كان حلمي في حياة أخرى، أن أصبح شيخة، أي فنانة عيطة حقيقية، على وزن فاطنة بنت الحسين وعايدة والحامونية وخديجة مركوم ونعينيعة والزحافة وغيرهن من قامات كبرى في حفظ القصائد وغنائها وأدائها للسّميعة الحقيقية، مخترقة الطابوهات ومجتمعات الرجال المنغلقة في أوجه النساء. الشيخة، هي امرأة ساقتها ظروفها وهي طفلة أن تعاشر شيوخ وشيخات وشعراء وقصايدية ونظّامة موهوبين، سلطتهم الوحيدة والرهيبة، هي حسن السماع والالتقاط والحفظ وامتلاك صوت مطواع، جرّاح للمشاعر والحواس. وعيوط المغرب المغناة بأصوات الشيخات، كتب عنها عدد من الباحثين في الفن الشعبي المغربي، كالأستاذ حسن بحراوي وحسن نجمي وأحمد الشتيوي وغيرهم. الشيخة، هي خزان حيّ لثرات شفوي جاء حاملوه إلى المغرب من الشرق منذ القرن الثاني عشر ميلادي، اختلطوا بالأمازيغ وأطلق على غنائهم "العروبي" . والشيخة، لم تكن بالضرورة عاملة جنس أو نديمة للأعيان وأهل السلطان والأغنياء، بقدر ماكانت فنانة حقيقية، قد يذهب بها اعتزازها بنفسها ودفاعها عن العدالة إلى مصير خربوشة مع القائد عيسى بن عمر، كما ورد في قصيدة "حاجتي فكريني". وأما ما يخص الاعتماد على الجسد في تعاطي الشيخة مع دورها كمغنية ومؤدية للعيوط والأشعار، فقط يختلط في ذهن البعض، ممن وصلتهم الصيغة المشوهة من مهنة الشيخة والشيوخ، وزاد الحل على الخميرة، ما منحه سوء الذائقة الفنية لإعلامنا وما يروحه في الاعلام العمومي، وكملت الباهية مع نجمات المنصات والمهرجانات وسهرات الخليج والسكارى والحشاشين، ما أدى لظهور شيخات الكارطون أمثال نجمات المواقع التواصلية والفيديو كليب واليوتيوب. الشيخة، ليست هي الممثلة التي تحتاج بالضرورة للتكوين الأكاديمي والدراسة المعمقة في الفن، ثم طبعا لجسد جميل ومتناسق، والباقي يكمله التسويق الجيد والشوبيزنس. لذا، فأنا مفتونة وسأظل كذلك، بتراث العيطة مما غنته شيخات حقيقيات ولاعزاء لكل أنثى لاتعرف ماكانت تحلم به أو تعترف بأن جسدها خارج الفن لايساوي بصلة.