المنفى، ووضعنا الأمور في نصابها حتى يشعر الجميع، أننا وإن كنا لا نزكي ما قاله السرفاتي، نقدر في السرفاتي نضاليته وكفاحيته ودوره التقدمي في البلاد.
علاقة عبد الحميد أمين بأبراهام السرفاتي بعد رجوعه إلى المغرب
بعد هذه المحطة علاقتي بالسرفاتي بقيت علاقة فاترة، كانت له مشاكله، وأنا شخصيا كانت لي مشاغلي الكثيرة في العمل النقابي، فأنا لم يكن لي دور مهم في إنشاء النهج الديمقراطي، و مع ذلك اعرف أن السرفاتي لم يلتحق بالنهج، وظل يراهن على أن العهد الجديد يمكن أن ينتج عنه دمقرطة البلاد في ما كان يسمى بالانتقال الديمقراطي.
أبراهام السرفاتي منجم للأفكار
السرفاتي منجم للأفكار، فهو إنسان ينتج الكثير من الأفكار، طبعا قد تكون خاطئة أو صحيحة، لكن يجب دائما المناقشة معه حتى تظل أفكاره مرتبطة مع الواقع، فيجب دائما أن تأخذ الحيطة إذا ما كانت نظرياته ملتصقة مع الواقع وقادرة للتطبيق، أما بالنسبة للخلافات فلقد كنا ندبرها بشكل ديمقراطي، فمن بين القضايا الأساسية التي كانت تشغلنا في السجن وبشكل مختزل ثلاثة أصناف: أولا تقييم التجربة، فكان الصنف الأول من يعتبر أن التجربة كانت فاشلة وأننا أخطأنا وأن لا مجال في الاستمرار، والصنف الثاني يرى أن التجربة كانت ايجابية ويجب الاستمرار فيها كما هي ويجب الاحتياط كي لا يتمكن القمع من إجهاضها، فحين يعتقد الصنف الثالث أن التجربة ايجابية ويجب الحفاظ على خطها العام، لكن فيها أخطاء يجب تجاوزها وتصحيحها
} ما يحتفظ به عبد الحميد أمين عن أبراهام السرفاتي
ما أحتفظ به عن الرفيق أبراهام السرفاتي أولا دوره الوطني في مناهضة الاستعمار الفرنسي، حيث اعتقل بسبب مناهضته للاستعمار في الانتفاضة العمالية 1952 على إثر اغتيال القائد فرحات حشاد، اعتقل وُعذّب وتم نفيه إلى فرنسا ولم يعد إلا بعد أن نال المغرب استقلاله، ما أحتفظ به عن السرفاتي دوره في مناهضة المخزن والقمع ودفاعه عن الديمقراطية الشعبية الاجتماعية السياسية والاقتصادية، وكذلك دوره في الدفاع عن الطبقة العاملة والمنحاز إلى قضاياها والمدافع عن مطالبها، حيث كان يشتغل كمسؤول بالمكتب الشريف للفوسفاط، واتخذ موقفا مساندا لإضرابات الفوسفاطيين، مما تسبب له في مشاكل مع إدارة المؤسسة، دون أن نغفل دوره في تصحيح مسار الحزب الشيوعي المغربي بآرائه النقدية من خلال تاريخه أثناء الفترة الاستعمارية أو بعد انتهاء فترة الحماية، وكنا نعتبر أن هذا الحزب ليس له دور جدري في مناهضة الدولة المخزنية، فالسرفاتي كان ضمن المنتقدين لهذا المسار ومن تم كان تأسيس منظمة ألف.
أبراهام السرفاتي والقضية الفلسطينية
مسألة مهمة جدا لا بد من تسجيلها للسرفاتي، ألا وهي دوره الكبير في دعم المقاومة الفلسطينية، حيث نعرف أن السرفاتي كيهودي يساند الفلسطينيين، فهذا يمكننا من التمييز بسهولة ما بين الصهيونية كحركة أفرزتها الامبريالية العالمية واليهودية كديانة وكثقافة. فكون العديد من المناضلين اليهود المغاربة، اسيدون، السرفاتي، ريمون بنعيم، ادمون المالح وشمعون ليفي يساندون القضية الفلسطينية، فهذا يساعد على توضيح طبيعة الصراع ما بين الفلسطينيين والصهاينة بطبيعته، صراع تحرري ضد الاستعمار الصهيوني وليس صراع ديني.
وصمود السرفاتي واستمراره في النضال من داخل السجن من أجل التحرر الوطني والديمقراطية والاشتراكية، فالسجن بالنسبة له لم يكن محطة للراحة وإنما محطة نضالية ذات طبيعة خاصة، وهذا كان له دور كبير بالنسبة للمناضلين خارج السجن.
كريستين زوجة السرفاتي
أما بالنسبة لزوجته كريستين، فقد تزوج بها من داخل السجن، فزواجه لم يكن بسهولة من السلطات المغربية، حيث لم تسمح بذلك، فكريستين قبل أن تكون زوجته، كانت رفيقة الدرب ومناضلة وقدمت الكثير من المساعدات للمناضلين داخل المنظمة، فالسلطات عرقلت زواجهما معا، فلم يكن هذا الزواج ربما إلا بعد تدخل زوجة الرئيس السابق لفرنسا فرانسوا ميتيران لتسهيل ذلك، عانت معه الكثير وظلت منذ مطلع الستينات إلى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.